انتشر في سوريا خلال الأشهر الماضية استخدام حقن التنحيف الفوري التي لاقت إقبالاً كبيراً جداً رغم التحذير من مخاطرها التي قد تكون قاتلة. وتلقف سوريون كثر ذلك المنتج القادم من الخارج، وخصوصاً لبنان، عبر التهريب وشرعوا يستخدمونه.
من شأن تلك الحقن تحقيق نتائج سريعة للغاية وخفض أوزان متلقيها سريعاً أيضاً، وهو ما عزز انتشارها والإقبال عليها وجعل منها مورد رزق ومكسباً كبيراً لبعض الأطباء والمتخصصين وغيرهم من العاملين بها والمسوقين لها، وهي التي لم تحتج عملياً دعايات فعلية علنية سوى تلك الدعاية المجتمعية الواسعة التي دارت على شفاه الناس خلال أشهر قليلة، معلمةً إياهم بـ"الثورة" الجديدة في عالم التنحيف. الثورة التي قد تكون قاتلة لجملة من الأسباب.
لمرضى السكري لا للتنحيف
عن تلك الحقن تحدث إلى "النهار العربي" رئيس قسم الطب الوقائي الفرعي طبيب الأمراض الجلدية أيهم النقري الذي بيّن وجود الكثير من الخيارات التي باتت متوافرة الآن، وآخرها "مونجارو" وقبلها "سيكسدنا وأوزمبيك" والتي تعمل في مبدئها العام على زيادة إفراز الأنسولين وإبطاء امتصاص الطعام وخفض مستويات السكر في الدم، لذا هي بالأساس صُنِعت لتستخدم كعلاج للسكري لدى مرضى النمط الثاني، ومن آثارها الجانبية خفض الوزن، وليس أساسها.
ويرى الطبيب النقري أنّ استخدامها انتشر كثيراً في الفترة الماضية انتشاراً واسعاً وبطريقة عشوائية أحياناً بهدف التنحيف لا معالجة السكري كعارض أساسي.
يقول النقري: "خطورتها في أنها تعمل على زيادة إفراز الأنسولين، فعند استخدامها لدى شخص طبيعي وسليم ليس مصاباً بالسكري يمكن أن يصاب بأذية في البنكرياس، وذلك عائد للتلاعب بكمية إفراز الأنسولين من البنكرياس عبر مكونات تلك الحقن إذا خضعت للاستخدام العشوائي من دون دراسة طبية دقيقة لكل حالة".
ويضيف: "يمكن أن يحدث تداخل طبي دوائي بينها وبين أدوية يأخذها المريض أساساً لأمراض أخرى، ما يحدث نوبات نقص سكر وهذا أخطر من ارتفاع السكر، وحينها يمكن أن يدخل المصاب بغيبوبة تهدد حياته أو تسلبه إياها في بعض الحالات".
المساوئ تفوق المحاسن
وتشرح طبيبة التجميل هبه هولا أنّ تلك الحقن تستهدف هورمونات طبيعية موجودة في الجسم بكمياتها الطبيعة، واستهدافها يخفض مستويات السكر ويقلل حركة المعدة ويعطي إحساساً بالشبع. وبالتالي هو تقنية فعالة إذا استخدم تحت إشراف طبي متخصص، ومن بين ميزاته أنّه لا يحتاج إلى وقت للشفاء كونه إجراءً سريعاً وهو غير جراحي لا تنتج منه أي آثار أو ندبات مبالغ فيها كما في الإجراءات الجراحية.
ولكنّ الطبيبة تحذر من أنّ المساوئ في الكثير من الحالات تفوق الفوائد، قائلةً: "قد يظهر بعض التورم والاحمرار والكدمات التي قد تزول بعد بضعة أيام، وأيضاً تلك الحقن غير ملائمة لأصحاب السمنة المفرطة، مع وجود العديد من الحالات المرضية التي تتعارض معها تلك المركبات لأسباب متنوعة، فتتفاوت النتيجة بين جسم وآخر، وتتفاوت الخطورة".
وتضيف هولا: "قد لا تظهر النتائج وفعاليتها نفسيهما على كل المناطق المرجوة، بالإضافة لاعتمادها على عوامل فردية غير ثابتة بالعموم مثل الاستجابة الفردية لنوع الإبر المستخدمة والمنطقة المعالجة، وتُمنع في العديد من الحالات المرضية كمرضى الكبد والكلى ومشكلات الغدد، بالإضافة إلى مشكلات المناعة الذاتية والالتهابات واضطرابات تخثر الدم كما الحوامل والمرضعات، وللأسف من يتعاطى تلك الحقن لا يجري فحوصاً طبية شاملة مسبقة فيكون عرضة الآن أو لاحقاً لمشكلات صحية سيصعب التعامل معها لخطورتها".
