فيما كان من المتوقّع أن يتولّى أبو أحمد زكور، الرجل الثالث في "هيئة تحرير الشام" الذي انشقّ عنها في الأشهر الأخيرة، تنفيذاً لتهديدات عدة صدرت عنه، مهمة تسريب معلومات موثوقة ومحرجة تشكّل ضغطاً على صديقه القديم أبي محمد الجولاني، جاءت التسريبات من شخصية مناهضة لكل من زكور والجولاني هو أبو العلاء الشامي.
وعلى ما يبدو، فإن الشامي قرر بعد مقتل أبو ماريا القحطاني بانفجار حزام ناسف في مضافته في مدينة سرمدا الشهر الماضي، فتح الصندوق الأسود الذي يملكه عن أميره السابق وأفراد عائلته، لا سيما أن الشامي كان قائداً عسكرياً معروفاً في الهيئة قبل أن ينشق عنها قبل ما يقارب خمس سنوات.
وركّزت سلسلة التسريبات التي نشرها الشامي في حسابه في موقع "تلغرام" على معلومات مهمة وخطيرة حول تزايد اعتماد الجولاني على أفراد من عائلته من أجل ضمان السيطرة على مفاصل الحكم في محافظة إدلب ومحيطها، ومن أجل مواجهة حالة الاستياء الشعبي التي انتفضت في وجهه ولم تتوقف منذ خروج تفاصيل ملف العملاء إلى الإعلام.
وكشفت التسريبات كيف أصبحت إدلب في السّنوات الأخيرة ملكاً مشاعاً مستباحاً للجولانيّ وعائلته وأقاربه، وكأنّه ورِثها بما فيها عن أبيه وجدّه ليتصرّف بها كما يريد ويُقسِّم الكعكة كما يشاء على عائلته الفاسدة المفسدة (رغم أن هذه العائلة لم تعرف التّضحيات في الثّورة السّوريّة لا من قريب ولا من بعيد فلم تقدّم شهيداً أو جريحاً واحداً فيها ولم يخض أحد أفرادها معركةً واحدةً من معاركها)، وفق التسريبات التي نشرها الشامي.
شقيق الجولاني نائب وزير الصحة في إدلب
لم يتحدث أبو العلاء الشامي في تسريباته المتتالية التي وصلت إلى خمسة أجزاء حتى الآن سوى عن شقيقين للجولاني هما ماهر وعلي، فسارعت شخصيات أخرى مناهضة للجولاني إلى ترميم الثغرة والكشف عن معلومات أخرى حول شقيقيه الآخرين من دون تسميتهما.
وقد حظيت التسريبات التي طالت ماهر الحسين، وهو نائب وزير الصحة في حكومة الإنقاذ التي تدير مناطق سيطرة الجولاني وتعمل تحت إشرافه، باهتمام خاص من المراقبين، وأحدثت إرباكاً حتى في صفوف "هيئة تحرير الشام" التي سارعت إلى توضيح بعض النقاط من دون أن تنفي علاقة القربى بين ماهر والجولاني.
وذكرت التسريبات أن ماهر الحسين ما هو في الحقيقة سوى شقيق الجولاني ماهر حسين الشرع، لكنه أخفى كنيته في الهوية الشخصية التي يستخدمها في إدلب واعتمد اسم والده (حسين علي الشرع) ككنية بديلة بهدف التمويه على علاقة القربى بينه وبين الجولاني.
وبحسب المعلومات المسربة، فإن ماهر حسين الشرع ويبلغ من العمر 50 عاماً، يتولى منصب نائب وزير الصحة لكنه عملياً يدير الوزارة شخصياً لأن الجولاني يقوم بتأهيله لتسليمه رئاسة حكومة الإنقاذ في المستقبل. وقد درس ماهر الشرع الطب ونال اختصاصه في الأمراض النسائية من جامعة روسية عام 2000. وعمل بين بعض دول الخليج وتركيا قبل أن يستقر في سوريا، وتحديداً في القنيطرة حيث افتتح عيادة خاصة به حتى عام 2020 قبل أن يغادر إلى روسيا من جديد وبقي هناك حتى عام 2022 ليعود فجأة في منتصف ذلك العام إلى إدلب.
ورداً على هذه التسريبات، ادّعت حكومة الإنقاذ أن استقدام ماهر الحسين إلى إدلب جاء في سياق مساعيها لاستقطاب الخبرات السورية في الخارج، لكنها لم تذكر أي تفاصيل عن هوية الحسين الحقيقية، وفق ما نشر موقع "عنب بلدي" السوري المعارض.
