تهيمن البضائع الوطنية المنخفضة الجودة على الأسواق السورية، حتى داخل المحال التي يفترض أنها وكالات أزياء معروفة وعالمية، والتي صارت تتعامل بالمنتج المحلي لسهولة تحصيل الربح فيه وصعوبة الحصول على المنتج ذي الجودة العالية، في عملية احتيال تضمن الالتفاف وإيهام الزبون بأنّه لا يزال يشتري من الـ"براند" نفسها التي كان يشتري منها قبل الحرب.
انتحال صفة وماركات مزيفة
حافظت محلات تجارية كثيرة على الأسماء العالمية التي كانت موجودة قبل الحرب، والتي كانت حينها تستورد بضائعها من الدول الأوروبية ومن أفضل الماركات. ومن السهل أن يجد السوريّ اليوم الكثير من أفرع "زارا" و"أديداس" و"ديادورا" و"ماجيلا" و"بوما" و"إكس" وغيرها في مختلف المدن، وبأفرع عديدة داخل كل مدينة.
لكنّ البضائع داخل تلك المتاجر ليست مستوردةً من المصنع الأم، ويستفيد أصحاب المحال أولئك من كون الشركات تلك لن تلاحقهم من أجل حقوق الملكية والإساءة للسمعة بفعل الحرب والحصار على سوريا، والطامة الكبرى أنّ أسعار تلك المحال أعلى بأضعاف من أسعار السوق، فأصحابها يتعاملون معها على أنّها حقيقية بالمطلق.
هذه الممارسات تثير امتعاضاً لدى زبائن تلك الماركات.
توضيح رسمي
وشرح الصناعي عضو مجلس إدارة غرفة الصناعة بسام العبد لـ"النهار العربي" الآليات القانونية الضرورية للاتجار في الملابس في سوريا. وقال: "في سوريا عليك أولاً أن تسجل اسم (وكالتك) في دائرة حماية الملكية التي لا تمنحك الموافقة في حال كان الاسم مستخدماً عالمياً ولا تربطك به صلة قانونية ترعاها الشركة الأم، وبالتالي يستحيل على المنتج السوري استخدام الاسم بشكل قانوني ومسجّل، وهنا تبرز عملية الالتفاف واستخدام الاسم العالمي بغير وجه حق".
وأضاف: "هناك شركات محددة وقليلة نجحت في الحصول على موافقة الشركة الأم الخارجية في استخدام اسمها في إنتاج البضائع ولكن وفق الجودة المحلية لا العالمية، وهذا بحث فرعي وله خصوصيته وهو قليل وأكثر من محدود، وفي ما خلا ذلك فبقية الماركات تعمل بشكل غير شرعي ومخالف للقوانين".
وأوضح أن "الشركات الأم كانت ترعى فروعها في سوريا وتورّد لها البضائع أو تسمح لها بالإنتاج المحلي تحت الرقابة الشديدة لمطابقة المعايير العالمية، ولكنّ ظروف الحرب عطلت ذلك، فاستغل البعض أسماء الشركات العالمية دون علمها. وفي حال تنبهت تلك الشركات لما يحصل، ثمة أسباب كثيرة تحول دون ملاحقتها للمخالفين في بلد كسوريا، وفي مقدمها أنّ السوق السورية لم تعد مغرية للمنتج العالمي، ولا تحقق الكسب المأمول، وهي سوق محرومة من الاستيراد والتصدير، فتكاليف الملاحقة ستكون عبئاً".
أعمارها قصيرة
يشتكي معظم السوريين من أنّ عمر الملابس في السنوات الأخيرة صار قصيراً للغاية، فالجلود الطبيعية مثلاً باهظة الثمن، أما الصناعية التي في المتناول فمعرضة للتلف سريعاً. وينطبق الأمر على "الجينزات" والكنزات وصولاً إلى الأحذية.
