النهار

شبان سوريّون نجوا من الحرب.. لكن ليس من رصاص اللّهو بأسلحتهم المرخّصة
دمشق-طارق علي
المصدر: النهار العربي
في عام 2021 فقدت أسرة لاذقاني ولدها الوحيد البالغ من العمر 16 عاما حينها، كان طالباً في الصف الأول الثانوي، فقدته حين كان يلهو بسلاح والده ويجرب تفريغ الطلقات منه وإطلاق النار ثم إعادة ملء مخزن الرصاص وإفراغه وهكذا، لكنّ طلقةً ظلّت عالقة في بيت النار خذلت مستقبل الشاب وأسرته واستقرت في عنقه.
شبان سوريّون نجوا من الحرب.. لكن ليس من رصاص اللّهو بأسلحتهم المرخّصة
تعبيرية
A+   A-
لا تمر أسابيع قليلة من دون أن يسمع السوريون  خبرُ مقتل شاب أو فتاة بطلق ناري عن طريق الخطأ، والخطأ هنا يحدث خلال التلاعب بالسلاح تنظيفاً أو تركيباً أو فكاً أو فضولاً أو لمجرد اللهو، فيحصل ما لم يكن متوقعاً.
 
 

أولئك القتلى يشتركون في معظمهم بصغر أعمارهم وبثبتون أنّ سوء استخدام السلاح لا يميز بين غني وفقير، فضلاً عن صعوبة التحديد، في كثير من المرات، إن كان الموت قد حصل عن طريق الخطأ أم بدافع الانتحار.


 

طلقة 45 مم
يمكن إعادة تلك الحوادث، بحسب آراء كثير من السوريين، إلى فوضى انتشار السلاح خلال الحرب، بل إلى قوننة امتلاكه العام الماضي بعد انتهاء الحرب العسكرية المباشرة في المدن المركزية، حتى بات في كل بيت سوري تقريباً قطعة سلاح أو أكثر.

 

  
في عام 2021 فقدت أسرة لاذقاني ولدها الوحيد البالغ من العمر 16 عاماً حينها، كان طالباً في الصف الأول الثانوي، فقدته حين كان يلهو بسلاح والده ويجرب تفريغ الطلقات منه وإطلاق النار ثم إعادة ملء مخزن الرصاص وإفراغه وهكذا، لكنّ طلقةً ظلّت عالقة في بيت النار خذلت مستقبل الشاب وأسرته واستقرت في عنقه.

 
تقول سميّة حمرا والدة القتيل لـ"النهار العربي": "رغم انقضاء أكثر من ثلاث سنوات على الحادثة المفجعة، لكنّها وكأنّها حدثت لتوها، يومها كنت ووالده في سهرة خارج المنزل قبل أن يهاتفنا أحد جيراننا ليبلغنا عن صوت إطلاق نار في منزلنا، كانت الساعة قد قاربت العاشرة والنصف ليلاً، عدنا بسرعة إلى المنزل، وكان المشهد الذي لن أنساه طيلة حياتي". تبكي السيدة بشدّة وهي تشرح كيف كان جسد ولدها مرمياً على الأرض والدماء تغطيه والأرض من حوله، حاولت الركض نحوه لكن زوجها أمسكها بعنف ودفعها إلى الجوار ليخرجها الحاضرون من المنزل .

 
 
يقول والد الشاب: "لم يكن أمامي خيار سوى أن أمنعها من رؤية الجثة، لاحظت فوراً سلاحي قربه، ولأنّ طلقاته من عيار 45 مم عرفت مدى الأذى الجسيم الذي ستكون أحدثته الطلقة في المكان الذي دخلت فيه وخرجت منه، ولم أكن أريد أن أترك لها تذكاراً أبدياً مؤلماً لا تنساه".

 
ويضيف: "تمالكت أعصابي وفي داخلي كل أحشائي تنهار واتصلنا بالإسعاف والطبابة الشرعية، أنا لست قاتلاً ولا مجرم حرب ولا مستفيداً منها، ولكنّ هذا السلاح اشتريته لا لأقاتل به، بل لأحمي عائلتي كما فعل كل السوريين حين كانت المعارك تبعد عن بيوتنا أحياءً قليلة فقط".

 

 

تحت تأثير المخدر
في أحد الأحياء المعروفة في مدينة حمص، قبل نحو شهر، كانت شلّة من الأصحاب تسهر في منزل، يرقصون ويبدو بشكل أو بآخر أنّهم يتعاطون نوعاً من المخدر، أحدهم كان يمسك سلاحاً فارغ الطلقات مبدئياً، يضعه بين الفينة والأخرى في رأسه ويطلق النار ويضحكون، ولكن في المرّة الرابعة خرجت طلقة فعلاً لتخترق جمجمته من يسارها إلى يمينها وسط ذهول دام ثواني عدة قبل أن تعلو صيحات وصرخات، الفيديو ذلك كان مصوراً وقد صيرَ إلى نشره بطريقة أو بأخرى قبل أن تحذفه معرفات مواقع التواصل الاجتماعي لدواعٍ تتعلق بالجريمة والعنف.

