النهار

معبر أبو الزندين بوابة التطبيع بين أنقرة ودمشق؟
المصدر: دمشق – "النهار العربي"
تشير التصريحات الصادرة عن مسؤولين أتراك وسوريين إلى وجود مساعٍ جديدة لاستعادة الحرارة على خط التقارب بين البلدين.
معبر أبو الزندين بوابة التطبيع بين أنقرة ودمشق؟
معبر أبو الزندين.
A+   A-

تشير التصريحات الصادرة عن مسؤولين أتراك وسوريين إلى وجود مساعٍ جديدة لاستعادة الحرارة على خط التقارب بين البلدين. وفيما استأنف مسؤولون أتراك الحديث عن ضرورة إحياء مفاوضات التطبيع مع النظام السوري على خلفية إعلان "قوات سوريا الديموقراطية" نيتها إجراء انتخابات محلية في مناطق سيطرتها، أكد الرئيس السوري انفتاحه على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا. وتزامن ذلك مع إعلان سلطات المعارضة في مدينة الباب استعدادها لافتتاح معبر أبو الزندين الذي يربطها مع مناطق سيطرة النظام، في خطوة عكست حسب مراقبين ترجمة شبه حرفية لتصريح وزير الخارجية التركي حقان فيدان عن ضرورة استغلال فترة الهدوء لإحداث تقارب بين النظام السوري والمعارضة.
وقال المجلس المحلي لمدينة الباب شرقي محافظة حلب، إنه سيتم فتح معبر "أبو الزندين" الواصل بين المنطقة التي يسيطر عليها "الجيش الوطني السوري" ومناطق سيطرة النظام السوري.

وأضاف المجلس عبر "فايس بوك"، الأربعاء، أن المعبر سيفتح "تجريبياً" خلال الـ48 ساعة المقبلة، بهدف اعتماده "كمعبر تجاري رسمي". وذكر أنه سينشر لاحقاً ضوابط وتعليمات تتعلق باعتماد "أبو الزندين" كمعبر تجاري.

المجلس أشار إلى أن فتح المعبر يعكس حرصه على "تحسين الظروف المعيشية لأهالي المنطقة وتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي".

واعتبر أن افتتاح المعبر سيمكّن التجار وأصحاب الأعمال في المنطقة من نقل البضائع والسلع، ما سيسهم في تنشيط الحركة التجارية وزيادة موارد المجلس المحلي لإنفاقها للصالح العام وإعادة تأهيل البنية التحتية في مدينة الباب.

وطلب المجلس في منشوره من أهالي الباب وفعالياتها التعاون مع الجهات المختصة لتسهيل فتح المعبر وتنشيط الحركة التجارية في المدينة، معتبراً أن الخطوة "ستعود بالنفع على الجميع".

وكانت جميع المحاولات السابقة لإعادة افتتاح معبر أبو الزندين منذ إغلاقه عام 2020 قد باءت بالفشل، بسبب الاحتجاجات التي كانت تقوم في مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا ضد هذه الخطوة، التي كانت تعتبر بمثابة تنازل أمام الضغوط التي تمارسها أنقرة على المعارضة للسير في نهج التقارب مع النظام وفق رؤية أستانا التي تشرف عليها الدول الثلاث روسيا وإيران وتركيا.

ومؤخراً تسبب حضور وفد روسي إلى مدينة الباب برفقة فريق تابع للأمم المتحدة بإثارة احتجاجات واسعة، إذ اعتقدت المعارضة أن دخول الوفد الروسي جاء لتنفيذ اتفاق سري مع أنقرة يهدف إلى إعادة فتح معبر أبو الزندين، فيما كانت المهمة الرسمية المعلنة للوفد تتعلق بموضوع مد هذه المناطق بمياه الشرب.

ومنذ منتصف حزيران (يونيو) الجاري، تداولت حسابات ومواقع إخبارية سورية أنباء عن اجتماعات بين ممثلين عن تركيا وروسيا في معبر أبو الزندين شرقي محافظة حلب. وفي 11 من الشهر نفسه، احتج مدنيون وعسكريون في مدينة الباب بعد انتشار أنباء عن نية روسيا تسيير دورية عسكرية بالاشتراك مع القوات التركية في المنطقة، وخرج أبناء المنطقة إلى الشوارع اعتراضاً على دخول القوات الروسية.

