تضاربت الأنباء حول مصير أحد أشهر الضباط الإيرانيين العاملين في محافظة دير الزور شرقي سوريا، بين من يدّعي أنه تعرّض للاعتقال بسبب الاشتباه بدوره في تسريب معلومات عن اجتماع القنصلية الإيرانية الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية مطلع نيسان (أبريل) الماضي، ومن يقول إن اختفاءه جاء بسبب نقله من موقعه مديراً للمركز الثقافي الإيراني في المحافظة الشرقية وتنصيبه مسؤولاً أمنياً موقتاً في مدينة البوكمال، على الحدود السورية - العراقية.
وكثرت التوقعات والتسريبات حول مصير "الحاج رسول" على خلفية توقف نشاط المركز الثقافي الإيراني منذ شهر تقريباً. ونقل موقع "تلفزيون سوريا" عن مصادر خاصة قولها، إن هذا التوقف جاء نتيجة اعتقال مكتب أمن الحرس الثوري "الحاج رسول" بعد ساعات قليلة من قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث نُقل مباشرة إلى إيران، ولم يتردّد القادة الإيرانيون بوصفه بالخائن الذي أخبر عن قيادات الحرس في القنصلية، ما مكّن إسرائيل من قصف المكان وقتلهم.
وأضاف الموقع السوري المعارض الذي يعمل انطلاقاً من تركيا، أن المكتب الأمني أجرى تحقيقات معمّقة مع موظفي المركز الثقافي المحليين بخصوص تحرّكات "الحاج رسول" واتصالاته في الأشهر الماضية، كما تمّ الاستدلال من خلالهم على بيوت سرّية كان يستخدمها. ويبدو أن الاختراق الأمني الذي أحدثه كان واسعاً جداً، إذ امتدت التحقيقات إلى أعضاء كثر من الميليشيات الذين اعتُقلوا ولم يُشاهدوا بعد ذلك.
خبير في الاستقطاب
غير أن مصادر مطلعة أفادت "النهار العربي"، بأن "الحاج رسول" لم يتعرّض للاعتقال ولا شبهات حوله متعلقة بقصف القنصلية أو غيرها من الأحداث الأمنية. وأكّدت هذه المصادر أن "الحاج رسول" هو أحد أبرز ضباط الحرس الثوري الإيراني العاملين في سوريا، عُيِّن مديراً للمركز الثقافي في دير الزور في أواخر عام 2021 نتيجة خبرته في استقطاب الحاضنة الشعبية وأساليب نشر التشيّع بين أبناء الجيل الصاعد. لكنه نُقل أخيراً من هذا المنصب ليتولّى منصب المسؤول الأمني في مدينة البوكمال، بسبب الاختراقات الكبيرة التي حدثت في هذه المدينة وتسبّبت بمقتل عدد كبير من عناصر الميليشيات الإيرانية، سواءً نتيجة القصف الأميركي والإسرائيلي أو نتيجة الاشتباكات والصراعات الداخلية بين هذه الميليشيات.
وتأكيداً لذلك، كان معرّف "مراسل الشرقية" قد نشر خبراً قبل أيام عدة أفاد بوقوع خلاف بين ميليشيا الفوج 47 بقيادة أبو عيسى المشهداني، والقوة الأمنية في البوكمال بقيادة "الحاج رسول".
جولة أمنية
وكان "المرصد السوري لحقوق الإنسان" قد نشر تقريراً في أواخر أيار (مايو) الماضي ذكر فيه قيام "حزب الله" بإجراء تغييرات في قيادات الميليشيات الأمنية في البوكمال. وذكر التقرير في حينه أن "الحاج رسول" أجرى جولة تفقدية برفقة عدد من القياديين على النقاط التابعة للميليشيات الإيرانية، على الشريط الحدودي وفي بلدة السيال ومدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، إضافة إلى النقاط المتمركزة في بادية دير الزور، لمتابعة الأوضاع في المنطقة. لكن تقرير المرصد لم يذكر طبيعة المنصب الجديد الذي شغله "الحاج رسول"، وأتاح له القيام بمثل هذه الجولة التفقدية ذات الطابع الأمني والعسكري.
وكان آخر نشاط قام به "الحاج رسول" باعتباره مديراً للمركز الثقافي الإيراني هو الاجتماع مع أئمة وخطباء المساجد في دير الزور في آذار (مارس) الماضي، لإعطائهم تعليمات حول شروط الصلاة وخطبة يوم الجمعة. وقد عُقد الاجتماع في المركز الثقافي الإيراني بحي الفيلات في مدينة دير الزور، واستمر ساعتين تقريباً. ومن الشروط التي وضعها المسؤولون الإيرانيون: تحديد صلاة التراويح بثماني ركعات، وعدم تشغيل مكبرات الصوت في صلاة التراويح وأذان الفجر، وتوحيد خطب الجمعة بناءً على خطبة تصدر عن المركز الثقافي الإيراني. وتطرّق الاجتماع أيضاً إلى موضوع التشيّع والحثّ عليه، ودعوة الشباب إلى الانتساب إلى الميليشيات الإيرانية.
منصب لزوم الترقية
لا تتوفر معلومات شخصية كثيرة عن "الحاج رسول" بسبب السرّية التي تحيط بتحركاته، على الرغم من تولّيه منصباً مدنياً في السنوات الأخيرة. ويُعرف عنه أنه قبل تولّي إدارة المركز الثقافي كان يشغل منصب مدير التسليح في مركز "نصر" الكائن في مبنى كلية التربية في حي هرابش وسط مدينة دير الزور. ويتقن "الحاج رسول" العربية، وخدمه ذلك في القيام بمهامه في التواصل الاجتماعي ونشر التشيّع.
تأتي أهمية منصب مدير المركز الثقافي، بحسب مختصين، من خلال ترقية من تقلّدوا هذه المهمّة سابقاً، ما يدل إلى أن من يتسلّم هذا المنصب يكون مُعَدّاً لاستلام مواقع أكبر في صفوف ميليشيات إيران، وفق تقرير نشره موقع "أورينت" في عام 2021. ويظهر ذلك جلياً في ترقية "الحاج حسين"، المدير السابق للمركز الثقافي الإيراني بدير الزور، ليستلم العمل في المستشارية الإيرانية في دمشق، ليكون "الحاج رسول" خلفاً له، إضافة إلى شغله منصبه العسكري في "مقر نصر"، رئيساً لقسم الأسلحة.