في هذا الوضع، قد يبدو الخيار الأمثل التوجه إلى أماكن محددة تستورد بضائعها عبر خطين، بيروت أو دبي، ولكنّ ثمن أي قطعة في هذه المحال يتجاوز مئة دولار، وهو ما لا تسمح به ميزانية الجزء الاكبر من السوريين.
أسباب الرداءة
ويعيد العبد تدني جودة البضائع إلى عدم توفر المواد الأولية من أقمشة ومستلزمات والخيوط الجيدة، وارتفاع كلفة المواد الأولية الجيدة والتي لا تتناسب مع القوة الشرائية للمواطن السوري.
ويعتقد العبد أنّ الصناعيين اليوم غير قادرين على إنتاج بضائع جيدة بأسعار مناسبة لأنّ المواد الأولية في سوريا أصبحت أغلى بكثير من نظيراتها في دول العالم.
"الذهب الأبيض"
إلى ذلك، كشف العبد أنّ سوريا تعاني مشكلةً كبرى تتعلق بالقطن الأساسي في صناعة الملابس والذي يسمى محلياً بـ "الذهب الأبيض" وهو ما انعكس سلباً على الإنتاج العام، قال: "سوريا منذ مئات الأعوام تستثمر في القطن، فهو يزرع ويغزل وينسج بكل مراحله في سوريا، ولكن زراعته تتركز اليوم في الشمال السوري الواقع خارج سيطرة الحكومة ما صعّب الأمر أكثر".
وأضاف: "ما تبقى اليوم لدينا من قطن هو أغلى بـ 30 إلى 35 في المئة من القطن خارج سوريا، وإن كان تصنيف القطن خارجياً درجة أولى فالمتوافر بين أيدينا اليوم هو من الدرجة الرابعة، والحصار أيضاً لعب دوراً رئيسياً في ذلك".
وأشار العبد الى أنّ من المشاكل الإضافية هي ارتفاع أسعار حوامل الطاقة وكذلك قطع التبديل.
استخدامات عملية
اشترت سلمى عون، وهي طالبة في كلية الهندسة، كسوة العيد الفائت قبل أقل من شهرين من ماركة معروفة، قبل أن تدرك أنّها وقعت ضحية فخ.
تقول: "الكنزة التي اشتريتها صارت بعد ثاني غسلة تتسع لي ولأختي معاً"، وتضيف ممازحة: "لم يضِع ثمنها الكبير هدراً (40 دولاراً)، إذ استخدمناها ممسحة سددنا بها أسفل باب المنزل خلال موجة هجوم الخنافس الصغيرة في الأسابيع الماضية، وقد جاءت بنتيجة ممتازة".
حلقة مفرغة
تتشابه قصص السوريين مع الملابس والأحذية المصنوعة محلياً. وهناك 3 فئات لا تزال قادرة على التمتع بالماركات الحقيقية، هم السوريون الذين يحصلون على ملابس يرسلها لهم ذووهم في الخارج وأولئك القادرون على طلب ملابس عبر تطبيقات، والذين يعرفون الوصول إلى أماكن البضائع المكفولة في السوق والواصلة بطرق التهريب في الغالب.
رغم ذلك كله لا يمكن إغفال دور صناعيين كثر يسعون لتقديم منتج جيد رغم الظروف القاسية في الآونة الأخيرة، ويتكبدون مصاريف وخسائر هائلة،ولكنّ ذلك كلّه لم يسهم في تحقيق عملية توازن كافية بين العرض والطلب.
فلا الصناعي يستطيع تقديم الخامة الإيطالية في "الجينز"، ولا المواطن لديه القدرة على تأمين مبلغ يفوق استطاعته لشراء ذلك المنتج، فيبقى الجميع يدور داخل الحلقة المفرغة عينها بانتظار انفراجة اقتصادية تعيد المستثمرين والصناعيين ورؤوس الأموال، فيصير على الأقل الإنتاج السوريّ الداخلي منافساً للإنتاج السوريّ نفسه حين يكون في بلد آخر، كمصر مثلاً.