وفي 13 من الشهر الجاري أيضاً، نشر المرصد السوري لحقوق الأإنسان معلومات عن استعداد أنقرة وموسكو لافتتاح معبر أبو الزندين، وقال حينها نقلاً عن مصادر لم يسمّها، إن القوات الروسية والتركية تحضر لافتتاح معبر أبو الزندين. ونقلت "وكالة سنا" المحلية في اليوم نفسه عن "مصدر مطّلع" أن اجتماعات بين الجانبين التركي والروسي عُقدت في المعبر نفسه، تهدف لإعادة تشغيله.

ويربط "أبو الزندين" بين مدينة الباب بريف حلب الشرقي في منطقة عمليات "درع الفرات" الخاضعة لسيطرة المعارضة برعاية تركية، وبين شرقي مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام، ويقع في الجهة الغربية لمدينة الباب، بالقرب من قرية الشماوية، التي تخضع لسيطرة النظام.

في 18 من آذار (مارس) 2020، أغلقت "الحكومة السورية المؤقتة" كلاً من معابر "الحمران" و"عون الدادات" و"أبو الزندين" الداخلية، بشكل كامل.

وقررت "الحكومة المؤقتة" إغلاق المعابر أمام الحركة التجارية بالاتجاهين أيضاً بعد إيقاف حركة مرور المدنيين، وأرجعت سبب الإغلاق لحرصها على سلامة المواطنين وللوقاية من مخاطر انتشار فيروس "كورونا المستجد".

ومنذ ذلك الحين لم يُفتح المعبر إلا في حالات استثنائية جرت فيها عمليات تبادل للأسرى في أوقات زمنية متباعدة.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يوم الثلاثاء إن بلاده تحث النظام السوري على استثمار حالة الهدوء وتوقف الاشتباكات بغية حلّ المشاكل الدستورية وتحقيق السلام مع معارضيه.

ورأى خلال لقاء أجرته معه قناة "خبر تورك" التركية أن أهم شيء حققته تركيا وروسيا في الشأن السوري هو وقف القتال بين النظام والمعارضة.

وأوضح: "ما نريده، هو أن يستغل النظام السوري بعقلانية هذه الفترة من حالة عدم الصراع، هذه الفترة من الهدوء، وأن يستغل كل هذه السنوات كفرصة لحل مشاكله الدستورية، وتحقيق السلام مع معارضيه".

جاءت تصريحات فيدان بعد أيام من زيارة قام بها إلى روسيا التقى خلالها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة دول البريكس، وناقش معه الملف السوري وموضوع الانتخابات المحلية التي تعتزم "قسد" القيام بها في مناطق سيطرتها، الأمر الذي تعتبره أنقرة يهدد أمنها القومي.

وقد تسرب بعد الاجتماع الروسي - التركي أنه تم الاتفاق بين البلدين على استئناف مسار أستانا عبر عقد اجتماع جديد في مطلع الشهر المقبل.

ومن غير الواضح ما طبيعة العلاقة بين الجهود الروسية الجديدة لإعادة إحياء التقارب السوري - التركي، مع الوساطة التي أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداده للقيام بها بين البلدين، وهل تعمل روسيا على دفع الجهد العراقي للمضي به إلى الأمام أم تريد قطع الطريق عليه من أجل احتكار جهود الوساطة بين سوريا وتركيا.

ولكن مما لا شك فيه أن إعلان "قوات سوريا الديموقراطية" عن إصرارها على إجراء الانتخابات المحلية في مناطق سيطرتها في شهر آب (أغسطس) المقبل، قد منح روسيا فرصة ذهبية لاستغلال المخاوف التركية من هذه الانتخابات من أجل إعادة الزخم إلى جهودها الرامية إلى التقريب بين دمشق وأنقرة.

ورأى بعض المراقبين في تصريحات الرئيس السوري الأخيرة حول انفتاحه على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا من دون أن يذكر شرط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، مكتفياً بالحديث عن احترام السيادة السورية، أنها تمثل موقفاً مرناً ربما كان الهدف منه ملاقاة الجهود الروسية في وسط الطريق.

ولم تستبعد مصادر سورية معارضة أن يتبع افتتاح معبر أبو الزندين خطوات أخرى تهدف إلى إعادة افتتاح الطريق بين تركيا ومدينة حلب، لكنها وضعت ذلك في إطار تفاهمات متقدمة ينبغي أن تصل إليها موسكو وأنقرة أولاً.

اقرأ في النهار Premium