وسط حديث لم يعد خافياً عن وجود توتر مكتوم بين دمشق وطهران على خلفية تباين المواقف بين العاصمتين إزاء التداعيات التي خلِّفها "طوفان الأقصى" وخاصةً الهجوم الاسرائيلي على القنصلية الإيرانية، ظهرت بوادر سياسة أمنية جديدة تقوم دمشق بتنفيذها تدريجياً للحدّ من بعض الظواهر التي رافقت حضور الإيرانيين في سوريا ولا سيما تلك التي تنطوي على أبعاد دينية.
وفي هذا السياق، أصدر اللواء كفاح ملحم رئيس مكتب الأمن الوطني، تعميماً يقضي بضرورة مراقبة حركة دخول الزوّار الأجانب بغض النظر عن جنسيتهم إلى المسجد الأموي في دمشق القديمة، وفق موقع "صوت العاصمة" الذي قام بتسريب مضمون التعميم.
ووفق مصادر اطّلعت على نسخة من التعميم، فرض الأمن الوطني على الوفود السياحية والدينية الحصول على موافقات خاصة للدخول إلى المسجد، مع التأكيد على منع الطقوس والشعائر الدينية وإصدار الأصوات التي من شأنها أن تتعدّى على حرمة المسجد.
وأكدت المصادر ذاتها أن تعليمات حراسة المسجد، حيث جرى تعزيزها بعناصر إضافيين خلال الفترة الماضية، تقضي وفق التعميم بعدم إدخال أي مواطن أجنبي حتى وإن كان بصفة شخصية سياحية بعيداً عن أي وفود، إلا بعد حصوله على موافقة أمنية تتيح له زيارة المسجد الأموي.
وقد شمل التعميم حتى الدبلوماسيين ورجال الدين من أتباع الطائفة الشيعية، مهما كانت جنسياتهم، والذين ينبغي لهم الحصول على موافقات عبر البعثات الدبلوماسية قبل زيارة المسجد، كما شمل التعميم الصحفيين غير السوريين، والمصورين والسياح الذين يقصدون سوريا من مختلف دول العالم.
وكان "المرصد السوري لحقوق الإنسان" قد أشار في تقرير له مطلع الشهر الجاري إلى بروز ما سمّاها "ظاهرة استثنائية في الدولة الأمنية" تمثلت في استياء "جمهور النظام" من التواجد الإيراني في سوريا. وطفت على سطح الأحداث اليومية همسات الرفض للوجود الإيراني وانتقاد وجودهم في سوريا التي أصبحت ساحة حرب، بالتوازي مع تدني مستويات المعيشة إلى درجة دون خط الفقر عند الغالبية من أبناء الشعب السوري.
وبحسب التقرير، تعالت الأصوات بعد الاغتيالات الإسرائيلية لقيادات الحرس الثوري والمستشارين الإيرانيين الذين احتموا بالأحياء السكنية، تزامناً مع الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت.
وتزايد احتكاك الإيرانيين بالمواطنين السوريين بعدما كان يجري بشكل غير مباشر وعبر وسطاء، وأصبحوا يزاحمون أبناء سوريا ويسكنون في الأحياء الشعبية والراقية، ودخلوا سوق العمل في بلد يعاني شبابها من البطالة.
ونسب التقرير إلى الوجود الإيراني أنه تسبب باستباحة أرض وسماء سوريا من القوى الدولية والإقليمية لاسيما إسرائيل وضرب أي نقطة يشاؤون بكافة صنوف الأسلحة، دون أي اعتبار لتحييد المدنيين والمخاطر الناجمة عن ذلك.
ومع التواجد الإيراني تحولت المدن السورية إلى مقامات ومناطق بممارسة طقوس دينية يتوافد إليها زوار الشيعة. ففي دمشق تستقبل منطقة السيدة زينب يومياً مئات الزوار، قادمين من وإيران وأفغانستان والعراق ولبنان لزيارة المقام الذي تُقام فيه طقوس خاصة من لطميات وترديد شعارات يصفها كثيرون بـ “الطائفية”.
وبالعودة إلى التعميم الأمني، أكدت مصادر قريبة من إدارة الجامع الأموي في دمشق "إن حرس المسجد منعوا خلال الفترة الماضية عشرات السياح من جنسيات مختلفة من دخول المسجد، وبعضهم دخل على مسؤولية المرشدين السياحيين السوريين المرافقين لهم"، وفق المصدر السابق ذاته.
وتأتي القرارات الأخيرة مع اقتراب ذكرى عاشوراء التي يُحييها أتباع الطائفة الشيعية في أحياء دمشق القديمة.
وقالت المصادر إن السبب وراء القرارات الصادرة عن الأمن الوطني يعود لتمادي الوفود الشيعية من مختلف الدول بإقامة طقوسهم خارج المناطق الدينية المخصصة لهم كمقامي السيدة رقية والسيدة زينب.
وكانت دمشق قد شهدت أول حملة لطم وبكاء في المسجد الأموي في شهر تشرين الثاني ( نوفمبر) معام 2015 مع بدء تزايد النفوذ الإيراني على خلفية عدم قدرة السلطات السورية مواجهته في ذلك الحين بسبب الخسائر العسكرية التي كانت تلحق بها ونتج عنها في ذلك العام خروج مدينة إدلب من سيطرتها.
وقد وجهت خلال السنوات الماضية انتقادات كثيرة إلى الحكومة السورية باتخاذ إجراءات من شأنها تسهيل تكريس النفوذ الإيراني في سوريا، وكان آخرها إجراءات مصرفية صدرت العام الماضي تمكّن الإيرانيين القادمين عبر منظمة الحج الإيرانية من دفع النفقات بالليرة السورية وليس بالدولار. وقد اعتبر القرار في حينه بمثابة تشجيع للسياحة الدينية للإيرانيين إلى سوريا.
وحتى عام 2011 تاريخ اندلاع الأزمة السورية كان ما يقارب مليون إيراني يزورون المقامات المقدسة في سوريا. ولكن منذ ذلك التاريخ توقف إحصاء أعدادهم.
وفي عام 2017 أعلنت وزارة السياحة السورية أن عائدات السياحة الدينية قد ارتفعت بمعدل 3 أضعاف عن العام السابق، وبلغ عدد السياح 117 ألف سائح، مع وضع أهداف لاستقبال مليون سائح ديني، وإعلان استثمارات فندقية في منطقة السيدة زينب.
وأعلنت منظمة الحج والزيارة الإيرانية عام 2019 عن وصول أول قافلة رسمية مرخّصة، وأن الزيارات الدينية إلى سوريا ستكون محدودة بـ 7 آلاف و200 شخص سنويًّا، قبل أن تتعطّل الرحلات الرسمية لاحقًا بسبب مخاطر وباء كوفيد-19 وصولًا لأواخر عام 2021، إذ تمَّ الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم بشأن استئناف رحلات السياحة الدينية بين الطرفَين في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، بهدف إرسال 100 ألف سائح.
في العام الماضي، وتحديدًا في أيار(مايو) توقعت مديرة التسويق والإعلام السياحي في وزارة السياحة ربى صاصيلا أن يصل أعداد السياح خلال العام الحالي إلى نحو مليون سائح، مشيرة إلى زيادة أعداد السياح خلال الأشهر الثلاثة من هذا العام بنسبة 30% على السنوات الماضية، بعد أن تمَّ تسجيل دخول نحو 700 ألف زائر إلى سوريا خلال الأشهر الـ 6 الأولى من هذا العام الفائت، شكّل السياح 60% منهم.