ظهر "الحاج رسول" قبل أيام في مدينة دير الزور، بعد غياب استمر أسابيع عدة، انتشرت خلالها إشاعات كثيرة حول مصيره. وأكّدت مصادر متابعة لنشاط الميليشيات الإيرانية في المنطقة الشرقية، أن "الحاج رسول"، الذي يُعتبر أحد أبرز ضباط الحرس الثوري الإيراني في دير الزور، وكان يتولّى منصب مدير المركز الثقافي فيها، عاد إلى المدينة قادماً من طهران، بعد أن تسبب غيابه المفاجئ في انتشار فرضيات عديدة، تراوحت بين اعتقاله بسبب تورطه في تسريب معلومات أمنية إلى جهات خارجية، وبين نقله إلى مكان آخر.
وكانت مواقع سورية معارضة قد تحدثت عن اعتقال الحاج رسول بعد ساعات قليلة من قصف القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع نيسان (أبريل) الماضي. وذكر موقع "تلفزيون سوريا" المعارض، الذي يعمل من تركيا، أن المكتب الأمني للحرس الثوري أجرى تحقيقات معمّقة مع موظفي المركز الثقافي المحليين بخصوص تحرّكات "الحاج رسول" واتصالاته في الأشهر الماضية، كما تمّ الاستدلال من خلالهم على بيوت سرّية كان يستخدمها. ويبدو أن الاختراق الأمني الذي أحدثه كان واسعاً جداً، إذ امتدت التحقيقات إلى أعضاء كثيرين في الميليشيات الذين اعتُقلوا ولم يُشاهدوا بعد ذلك.
معلومات مختلفة
غير أن مصادر خاصة أفادت "النهار العربي" في حينه عدم صحة هذه المعلومات، مؤكّدة أن "الحاج رسول" لم يتعرّض للاعتقال، ولا شبهات حوله متعلقة بقصف القنصلية أو غيرها من الأحداث الأمنية.
وأكّدت هذه المصادر، أن "الحاج رسول" هو أحد أبرز ضباط الحرس الثوري الإيراني العاملين في سوريا، عُيِّن مديراً للمركز الثقافي في دير الزور في أواخر عام 2021 بفضل خبرته في استقطاب الحاضنة الشعبية وأساليب نشر التشيّع بين أبناء الجيل الصاعد. لكنه نُقل أخيراً ليتولّى منصب المسؤول الأمني في مدينة البوكمال، بسبب الاختراقات الكبيرة التي حدثت في هذه المدينة وتسبّبت بمقتل عدد كبير من عناصر الميليشيات الإيرانية، سواءً نتيجة القصف الأميركي والإسرائيلي أو نتيجة الاشتباكات والصراعات الداخلية بين هذه الميليشيات.
وأكّدت عودة "الحاج رسول" إلى مدينة دير الزور صحة المعلومات التي نقلها "النهار العربي" عن المصادر السابقة. مع ذلك، ظلت تحركاته تثير الكثير من الشكوك والفرضيات حول أدواره السرّية، ولا سيما أن ظهوره الأخير تزامن مع انتهاء تشييع لونا الشبل، المستشارة الرئاسية الخاصة، وما أثاره مقتلها المفاجئ من تكهنات حول تعرّضها لتصفية جسدية نتيجة دورها في التعامل مع جهات خارجية (روسية) للكشف عن معلومات أمنية عن ضباط الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ما دفع إلى ميل شعبي لاتهام إيران بقتلها، على الرغم من عدم وجود أدلة كافية تثبت هذه الفرضية.
وأكّدت مصادر لـ "النهار العربي" أن "الحاج رسول"، بعد تعيينه في منصب المسؤول الأمني في مدينة البوكمال، اسُتدعي أخيراً إلى طهران للبحث معه في أبرز السبل التي من شأنها تقليل خسائر الحرس الثوري البشرية بسبب الغارات الإسرائيلية، ولتزويده بمعلومات جديدة حول طرق التعامل مع التهديدات الأمنية التي تحوط بالكوادر الإيرانية في المنطقة.
ووفق المصادر ذاتها، فإن "الحاج رسول" لم يتمّ تسليمه أي منصب جديد بعد عودته من طهران إلى دير الزور، غير أن موقع "عين الفرات" رجّح تعيينه في منصب رئيس المراكز الثقافية الإيرانية في عموم مناطق سيطرة الحكومة السورية.
آخر نشاطاته
وكان آخر نشاط قام به "الحاج رسول"، بصفته مديراً للمركز الثقافي الإيراني، هو الاجتماع مع أئمة مساجد دير الزور وخطبائها في آذار (مارس) الماضي، لإعطائهم تعليمات حول شروط الصلاة وخطبة يوم الجمعة. عُقد الاجتماع في المركز الثقافي الإيراني في حي الفيلات في مدينة دير الزور، واستمر ساعتين تقريباً. ومن الشروط التي وضعها المسؤولون الإيرانيون: تحديد صلاة التراويح بثماني ركعات، وعدم تشغيل مكبرات الصوت في صلاة التراويح وأذان الفجر، وتوحيد خطب الجمعة بناءً على خطبة تصدر عن المركز الثقافي الإيراني. وتطرّق الاجتماع أيضاً إلى موضوع التشيّع والحثّ عليه، ودعوة الشباب إلى الانتساب إلى الميليشيات الإيرانية.
لا تتوفر معلومات شخصية كثيرة عن "الحاج رسول" بسبب السرّية التي تحوط تحركاته، على الرغم من تولّيه منصباً مدنياً في السنوات الأخيرة. ويُعرف عنه أنه قبل تولّي إدارة المركز الثقافي كان يشغل منصب مدير التسليح في مركز "نصر" الكائن في مبنى كلية التربية بحي هرابش وسط مدينة دير الزور. ويتقن "الحاج رسول" العربية، وخدمه ذلك في أداء مهماته في التواصل الاجتماعي ونشر التشيّع.
تأتي أهمية منصب مدير المركز الثقافي، بحسب مختصين، من خلال ترقية من تقلّدوا هذه المهمّة سابقاً، ما يدلّ إلى أن من يتسلّم هذا المنصب يكون مُعَدّاً لاستلام مواقع أعلى في صفوف ميليشيات إيران، وفق تقرير نشره موقع "أورينت" في عام 2021. ويظهر ذلك جلياً في ترقية "الحاج حسين"، المدير السابق للمركز الثقافي الإيراني في دير الزور، ليستلم العمل في المستشارية الإيرانية في دمشق، ليكون "الحاج رسول" خلفاً له، إضافة إلى شغله منصبه العسكري في "مقر نصر"، رئيساً لقسم الأسلحة.