قرّر العراق على ما يبدو تجربة حظّه في دفع عملية التطبيع بين سوريا وتركيا، بعد أقل من شهرين على إعلان روسيا استحالة التطبيع بين البلدين، بسبب التطورات التي يشهدها قطاع غزة.
والوساطة التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في نهاية أيار (مايو) الماضي، بدأت تتحرك على الأرض. فقد أعلنت وكالة عراقية عن اجتماع مرتقب بين مسؤولين سوريين وأتراك ستشهده بغداد في وقت قريب.
ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية عن مصدر حكومي مطلع لم تسمّه، قوله إن مساعي العراق لإذابة الجليد بين سوريا وتركيا وإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها أثمرت اجتماعاً ثنائياً في بغداد خلال الفترة المقبلة.
وأضافت الوكالة في تقرير نشرته الأربعاء 5 حزيران (يونيو) الجاري، أن السوداني اتفق مع مسؤولين من النظام السوري وتركيا على الجلوس إلى طاولة الحوار في بغداد، مشيرة إلى ترحيب كبير من دمشق وأنقرة بوساطة بغداد. كما توصل السوداني وفريقه الحكومي خلال الفترة الماضية "إلى نتائج إيجابية في هذه الوساطة عبر اتصالات ولقاءات ثنائية غير معلنة".
على مستوى الخبراء!
تزامناً مع هذا الخبر، أجرى الرئيس السوري بشار الأسد، الأربعاء، اتصالاً هاتفياً مع السوداني، بحثا خلاله تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات كافة، وخصوصاً الاقتصادية، كما تشاورا في عدد من القضايا العربية والدولية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية "سانا"، من دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى الوساطة العراقية لإصلاح العلاقات مع تركيا.
في هذا السياق، قال مصدر سوري لـ "النهار العربي"، إنه خلافاً لتكتم "سانا"، فقد تطرّق الاتصال الهاتفي بين الأسد والسوداني إلى موضوع الوساطة العراقية وسبل السير فيها وشروط دمشق لأي مصالحة مع أنقرة. لكنهما اتفقا على عدم تداول ذلك إعلامياً، لسببين: الأول، خشية من تأثير التسريبات الإعلامية على الوساطة؛ والثاني، لأن دمشق تستبعد نجاح الوساطة العراقية، أو أي وساطة أخرى، استناداً إلى تجربتيها السابقتين مع الوساطتين الروسية والإيرانية، بسبب التعقيدات الكثيرة التي تحيط بهذا الملف.
لم تحدّد الوكالة العراقية مستوى المسؤولين السوريين والأتراك الذين سيشاركون في الاجتماع المرتقب، ويستبعد المصدر نفسه أن يكون على مستوى وزيري الخارجية، بعد التضارب الأخير في تصريحات البلدين حول انسحاب القوات التركية من الأراضي التي تسيطر عليها في سوريا. لذلك، فهو يتوقع عقد اجتماعات تمهيدية في البداية على مستوى الخبراء، من باب جس النبض واستشعار وجود أي تغيّر حقيقي في الموقف التركي من هذه النقطة.
لم يذكر العراق
وكان وزير الدفاع التركي يشار غولر قد أعلن في مطلع حزيران (يونيو) الجاري استعداد بلاده للانسحاب العسكري من سوريا، ضمن أطر وشروط محدّدة ليست جديدة بالنسبة إلى أنقرة.
وقال غولر إن المفاوضات مع النظام السوري تجري بين أربعة أطراف: إيران وتركيا وروسيا والنظام السوري، من دون أن يذكر العراق. وأضاف أن الهدف هو التوصل إلى حل سياسي في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن (في إشارة إلى القرار 2254)، مضيفاً: "ربما نفكر في الانسحاب من سوريا إذا لزم الأمر"، وفق ما نقلته وسائل إعلام تركية، منها "odatv".
ردّاً على هذه التصريحات، قال وزير الخارجية السوري فيصل مقداد في مؤتمر صحفي مشترك مع القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني الثلثاء في دمشق، إن الشرط الأساسي لأي حوار سوري- تركي هو "إعلان أنقرة استعدادها للانسحاب من الأراضي السورية".
وطالب المقداد أيضاً بتعهدات تركية دقيقة تعكس التزام أنقرة الانسحاب من الأراضي السورية "التي تحتلها"، ووقف دعمها التنظيمات "الإرهابية"، وفق ما نقلته "سانا".
فشل روسي
وكانت روسيا قد أعلنت في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي عن انهيار مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري. وقال ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، حينها، إن مسألة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة توقفت إلى حدّ ما في نهاية الخريف الماضي، "لأن الجانب السوري شعر أن من الضروري الحصول على ضمانات من الجانب التركي بأن القوات العسكرية التركية الموجودة في سوريا ستنسحب "على المدى الطويل"، وفق ما ذكرته وكالة "تاس" الروسية.
كذلك، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مطلع آذار (مارس) الماضي، عن استحالة التطبيع بين تركيا وسوريا في ظل الظروف الحالية. وقال لافروف في مؤتمر صحافي عقب مشاركته في منتدى أنطاليا الدبلوماسي: "نؤكّد اهتمامنا بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا (النظام السوري)، وقد عملنا على ذلك، وما زلنا نواصل العمل على ذلك، لكن الخطوات العملية الآن مستحيلة بسبب الأوضاع في غزة"، وفق وكالة أنباء "نوفوستي" الروسية.
وأضاف وزير الخارجية الروسي: "ما يجري حقيقةً في مناطق أخرى يؤثر بشكل مباشر على جميع المشاركين في هذه العملية، وأعني بذلك الغارات التي شنّها الأميركيون على أهداف معينة تابعة للقوات الموالية لإيران، وقصف العراق وسوريا واليمن"، مشيراً إلى أن مثل هذه الأعمال "تصرف الانتباه عن العملية الطبيعية لبناء العلاقات بين سوريا وتركيا"، بمشاركة روسيا.