وقالت الحكومة في توضيحها إنه من بين هذه الكوادر، الدكتور ماهر الحسين من مواليد دمشق 1973، وفي عام 1999 حصل على الدكتوراه في العلوم الطبية قسم الجراحة النسائية، علاج العقم والإخصاب المساعد، وجراحة الأورام، والجراحة التجميلية، والدبلوم في إدارة النظم الصحية.
وذكرت أنه عمل في سوريا لدى وزارة الصحة رئيساً لقسم التوليد والجراحة النسائية منذ عام 2004 حتى 2012، وتعرض للاعتقال لدى قوات النظام عام 2012، وبعد خروجه من السجن سافر هرباً من آلة بطش النظام.
وبحسب الحكومة، فإن الطبيب تنقل كاستشاري في الجراحة النسائية بين دول عربية وإقليمية وغربية، وأخيراً عمل في الشمال السوري بين 2022 و2023 بما فيها فترة حدوث الزلزال.
ولم تؤكد “الإنقاذ” أو تنفي صحة ارتباط الطبيب ماهر الشرع بقائد “تحرير الشام” أبي محمد الجولاني، كما تجنبت توضيح ما إذا كان يعمل في مناطق سيطرة النظام السوري حتى عام 2020.
أقرباء آخرون: قاض ورجل أعمال وأمنيون
قبل شقيقه ماهر استقدم الجولاني شقيقه الأصغر علي حسين الشرع الذي كان يعمل في تركيا في أعمال مختلفة مقابل أجور زهيدة، وبعد إقامته في إدلب أصبح يعرف بلقب أبو المجد الشامي. ويعتبر الشقيق الأصغر حالياً من أبرز رجال الأعمال الأثرياء في إدلب بسبب حصوله على ما يشبه احتكار استيراد مادة السكر من تركيا ودول أخرى وبيعها إلى شركة السكر في إدلب التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام".
وفي إشارة إلى مدى الأرباح التي يجنيها الجولاني عن طريق شقيقه بسبب التجارة بمادة السكر، ذكرت تسريبات أبو العلاء الشامي أنه يتم فرض ضريبة مقدارها 4100 دولار (أي 150 دولاراً عن كل طن) على كل شاحنة سكر تدخل إلى منطقة إدلب عبر معبر باب الهوى، وبما أنه يدخل يومياً ما يقارب 20 سيارة فتكون حصيلة الضرائب التي يضعها الجولاني في جيبه حوالي ثمانين ألف دولار يومياً.
وفيما لم تذكر تسريبات الشامي سوى شقيقين للجولاني هما ماهر وعلي، ذكر موقع "الشرقية" أن الجولاني لديه شقيقان آخران ولكنه لم يذكر اسميهما، وقال إن أحدهما يعمل قاضياً في مدينة سرمدا، شمال إدلب، بينما يعمل الثاني في مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق بتجارة مواد غذائية.
وأظهرت التسريبات مدى اعتماد الجولاني على خاله شقيق أمه ودادـ، إذ سلّمه العديد من المناصب المهمة بما فيها المسؤول الأمني عن معبر باب الهوى. فقد ظهر فجأةً في إدلب عام 2020 خال الجولانيّ أبو خالد درعا (حسام الدّين الشّرع، وعمره يزيد عن 50 عاماً) والذي كان مساعداً في إدارة الهجرة والجوازات في محافظة درعا قبل بداية الثّورة السّوريّة، ومن دون مقدّمات وظفه الجولانيّ مسؤولاً أمنياً لمعبر باب الهوى من دون أن يعرف أحد أين قضى أعوام الثّورة العشرة وهل عمل فيها لمصلحة الثّورة أم للنّظام أم لجهات أخرى أم أنّه كان حيادياً مذبذباً لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك؟! وفق حساب الشامي على "تلغرام".
خلال عمله في المعبر كان خال الجولاني مسؤولاً مباشراً عن تسلم أيّ معتقل ترسله الاستخبارات الدّوليّة إلى إدلب ليتمّ تعذيبه وسلخ جلده في سجون الجولانيّ السّرية، وكذلك مسؤولاً عن تسليم أيّ مهاجرٍ إلى الخارج ضمن الصّفقات الأمنيّة.
وفي عام 2022 قام الجولاني بترقية خاله وعينه مسؤولاً أمنياً في الملفّ الاقتصاديّ في قسم التّجّار، ثم بعد ذلك عيّنه محققاً في ملف العملاء الذي بدأت تفاصيله تتكشف منتصف عام 2023، وبعد مقتل القحطاني عيّن الجولاني خاله مسؤولاً أمنياً لملفّ التّحالف والنّظام بدلاً من أبي عبيدة منظّمات الذي اضطر الجولاني إلى عزله بسبب دوره في تعذيب المتهمين.