بعد تهدئةٍ استمرت أشهراً عدة، عادت "المقاومة الإسلامية في العراق" إلى استهداف قاعدة "التنف" الأميركية في جنوب شرق سوريا، ردّاً على ما يبدو الضربة الجوية التي استهدفت شحنة أسلحة دخلت من العراق عبر معبر البوكمال إلى الميليشيات الإيرانية قبل يومين.
فقد أعلن ما يُسمّى بـ"المقاومة العراقية" استهدافها قاعدة "التنف" الأميركية على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، وذلك في بيان صدر فجر أمس الأحد 23 حزيران (يونيو)، قالت فيها إنها استهدفت القاعدة بطائرة مسيّرة، فردّت بإطلاق قذائف دفاع جوي.
وهذا هو الهجوم الأول المعلن عنه رسمياً على القاعدة منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، عندما استهدفت "المقاومة العراقية" نفسها "البرج 222" الواقع قبالة القاعدة داخل الأراضي الأردنية، وقتلت فيه ثلاثة جنود أميركيين.
اتفاق مسقط السرّي
كانت طهران قد طلبت من قادة هذه الميليشيات، من خلال إسماعيل قاآني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، التوقف عن شنّ الهجمات على الأميركيين، وذلك في اجتماع ضمّ قاآني وعدداً من مسؤولي الميليشيات في مطار بغداد، وفق ما ذكرت وكالة "رويترز" في 29 كانون الثاني (يناير) الماضي، بعدما تكرّرت الهجمات إثر اندلاع الحرب في غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وكانت القواعد العسكرية الأميركية في شرق سوريا قد تعرّضت لهجمات مكثفة من الميليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة، أخطرها الهجوم على "البرج 22" الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين، ما دفع واشنطن إلى تنفيذ سلسلة من الضربات الانتقامية ضدّ هذه الميليشيات في سوريا والعراق، أفضت في نهاية المطاف إلى توقف الهجمات ضدّ القواعد الأميركية.
وتبيّن لاحقاً أن وقف الهجمات جاء بناءً على اتفاق سرّي بين واشنطن وطهران برعاية سلطنة عُمان في أواخر شباط (فبراير) الماضي.
ترأس الوفد الإيراني في تلك المفاوضات نائب وزير الخارجية علي باقري كاني، فيما حضر منسق الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط وكبير المفاوضين النوويين بريت ماكغورك على رأس الوفد الأميركي، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".
وأوضحت الصحيفة، أنّ الوفدين لم يلتقيا مباشرةً بل في غرف منفصلة، فيما لعبت مسقط دور الوساطة في نقل الرسائل بينهما في 10 كانون الثاني (يناير) الفائت. ودخل اتفاق وقف الهجمات على القواعد الأميركية حيّز التنفيذ عقب 24 ساعة من انتهاء المباحثات في مسقط.
فهل يكون هجوم الأحد نذيراً بسقوط اتفاق مسقط؟
ردّ انتقامي
تقول وكالة "مهر" الإيرانية إن الهجوم جاء عبر الجهة الشرقية للقاعدة، بعد أقل من 24 ساعة على ضربة جوية أميركية استهدفت منطقة البوكمال شمال شرقي سوريا، وقتلت ثلاثة من عناصر الميليشيات المدعومة من إيران، فيما تقول وكالة "فارس" الإيرانية إن الهجوم وقع في منطقة "55 كيلومتر" التي تضمّ القاعدة الأميركية عند المثلث الحدودي. ولم تعلق القيادة المركزية الأميركية على الهجوم، ولا قيادة "جيش سوريا الحرة" المتمركز في القاعدة.
إلى ذلك، تقول مصادر ميدانية إن القوات الأميركية تمكنت من إحباط الهجوم وأسقطت ثلاث طائرات مسيّرة حاولت استهداف القاعدة، موضحة أن محاولة الهجوم جرت على دفعتين، حيث أُطلقت مسيّرة في فترة الظهيرة، واثنتان في ساعات المساء، انطلقت كلها من الأراضي العراقية. وبحسب موقع "نورث برس" السوري المحلي، أُسقطت المسيّرات كلها في محيط القاعدة قبل تشكيلها أي تهديد فعلي على القوات الأميركية المتمركزة هناك.
وفي 11 حزيران (يونيو) الجاري، ذكرت مواقع سورية أن قاعدة التنف تعرّضت لهجوم بطائرتين مسيّرتين انتحاريتين، مشيرةً إلى أن انفجارات عدة سُمعت في المنطقة. لكن لم تتبنّ أي جهة المسؤولية عن ذاك الهجوم، كما لم تؤكّده القيادة الأميركية، ولم تثبت مصادر مستقلة وقوعه. غير أن المرصد السوري لحقوق الإنسان ذكر في حينه أن الدفاعات الجوية في قاعدة التنف أسقطت مسيّرتين أطلقتهما الميليشيات الإيرانية، كانتا متجهتين لمهاجمة القاعدة الأميركية. ويُذكر في هذا السياق، أن هذا الهجوم جاء بعد يومين من مقتل المستشار الإيراني سعيد أبيار في غارة إسرائيلية على مدينة حلب.
تراجع وتهديدات
وخلال الأسابيع الماضية، تراجعت حدّة الهجمات التي تشنّها الميليشيات الإيرانية على القوات والقواعد الأميركية في سوريا والعراق، حيث يعود آخر هجوم لها إلى 21 أيار (مايو) الماضي، عندما أطلقت الميليشيات 5 صواريخ على الأقل من بلدة زمار العراقية في اتجاه القاعدة الأميركية الموجودة في مـطار خراب الجير الزراعي بريف اليعربية شمال شرقي الحسكة.
وفي شباط (فبراير) الماضي، هدّدت "حركة النجباء العراقية" باستئناف ضرب القواعد الأميركية في سوريا والعراق. وقال أمينها العام أكرم الكعبي في تصريحات نقلتها قناة "الميادين" اللبنانية، إن القوات الأميركية "لن تنسحب بالتفاوض بل بمنطق القوة والسلاح"، مؤكّداً أن الهدوء السائد "ما هو إلّا تكتيك موقت لإعادة التموضع والانتشار"، متوعدًا بمفاجآت مقبلة. ونفى الكعبي في تصريحاته نفسها تبعية فصائل "المقاومة الإسلامية" لإيران، واصفًا قرارها بأنه "عراقي جهادي" وهي تتحمّل تبعاته.