 
 

 

لا طبقية 
ولأنّ ذلك النوع من الأخطاء لا يعترف فعلياً بالقيمة الطبقية لضحاياه، فقد قضت بالأسلوب نفسه قبل نحو خمس سنوات شابةٌ لم تبلغ العشرين من عمرها بطلقة من مسدس، تلك الشابة كانت ابنة سياسية سورية ورئيسة حزب معارضٍ محسوب على أحزاب الداخل السوري. وكذلك الشاب تيمور الذي كان يتحضر لدخول امتحانات المرحلة الثانوية النهائية، وهو اسم مستعار لشاب ينتمي إلى عائلة من أعيان المجتمع في دمشق، طلبت العائلة التحفظ عن هوية الاسم ولكنّها لم تعترض على أن تدلي بتصريحاتها لتكون قد ساهمت بالتوعية في هذا الجانب المخيف من الحياة اليومية للناس.


يقول والد تيمور: "نحن عائلة تعمل في التجارة أباً عن جد ومن الطبيعي أن نمتلك أسلحةً في أماكن عملنا ولدى سائقينا وفي منازلنا، ولكنّ غلطتنا التاريخية أن تصل تلك الأسلحة إلى أطفالنا الذين نربيهم بعيداً تماماً عن هذه الأجواء، تيمور كان عازف بيانو جميلاً، كيف لعازف بيانو أن يتركه ويلهو بسلاح؟". يقول ويبكي، يتمالك نفسه قليلاً، ويتابع: "لم تكن المرة الأولى التي يرى فيها تيمور السلاح بالتأكيد، ولكنّها كانت المرة الأولى التي يلمسه فيها على الإطلاق، وتلك كانت مسؤوليتي، كنت قد تركت باب الخزنة مفتوحة قليلاً وداخلها رشاش صغير ومسدس من نوع "سميث أند ويسون" وهذا نوع خطير وفتّاك، نطلق عليه شعبياً اسم (بكره) وهو خطير لأنّه ليس له أمان كبقية السلاح، بمجرد أن تضع يدك على الزناد تخرج الرصاصة، وهكذا ثقبت الرصاصة قلب ولدي".

 
 بعد تلك الحادثة قرر الوالد تسليم كل ما يملكه من أسلحة له ولمرافقيه (كلّها مرخصة) الى الأمن الجنائي في محافظته وألّا يعود يوماً ليحمل سلاحاً حتى لو كان كان سيختطف أو يموت. 
 

مرسوم غير مسبوق
مصدر مطلع في الأمن الجنائي شرح لـ"النهار العربي" أن المرسوم التشريعي الذي يسمح بحمل السلاح والذي انتهت مفاعيله أواخر العام الماضي، يمكن تلخيصه بجملة "يسمح بترخيص أي سلاح بغض النظر عن منشئه"، ما يعني إعطاء صفة للسلاح الموجود بين أيدي الأفراد بمجرد مراجعتهم أفرع الأمن الجنائي وإبلاغها بالسلاح المتوافر لديهم ونوعيته وتسجيل طلباتهم ليصار إلى منحهم رخصة بحمله واستخدامه وفق القواعد والقوانين الناظمة.


القانون ذلك لم يراعِ منطقة على حساب أخرى، بل كان شاملاً مناطق الحكومة السورية، وضمناً المناطق التي لم تصالح بالكامل بل أجرت تسويات أمنية فقط، كمثل محافظة درعا ومدينتي الرستن وتلبيسة شمال حمص، وهي مناطق ما زالت حتى الآن تنتشر فيها عمليات اختطاف وإطلاق نار وأعمال شغب بين وقت وآخر .

 

يقول المصدر إن المرسوم كان "ضرورياً ومركزياً ومحورياً في توقيته وزمانه لضبط تفلت السلاح وقدرة الجميع على امتلاكه دونما ضوابط شرعية تعطي الدولة أفضلية معرفة مكان وجوده ونوعه وكمّه". 

 

المحامي عبد المعطي سلمان رأى أنّ "المرسوم خطير لأنّه يغرق المجتمع بالسلاح، ويعطي للجميع أفضلية حمله، وأنّ الخطر الداهم هو كلمة "بغض النظر عن منشئه" ما يعني أن تابعيته يمكن أن تكون لداعش أساساً أو لجهة إرهابية أخرى، أو قادماً عبر لبنان والعراق ومسروق من جيشنا هنا".


 

لا جرم جنائياً
وبالعودة إلى المصدر الجنائي فقد بيّن أن السلطات السورية تراعي القتل عن طريق الخطأ في ظلّ عدم وجود الأهل في المنزل أو في وجودهم، ورأى أنّ من الطبيعي إجراء تحقيقات كافية قد تتطلب إيقاف أحد الوالدين أو الاثنين موقتاً، ولكن إيقاف الأهالي وسجنهم هو الذي يصير غير منطقي إذا كان الحادث طبيعياً تماماً والسلاح مرخصاً أصولاً عبر وزارة الدفاع أو الداخلية ولا يحمل إهمالاً مقصوداً، خصوصاً أن الآباء في بعض الأحيان يكونون ضباطاً على رأس عملهم القتالي. 
ويشار إلى أنّ كل نشرات نعي الأطفال أو الشباب الذين قضوا بتلك الطريقة يكتب فيها أنهم توفوا إثر حادث أليم.

 

 

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium