النهار

شفافيّة مفاجئة سورياً في إعلان مرض أسماء الأسد... ما خلفياتها؟
المصدر: دمشق- النهار العربي
طغيان حضور أسماء الاسد الذي ينظر إليه السوريون بعيون مختلفة، دفع إلى الاعتقاد بحدوث أمرٍ جلل وراء إعلان رئاسة الجمهورية إصابة السيدة الأولى للمرة الثانية خلال سنوات بمرض السرطان، فقد شفيت من سرطان الثدي، وفق إعلانها شخصياً، عام 2019، ليتبين اليوم أنها أصيب بسرطان الدم المعروف طبياً بـ "اللوكيميا".
شفافيّة مفاجئة سورياً في إعلان مرض أسماء الأسد... ما خلفياتها؟
أسماء الأسد في مرحلة إصابتها الأولى بالسرطان.
A+   A-
مما لا جدال فيه أنَّ ظلَّ السيدة السورية الأولى أسماء الأسد تمدّد في السنوات الأخيرة تحت عناوين براقة، قد يكون أبرزها "الوردة الشامية"، لإعطاء طابع أنثوي رقيق لليد التي امتدت بمهارة وحنكة لتدير ملفات شديدة التعقيد تمس بأدق تفاصيل حياة السوريين، منها الإنساني والاقتصادي والاجتماعي، مع الحرص على البقاء بعيدةً عن الجانب السياسي الذي يتولاه زوجها الرئيس بشار الأسد.
 
طغيان حضور أسماء الأسد الذي ينظر إليه السوريون بعيون مختلفة، دفع إلى الاعتقاد بحدوث أمر جلل وراء إعلان رئاسة الجمهورية إصابة السيدة الأولى للمرة الثانية خلال سنوات بمرض السرطان، فقد شُفيت من سرطان الثدي، وفق إعلانها شخصياً، عام 2019، ليتبين اليوم أنها أصيب بسرطان الدم المعروف طبياً بـ"اللوكيميا".
 
وقالت الرئاسة في بيانها المقتضب ذي الدلالات: "بعد ظهور أعراض وعلامات سريرية مرضية تبعتها سلسلة من الفحوصات والاختبارات الطبية، تم تشخيص السيدة الأولى أسماء الأسد بمرض الابيضاض النقوي الحاد (لوكيميا)". 
 
وأشار البيان إلى أنّ أسماء الأسد "ستخضع لبروتوكول علاجي متخصّص يتطلب شروط العزل مع تحقيق التباعد الاجتماعي المناسب"، كما أنّها "ستبتعد عن العمل المباشر والمشاركة بالفعاليات والأنشطة كجزء من خطة العلاج".
 
"شروط العزل" و"التباعد الاجتماعي" و"الابتعاد عن العمل المباشر"، كانت بمثابة إشارة واضحة إلى أن الوضع الصحي للسيدة الأولى في هذه الإصابة مختلف تماماً عن وضعها إبان إصابتها قبل خمس سنوات، لأنها حينذاك تابعت نشاطاتها ولم تضطر إلى الابتعاد أو فرض عزلة حولها.
 
لكن عندما يتعلّق الأمر بشخصية من وزن أسماء الأسد، ممسكة بملفات حيوية ومهمة في سوريا، وخاضت مواجهات كبيرة لتكريس هيمنتها الاقتصادية، لا سيما مع رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري، فإن الاهتمام بالوضع الصحي يتراجع أمام دوافع الفضول لاستقراء ما يدور في الكواليس ومعرفة ما يجري وراء "الأكمة". 
 
وقد انتشر الكثير من الفرضيات حول سبب الإعلان المفاجئ عن مرض السيدة الأولى، علماً أنها كانت حتى وقت قريب بكامل عافيتها وتمارس نشاطاتها بحماسة كبيرة. وتراوحت الفرضيات بين من ذهب إلى أن الأمر يتعلق بخلافات داخل القصر حول طريقة إدارة بعض الملفات، ومن ذهب إلى أن التذرّع بالمرض ليس سوى واجهة لإبعاد أسماء الأسد عن الواجهة الاقتصادية لتحقيق شروط إقليمية ودولية للمضي قدماً في مشاريع التعافي المبكر. وهناك من وضع هذه الخطوة في سياق خطة الإصلاح التي أسفرت حتى الآن عن إعادة هيكلة بعض الأجهزة الأمنية، وانتخاب قيادة مركزية جديدة لحزب "البعث" الحاكم.
 
