تواصل إيران جهودها الرامية إلى توسيع نفوذها في سوريا رغم كل الضربات التي تلقتها مواقعها وكوادرها في الآونة الأخيرة، لا سيما منذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وفي الوقت الذي تحدثت فيه الصحافة العبرية عن احتمال اشتعال الجبهة مع لبنان وسط توقعات بأن يشمل ذلك جبهة الجولان، عقد "الحرس الثوري الإيراني" أكثر من اجتماع مع جهات أمنية سورية بهدف إيجاد صيغ لتعزيز نفوذ إيران أو تسهيل إدخال إمداداتها إلى مناطق معينة.
وعُقد الاجتماع الأول بين ضباط أمنيين سوريين وعدد من قادة الحرس الثوري الإيراني في بلدة معربا في ريف دمشق. وذكر موقع "بوليتكال كيز" أن الاجتماع عقد في أحد مقار الفرقة الرابعة في المنطقة، واستمر ساعات عدة بحضور 7 ضباط و5 قادة يعملون في مناطق دمشق وريفها.
وحضر الاجتماع قائد "اللواء 97" العميد حسين الأسعد، وقائد "الفرقة 24" اللواء أكرم سليمان، ومسؤول ما يسمى "كتائب البعث" في ريف دمشق مجاهد إسماعيل، إضافة إلى أحد ضباط الفرقة الرابعة في المنطقة العقيد واصل مصطفى.
ومن جانب "الحرس الثوري"، حضر القيادي في دمشق وريفها أمير قرباني، والمسؤول عن مناطق معربا والتل وضاحية الأسد وبرزة من الذي لم يذكر اسمه.
وتزامن الاجتماع مع استنفار كبير في المنطقة حيث أغلقت الطرق المؤدية إلى المقر. وتركز الاجتماع على زيادة نفوذ الحرس في المنطقة، واتُّفق على أمور عدة منها: إعطاء أوامر لعناصر الفروع الأمنية التابعة للنظام في مناطق التل ومعربا وضاحية الأسد بالامتثال لأوامر ميليشيات إيران، إذا وجدوا في مواقع فيها دوريات أو عناصر "الحرس الثوري" أو أي ميليشيا تتبعه، مثل "حزب الله" وميليشيا "أبو الفضل العباس" وغيرهما.
ونوقشت الأوضاع الأمنية والعسكرية في بعض مناطق ريف دمشق وتداعيات التصعيد المحتمل من قبل إسرائيل.
وكانت صحيفة "معاريف" العبرية قد كشفت عن وجود هدف لدى الجيش الإسرائيلي يقضي بتدمير قدرات الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا، وذلك لأن كبار قادة الجيش يدركون أن فتح حرب في لبنان سيفتح جبهة قتال أخرى على الأقل في الجولان السوري المحتل.
ويعد هذا التحرك لـ"الحرس الثوري" الأول من نوعه بشكله المباشر في تلك المناطق، بالتنسيق مع الفروع الأمنية التابعة للنظام، وفق تقرير "بوليتكال كيز".
وتم تنفيذ بنود الاتفاق على الفور، إذ شوهد صباح الخميس عناصر "الحرس الثوري" على الحواجز الأمنية في مناطق معربا والتل، مع تسيير دوريات مشتركة لقوات النظام و"الحرس الثوري" في أرجاء المنطقة.
وعُقد اجتماع آخر بين عدد من قادة الميليشيات الإيرانية وضباط النظام، في مقر "المخابرات الجوية" في البوكمال، وفق موقع "عين الفرات" المحلي المعارض.
وضمّ الاجتماع شخصية إيرانية قادمة من دمشق، وقيادياً في ميليشيا "الحشد العراقي"، وقائد الميليشيات الإيرانية في البوكمال الحاج عسكر. ومن طرف النظام رئيس مفرزة الأمن العسكري العقيد هيثم، ورئيس مفرزة "المخابرات الجوية" العقيد ماهر، إضافة إلى ضباط من الفرقة الرابعة والفرقة 17.
وأوضحت مصادر متابعة أن المجتمعين ناقشوا مواضيع عدة، أهمها تسهيل عمليات تنقل عناصر ميليشيا "الحشد العراقي" في البوكمال.
وأشارت المصادر إلى أن الميليشيات الإيرانية أبلغت ضباط النظام نيتها نشر عناصر من ميليشيا "الحشد" ضمن نقاط الفرقة 17 على ضفاف الفرات، للقيام بعمليات أمنية في مناطق "قسد".
وبينت المصادر أن الميليشيات الإيرانية طالبت أجهزة الأمن التابعة للنظام بفرض قبضة أمنية في المدينة، بعد تسريب معلومات تكراراً عن قادة الميليشيات الإيرانية وطبيعة تحركاتهم، ما أدى إلى مقتل عدد كبير منهم.
وتأتي هذه التحركات الإيرانية في وقت تضاربت فيه المعلومات عن مصير الوجود الإيراني في سوريا بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان (أبريل) الماضي.
وتُعوّل إيران على عدم الدخول في مواجهة مع إسرائيل أو أميركا انطلاقاً من سوريا كي تُحافظ على الحدّ الأدنى من نفوذها الذي أسسته بعد عام 2011، مستفيدة من انخفاض حِدَّة الضربات الإسرائيلية خلال الفترة التي سبقت عام 2018، وفق "مركز جسور للدراسات".
لكنّ زيادة الضربات الإسرائيلية، لا سيما بعد حرب غزة، باتت تُهدد على نحو واضح عمليات الإمداد والتخزين والقيادة للميليشيات الإيرانية في سوريا، وإذا ما استمر هذا المعدل بالارتفاع فإنه سيؤدي أيضاً إلى تعطيل العديد من أنشطتها، في الوقت الذي تواجه فيه هذه الميليشيات تحديات أخرى مثل انخراط الأردن في تنفيذ عمليات ضد أنشطتها في سوريا، وتوسيع تنظيم "داعش" لعملياته ضد ميليشياتها في البادية السورية، ومساعي أهالي السويداء لتقويض نفوذها في المحافظة.
في المقابل، لا تزال إيران تُعوّل على تعزيز نفوذها ضمن المؤسسة العسكرية للنظام السوري، والتغلغل أكثر في البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فضلاً عن التعاون مع روسيا لتوفير الغطاء العملياتي واللوجستي لنفوذها.
عموماً، وفق ما خلص إليه "مركز جسور"، لا يبدو أنّ الضربات الإسرائيلية يُمكن أن تؤدي، على المديين المتوسط والبعيد، إلى تقويض نفوذ الميليشيات الإيرانية، لكنّ الحرب على غزة أظهرت أنها قادرة نسبياً على ردع إيران وتعطيل جهودها الرامية لتحويل سوريا إلى قاعدة عمليات متقدمة تستخدمها لتنفيذ مهمات ضدّ إسرائيل.