برزت مؤشرات خلال الأيام الماضية إلى تجاوز عقبات كانت تحول دون تفعيل التقارب بين الرياض ودمشق. فمنذ انعقاد القمة العربية في البحرين ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بدأ مسار التقارب بين البلدين يشهد خطوات عملية كان يفتقر إليها في السنتين الماضيتين.
كانت الخطوة الأهم تعيين سفير سعودي في دمشق للمرة الأولى منذ اثني عشر عاماً، وذلك بعد ما يقارب أربعة أشهر من تعيين سوريا نائب وزير الخارجية السابق أيمن سوسان سفيراً لها في الرياض. وبتسمية السعودية فيصل بن سعود المجفل لرئاسة البعثة الدبلوماسية السعودية في دمشق، تكون العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين العربيتين قد وصلت إلى آخر محطة من محطات التطبيع.
وقد لعبت المملكة العربية السعودية دوراً كبيراً في إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية، إذ أصرت عام 2023 على ضمان حضور الرئيس السوري القمة العربية في جدة بعد فشل مساعٍ بذلتها الجزائر في العام السابق. غير أن هذه العودة جاءت بعد اجتماعين تشاوريين شهدتهما العاصمة الأردنية عمان وجدة، لتحديد معايير العلاقات العربية مع سوريا وشروطها. وخلال السنتين الماضيتين تعرض مسار التقارب العربي مع سوريا لكثير من المطبات نتيجة عدم قدرة دمشق على كبح جماح عصابات تهريب المخدرات عبر الأردن إلى دول الخليج.
ورغم أن ملف تهريب المخدرات لم يشهد أي تطورات يمكنها تفسير خطوات التقارب السعودي مع سوريا، إلا أن العديد من المراقبين يرون أن تداعيات "طوفان الأقصى"، وموقف دمشق البارد نسبياً من هذه العملية والتي انعكست توتراً مكتوماً بينها وبين حليفتها الرئيسية إيران، قد تكون لعبت دوراً في إقناع بعض الدول بأن الفرصة متاحة لإعادة فتح القنوات مع العاصمة السورية.
ولم تكن الرياض التي تريثت في اتخاذ الخطوة لأشهر عدة، تقرر في هذا التوقيت إرسال المجفل سفيراً إلى دمشق لولا قناعتها بأن التغيرات الحاصلة تستحق المراهنة عليها.
وما يعزز ذلك أن التطبيع الدبلوماسي ترافق مع موجة من الدعم السعودي لبعض القطاعات الاقتصادية والصحية في سوريا، وهو ما من شأنه الدلالة إلى انتهاج المملكة مقاربة جديدة في التعامل مع سوريا، وهو ما أشار إليه تقرير لموقع "هاشتاغ سوريا" منوهاً بوجود تحرك سعودي واضح نحو دمشق.
وبعد الاتفاق على إعادة ملف الحج إلى يد السلطات السورية، وإن غير تامّ، يبدو أن الرياض قررت مساعدة دمشق في إعادة تأهيل طائراتها لتمكينها من إتمام رحلات الحجاج بين البلدين. وفي هذا السياق، أكدت مصادر سورية أن الحكومة تسلّمت من المملكة العربية السعودية عبر البحرين معدات وقطع تبديل لصيانة الطائرات المدنية. ويأتي تسليم المعدات وقطع التبديل في ظل “عدم تمكن سوريا من استيرادها من الخارج بسبب العقوبات”، بحسب المصدر السابق الذي وصف الخطوة بأنها "شديدة الأهمية".
وأعلن المدير العام للطيران المدني في سوريا باسم منصور أن سوريا تمتلك تسع طائرات فقط. خمس منها للخطوط الجوية السورية وأربع تابعة لشركة "أجنحة الشام". وأضاف أنه تم منح ترخيص لشركة star airlines التي تملك 3 طائرات وتعمل على استكمال إجراءات العمل وفق حديثه إلى إذاعة "المدينة إف إم" المحلية.
وأكد معاون وزير الأوقاف لشؤون الحج حسان نصر الله أن الوزارة أنهت كل الإجراءات الخاصة بها والمتعلقة بشؤون الحج لهذا العام، ومنها إصدار تأشيرات الحج للمواطنين عبر المسار الإلكتروني، وإتمام إجراءات السكن والطواف والتنقلات داخل المشاعر المقدسة، وكل الخدمات في المملكة العربية السعودية.
وبحسب ما نشرته صفحة الوزارة الرسمية، أشار نصر الله إلى أن مكاتب الحج بدأت حجز تذاكر الطيران عبر مؤسسة الخطوط الجوية السورية المغادرة من مطار دمشق الدولي إلى مدينة جدة السعودية بحسب المواعيد المعلنة.
وكذلك، ذكر المصدر السابق ذاته، أن السعودية قدمت منحة مالية للقطاع الصحي السوري، بهدف دعم المنشآت المتضررة من الزلزال شمال غربي البلاد.
وتقدر المنحة بـ4 ملايين و746 ألف دولار أميركي، وجاءت الخطوة بالتعاون بين مركز الملك سلمان ومنظمة الصحة العالمية.
وتشمل الاتفاقية تجهيز 17 مستشفى بالمعدات الطبية الضرورية لأقسام العناية المركزة، والعمليات والطوارئ، والغسيل الكلوي، بالإضافة إلى تأمين 10 سيارات إسعاف ومجموعة كبيرة من الأدوية.
يأتي الانفتاح السعودي على سوريا بعد أسابيع من رفض البيت الأبيض إقرار قانون مناهضة التطبيع مع سوريا، وهو ما دفع معارضين سوريين إلى اتهام واشنطن بتسهيل سياسة التطبيع سراً. ويحتوي قانون "قيصر" الذي أقرته واشنطن منذ سنوات على نص يهدد بفرض عقوبات على أي شركة عالمية أو فرد يستثمر في قطاعي الطاقة أو الطيران في سوريا، وكل من يزوّد الخطوط الجويّة السورية بقطع غيار وصيانة. غير أن بعض التفسيرات اللاحقة أكدت أن الحظر يتعلق بالطيران العسكري فقط لا المدني.