وفي هذا السياق، أفادت مصادر سورية "النهار العربي" بأن القرار حول طريقة التعاطي مع مرض السيدة الأولى هو في يدها حصراً ولا تتدخل أي جهة في ذلك. وبعد إشارة المصادر إلى أن السيدة الأولى تقوم باستشارات ضمن دائرتها المقربة قبل اتخاذ القرار، عادت وأكدت "أن اللمسة الخاصة لطريقة التعامل مع ملف مرض السيدة الأولى هي من صنع المريضة نفسها، وذلك ما كان ملاحظاً خلال إصابتها السابقة".
 
وكانت الشفافية غير المعهودة في إعلان رئاسة الجمهورية مرض أسماء الأسد ونشر الإجراءات المتخذة جراء ذلك، قد أثارت الكثير من علامات الاستفهام، لأنها جرعة من الشفافية غير اعتيادية لم يستطع السوريون هضمها بسهولة.
 
ولا يزال الحديث عن أدوار أسماء الأسد في بعض الملفات يتّسم بغموض كبير أدى في بعض الحالات إلى الوقوع في التناقض. فصحيح أن نفوذها الاقتصادي لم يعد محلاً لأيّ تساؤل لأنه أوضح من نور الشمس، ولكن لا تزال تحدث الكثير من التطورات التي قد تعطي إشارات متناقضة حول مدى السلطة المطلقة التي تحوزها، أو على الأقل تدل إلى وجود جهات منافسة لم تسلم الراية بعد.
 
فقد أطيح خلال الأشهر الماضية رجل الأعمال البارز خضر علي طاهر، المعروف بلقبه أبو علي خضر، وهو يعتبر من أعضاء المجلس السري الذي قالت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية، في تقرير نشر العام الماضي، إن أسماء الأسد تقوم بإدارته للهيمنة على الحياة الاقتصادية في سوريا. والمفارقة أنه تمّ تسريب معلومات حول الجهة التي أطاحت طاهر وهي اللجنة الاقتصادية في القصر التي يُشرف عليها يسار إبراهيم، وهو ما أعطى انطباعاً بأن ما يجري في الكواليس قد يكون مختلفاً اختلافاً جذرياً عما يُنشر في بعض الصحف. وذلك لأن إبراهيم هو عضو آخر في المجلس السري المنسوب إلى أسماء الأسد.
 
وما زاد الأمر تعقيداً، أن إبراهيم كان قد سبق الأسد في الابتعاد عن العمل منذ أشهر عدة، وذلك على خلفية ما قيل عن إصابته بحالة تسمم مجهولة السبب، وفق موقع "صوت العاصمة" السوري المعارض الذي أكد أن "يسار إبراهيم، المعروف بأنه مقرب من بشار الأسد وزوجته أسماء، ويشغل منصب مستشارها الاقتصادي، والمدرج على قوائم العقوبات الأميركية منذ عام 2021، تعرض لحالة تسمم حاد من أحد المرافقين له، الذي وضع له السم في الطعام في أحد المطاعم التي يتردد إليها دائماً، قبل نحو ستة أشهر". 
 
وأشار المصدر نفسه إلى اعتقال عدد من المقربين من إبراهيم على خلفية الاشتباه بتورطهم في تسميمه.
 
قد يشير ما سبق إلى أحد أمرين: إما أن أسماء الأسد قررت الانقلاب على مجلسها السري وبدأت العمل على تفكيكه، أو أن هذا المجلس لم يكن موجوداً من الأصل، أو ربما كان موجوداً في الظل ولكن تمت المبالغة في الحديث عن أدواره.
 
أما عن إعلان إصابة السيدة الأولى بمرض السرطان للمرة الثانية، فيرى العديد من المراقبين أن هذا الخبر سيكون بدوره عرضةً لجولة جديدة من المبالغة في تأويله واستخلاص مدلولاته، مشيرين إلى أن الأمر لا يتعدى كونه خطوة نابعة من الثقافة الخاصة التي تتمتع بها أسماء الأسد، وأنه لا علاقة لها بحقيقة نشاطاتها، لأنها ستظل تقوم بها وتشرف عليها من وراء الستار، والتغيير الوحيد الذي سيحصل قد يكون هو عدم تغطية نشاطاتها إعلامياً لتحييدها عن التداول لدى الرأي العام الذي أصبح لا يتوانى عن تحميل مسؤولية الأزمات الاقتصادية في البلاد لشخص واحد هو أسماء الأسد.
 

اقرأ في النهار Premium