حلٌّ موقت
الطبيب النقري الذي يت حدر التجميل كفرع من تخصصه الجلدي "الأم"، ما يجعله على تماس مباشر خلال عمله مع كل آليات الحقن وأنواعها ومريديها، يوضح في معرض حديثه: "حتى الآن ليست هناك موافقة من منظمة الغذاء والدواء العالمية على تلك الاستخدامات في سياق التنحيف، ولكن حين يكون الاستخدام بإشراف طبي تخصصي وباستشارة طبيب غدّة وتخصصات أخرى مع تخصصنا نحن أيضاً في ما يتعلق بالأشخاص الطالبين للحقن عموماً، حينها تقل أو تختفي المشكلات وتعطي تلك الحقن نتائج جيّدة على صعيد تقليل الوزن".
وتلك الحقن من شأنها أن تخفض وزن مستخدمها ما بين 6 إلى 7 كيلوغرامات شهرياً، وقد يكون الرقم أعلى إذا تماشى مع حمية غذائية مناسبة وممارسة للرياضة، لكنّ الطامة الكبرى هي إمكان اكتساب الوزن مجدداً وبسرعة، وهذا ما يشرحه الطبيب النقري.
وهو ما يتماشى مع رأي الطبيبة هولا التي تعبر عنه بقولها: "النقص البطيء يعني الاستدامة، فعندما يتعلق الأمر بفقدان الوزن صحياًَ يلزم خطة طويلة الأمد لإدارة الوزن تتضمن اتباع نظام غذائي صحي مخفض السعرات الحرارية وزيادة التمارين الرياضية، وهذا بدوره يؤدي إلى إنقاص الوزن ببطء وثبات وأمان على عكس ما تفعله الحقن التي يمكن أن تظهر نتائج عكسية حال انتهاء جرعاتها وتوجه الشخص إلى نمط حياة غير صحي أو سليم غذائياً، فيكون قد عرّض جسده للخطر وخسر أرقاماً كبيرة كأسعار لتلك المواد".
وتنصح هولا بأن تكون تلك الحقن هي آخر الحلول التي يمكن اللجوء إليها فعلياً بعد تجريب كل الطرق الصحية الفعالة ودراسة المشكلات الصحية المفترضة من سكري وغدد وغيرها.
حلٌّ لفقدان الثقة بالنفس
تلقت الشابة ليمار الرومي جرعات عدة من حقن التنحيف خلال الفترة الماضية، تمكنت من خفض وزنها 13 كيلوغراماً خلال شهرين فقط، انتهت من تلك التجربة قبل ثلاثة أشهر وما زالت تحافظ على وزنها الجديد بثبات نسبياً، ويعود ذلك، بحسبها، إلى جهود إضافية بذلتها بعد انتهاء العلاج.
تقول الرومي: "التزمت الرياضة اليومية وحمية غذائية صارمة، لا أريد العودة إلى الوزن الذي كنت عليه، كنت بدينة ولم أكن راضيةً عن شكلي لسنوات، ما أفقدني ثقتي بنفسي، وفي كل لحظة كنت أستبعد خيار شفط الدهون لأخطاره وطيلة مدته وما سمعته عنه وغير ذلك، حتى جاءت هذه الحقن من السماء للسوريين، قبل أول جرعة أخذتها تطلب الأمر الحجز قبل أسابيع لشدّة الإقبال عليها، إذ أجريتها في مركز معروف في العاصمة".
والرومي كمعظم المرضى الذين تعاملوا مع تلك الحقن كأنها مجرد "بوتوكس" فأقبلوا عليها دونما تحاليل طبية للسكري والغدد والكلى وبقية الإجراءات، وغالباً على أيدي اختصاصي تغذية من دون إشراف طبي مباشر يراعي المخاطر المحتملة، على ما لحظه "النهار العربي" من أحاديث مع العديد من المرضى الذين يتلقى البعض منهم تلك الحقن يومياً أو أسبوعياً، بحسب نوعها.
غير مصرح بها
الصيدلاني معروف ناصر قال لـ"النهار العربي" إنّه لم يسمع بتلك الحقن سوى من الناس وبأنّه وسواه من الصيادلة لا يبيعونها ويحظر عليهم التعامل بها، كما أنّ دولته لا تصنعها ولا تستوردها ولا تتعامل بها إطلاقاً، لذا يكون الحصول عليها بطريقة غير قانونية أو نظامية.
ويضيف: "بات الكثير من المرضى في الآونة الأخيرة يسألونني عن تلك الحقن وإن كنت أبيعها، امتلاك الحقنة وفقط تعاطيها في العيادة أو المركز التجميلي سيخفض من تكلفتها، ولاحقاً علمت أنّها تجيء فقط من لبنان عبر طرق التهريب المعروفة، أما داخل سوريا فهي غير مصرح بها، وتقريباً الكورس الشهري إن كان حقنة أسبوعية فإنّه يكلف ألف دولار لكل أربع أو خمس حقن".