النهار

طريق دمشق أنقرة تمّر من موسكو وواشنطن
باسل العريضي
المصدر: "النهار"
بحكم الموقع الجيو- سياسي للشرق الأوسط، فإنه يعدّ بمثابة "البارومتر" للمتغيرات الدولية الهامة لاسيما تلك المتعلقة بصعود وهبوط القوى العظمى، أو بمعنى آخر عند تغيير في النظام العالمي الذي يفرض حتماً تغييرات على الأنظمة الإقليمية.
طريق دمشق أنقرة تمّر من موسكو وواشنطن
دبابة تركية داخل الأراضي السورية (أرشيفية)
A+   A-

بحكم الموقع الجيو- سياسي للشرق الأوسط، فإنه يعدّ بمثابة "البارومتر" للمتغيرات الدولية الهامة لاسيما تلك المتعلقة بصعود وهبوط القوى العظمى، أو بمعنى آخر عند تغيير في النظام العالمي الذي يفرض حتماً تغييرات على الأنظمة الإقليمية.

وبعد الحرب العالمية الثانية، ومع التوزيع الجديد للقوى العالمية التي نشأت على إثرها، شكلّ هذا الشرق الأدنى أهمية استراتيجية للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية من ثابتتين، قربه من الاتحاد السوفياتي ومصادر الطاقة، إلى جانب تمتعه بممرات مائية رئيسية لعبور المواد الخام على اختلافها.

في زمن الحرب الباردة كانت تركيا تشكل "خطّ الدفاع الأول" أمام التمدد الشيوعي، نظراً لموقعها الجغرافي الممتد بين قارتي أوروبا وآسيا وتحكمها بمضيقي البوسفور والدردنيل، فكان لزاماً على القوى الغربية إشراكها كعضو أساسي في حلف شمال الأطلسي (الناتو). فيما ذهبت جارتها سوريا نحو التحالف مع موسكو التي أقامت على شواطئ طرطوس أول قاعدة بحرية لها على ضفاف المياه الدافئة في المتوسط.

 

انتهت الحرب الباردة، بسقوط "الستار الحديدي" في أوروبا ومن خلفه الاتحاد السوفياتي، وانتقل العالم من أن يكون متعدد الأقطاب إلى نظام القطب الواحد، ما رتب متغيّرات جيوسياسية في هذه المنطقة الحافلة بالصراعات. وفي تلك الحقبة عمدت تركيا إلى تغيير في سياستها الخارجية، التي باتت أكثر انفتاحاً على الدول المحيطة لاسيما العربية منها، وانتهجت سياسة "تصفير المشاكل" وهي التي نظّر لها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية" الذي صدر في مطلع الألفية الثانية، وفيه طرح لفكرة تعزيز وتطوير العلاقات مع الدول الإقليمية كما هي الحال مع الدول الغربية. وهذا ما حدث بالفعل.

 

مشاكل بالجملة بدل تصفيرها

من دون الدخول في تفاصيل الأحداث التي عصفت بالمنطقة، مثل الاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط صدام حسين عام 2003، والنتائج التي ترتبت عنها على تركيا وسوريا وغيرهما، فإن العلاقات السورية التركية انقلبت رأساً على عقب مع ما سمي بـ"الربيع العربي" ومشاركة تركيا عسكرياً في الحرب السوريّة واحتلالها أجزاء كبيرة من الشمال السوري بحجة الخطر الذي يشكله "حزب العمال الكردستاني" على أمنها القومي، إلى جانب دعمها المباشر لفصائل مسلحة معارضة للنظام. كما أصبحت الخصومة تطغى على العلاقة مع الدول العربية، وانتقلت من حالة "صفر مشاكل" إلى مشاكل مع كل المحيط العربي ومع أوروبا على خلفية النازحين والمهاجرين.

وبات بالنسبة لأنقرة أي تطبيع للعلاقات مع دمشق مرتبط بمصالحة بين النظام والمعارضة، وتطور هذا الخطاب التركي في السنوات الماضية. في صيف 2022، رأى وزير الخارجية السابق مولود جاويش أوغلو أنه من الضروري "تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا، بطريقة ما"، لأنه "لن يكون هناك سلام" من دونها.

وفي نيسان (أبريل) 2023، أجرى مدراء الاستخبارات في إيران وروسيا وسوريا وتركيا محادثات في إطار جهود لإعادة بناء العلاقات التركية السورية بعد عداء لسنوات، وفي صيف العام نفسه كانت التحضيرات قد شارفت على الانتهاء للقاء الرئيسين، لكن الأمور عادت وتعقدت.

وقبل أيام كان كان لقاء بين رأس الدبلوماسية التركية الحالي هاكان فيدان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية موسكو، ومن ثمّ خرج بتصريح على قناة "خبر تورك" أعاد من خلاله التذكير بالمواقف السابقة، إذ أشار إلى أن تركيا تريد من "النظام السوري استغلال حالة الهدوء ووقف إطلاق النار الحاصل لحل المشكلات الدستورية وتحقيق السلام مع معارضيه".

وبينما لايزال أي حديث عن تسويات قريبة بين الطرفين، بعد فشل مساعي إيران وروسيا، الدولتين الراعيتين لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، يقترن باشتراط الأخيرة إنهاء "الاحتلال التركي لأراضيها". سُجل موقف لافت للرئيس السوري بشار الأسد خلال استقباله المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، أعرب خلاله عن انفتاح سوريا على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا و"المستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها" من جهة، "ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته" من جهّة أخرى.

 ردّ أنقرة لم يتأخر، إذ سرعان ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لا يستبعد احتمال عقد اجتماع مع نظيره السوري بشار الأسد لمساعدته في استعادة العلاقات الثنائية بين البلدين.

وأضاف بعد أداء صلاة الجمعة أنه "لا سبب لعدم حدوث ذلك... مثلما أبقينا علاقاتنا في غاية الحيوية في الماضي.. من المؤكد أنه لا يُحتمل قول إن هذا لن يحدث مجدداً في المستقبل". وذهب لأبعد من ذلك مذكراً باللقاءات السابقة "بما فيها الاجتماعات العائلية".

 

تعقيدات دولية وإقليمية

تبادل الرسائل الإيجابية، بوساطة روسيّة، يأتي في أجواء إعادة انفتاح عربي – تركي وعودة سوريا لتأخذ موقعها في جامعة الدول العربية، وقبل أيام من لقاء مرتقب بين إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" في كازاخستان، الدولة التي رعت مؤتمرات السلام السورية بما بات يعرف بـ"مسار أستانا" نسبة الى العاصمة الكازاخية.

القمة الروسية التركية، من شأنها مناقشة، أو بالحد الأدنى فتح مسار أمام البحث بالمسائل العالقة عند كل من دمشق وأنقرة والتي تقوّض مساعي استعادة الثقة، مثل انسحاب الجيش التركي، وقوات سوريا الديموقراطية "قسد" إضافة إلى الأطراف المسلحة المدعومة تركياً، ومسألة النازحين، وهذا فقط بالملف السوري. وبالطبع هناك مسائل تحتل أولوية الكرملين وهي الحرب في أوكرانيا مع ما تركته من ندوب على العلاقات مع تركيا.  

بيّد أن كثيراً من هذه الملفات خيوطها تتقاطع في واشنطن وطهران، والعاصمتان تخوضان انتخابات حاسمة من شأنها أن تترك آثارها على سياستهما الخارجية بحسب الفريق الذي سيقترن به الفوز. 

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium