النهار

تحولات في ​المجتمع السّوري المحافظ.. بنات من المحافظات في دمشق يسكنّ وحيدات
دمشق-طارق علي
المصدر: النهار العربي
لم تكن ظاهرة استقلال الفتيات عن أهاليهنّ رائجةً أو معروفة أو متاحة أو حتى مقبولة في سوريا بأيّ شكل قبل عام 2011، فيما خلا ما يتعلق بسفر الفتيات للدراسة في محافظات أخرى، وكان ذلك السفر مقروناً بسكنهنّ في المدن الجامعية الآمنة كشرط رئيسي يفرضه الآباء، ذلك كان عرفاً سائداً يعلمه الجميع ويعمل به.
تحولات في ​المجتمع السّوري المحافظ.. بنات من المحافظات في دمشق يسكنّ وحيدات
صورة تعبيرية
A+   A-
يعتبر المجتمع السوري تقليدياً محافظاً دينياً وأخلاقياً ويفرض قيودا على تصرفات الأفراد ويومياتهم، لكنّ دمشق تنامى موقعها ودورها ومكانتها مع الوقت خلال الحرب حتى ألغت شيئاً من ذلك التعصب، حتى باتت اليوم آلاف عقود الإيجارات في دمشق توقع بأسماء فتيات عازبات هاربات من مدنهنّ بحثاً عن حياة جديدة وفرصة عمل مناسبة.

ثورةٌ في الاستقلال
لم تكن ظاهرة استقلال الفتيات عن أهاليهنّ رائجةً أو معروفة أو متاحة بأيّ شكل قبل عام 2011، فيما خلا ما يتعلق بسفر الفتيات للدراسة في محافظات أخرى، وكان ذلك السفر مقروناً بسكنهنّ في المدن الجامعية الآمنة كشرط رئيسي يفرضه الآباء.
 
الحرب غيّرت كل شيء، حتى على صعيد مفاهيم المدن الجامعية التي لم تعد هدفاً جوهرياً لفتاة تريد أن تدرس وتعمل فلا تتقيد بوقت عودةٍ إلى مركز السكن ونظام صارمٍ هناك مع غرفٍ بالية تتشارك فيها أربع أو خمس طالبات أو أكثر.

عقود بأسماء آلاف العازبات
 
 تصطدم العازبات غالباً بأنّ نظام التأجير في دمشق صار يقوم على الدفع سلفاً (ستة أشهر أو عاماً) بكامل قيمة مبلغ الإيجار، وهو ما يشكل ضغطاً إضافياً، فتبحث الكثيرات عن شقق يقبل أصحابها بالدفع الشهري وسيكنّ محظوظات لو عثرنَ عليها، وهو سبب يجعلهنّ يتجهنَ إلى الأرياف حيث تختلف المعادلة قليلاً وتقل الأجور أكثر.

الأحياء الشعبية هي الهدف
في دمشق، يعتبر حي المزة 86، مقصداً للباحثين عن شقق للإيجار، وهو حيٌّ ضخم يقع على سفح جبل قاسيون ويبعد قرابة كيلومترين من وسط البلد في ساحة الأمويين، ومئات الأمتار عن حيي المزة فيلات غربية وشرقية وأوتوستراد المزة، وهي أحياء راقية وباهظة.
 
يقطن في الـ"86" قرابة مليون شخص، ويوصف تاريخياً بحيّ الفقراء، واعتبر طوال عمر الحرب الخزان البشري للحكومة، وفي هذا الحي الفقير الذي بُني بأكمله بناءً مخالفاً وبطرق هندسية غير مدروسة لا يمكن إيجاد شقة إيجارها أقل من مئة دولار شهرياً، وقد تصل في أحيان أخرى إلى 500 دولار.
 
 
 
 
كذلك تتجه العازبات للحصول على شقق في مناطق شعبية أخرى كالدحاديل والطبالة والدويلعة وعش الورور وبرزة البلد والتضامن والمخيم وغيرها. ومع أن الايجارات فيها مرتفعة ولكنّها بالتأكيد تبدو فرصةً لا تقاس مقارنةً بالإيجارات في أحياء الأثرياء كالمالكي وأبو رمانة والشعلان والمزة غربية والبقية.

كيف تعامل الأمن مع ملف السكن؟ 
بالعرف العام ولتنظيم الِشأن السكني وضمان أمن العاصمة، أنيطت بأحد أكبر الأجهزة الأمنية مسؤولية الإشراف ومتابعة ملف الإيجارات والشراء والبيع ومنح الموافقات لأشخاص وحرمان آخرين منها، ضمن جملة اعتبارات يتولاها الجهاز نفسه، وعلى رأسها ما يرتبط بملفات الإرهاب وانشقاق أفراد عسكريين من الأسرة والخلفية العامة والأهداف السكنية المشكك بها وغير ذلك.
 
مصدر مسؤول في الجهاز الأمني الذي كان معنياً بمنح الموافقات أو حجبها، أوضح لـ"النهار العربي" أن الفكرة لم تكن في حرمان أشخاص من سكن العاصمة والسماح لآخرين بالسكن، بل في ما سيحدثه ذلك من تغيّر بيئوي عميق من شأنه أن يخلق سريعاً مشكلات ضمن الجوار الذي يقع في حيّزه نطاق الموقع المستأجر.
 
يقول المصدر: "لم يكن يمكن أن يحاسب أحدٌ بذنب غيره، وغالباً لم نكن نعقّد أيّ موافقة إيجار، ولكن ماذا عن امرأة زوجها ضابط منشق في تركيا يقوم بتوجيه عمليات عسكرية ضد الجيش السوري على الأرض في الداخل؟ تلك كانت قضية تستحق الرفض القاطع بل التوسع بالتحقيق".
 
ويضيف المصدر الأمني: "هناك مئات الموافقات التي رفضناها والتي لا يمكن شرح أسبابها والحديث عنها لأسباب أمنية، ولكن باختصار إذا كنا منعنا موافقة مثلاً فمقابلها منحنا ألفاً، ندرك جيّداً أنّ العاصمة للجميع، من أقصى حلب في الشمال إلى درعا في الجنوب، لكنّ أمنها كان مسؤولية على عاتقنا، والخطأ كان بكفرٍ".
 
ويتابع المصدر: "الجهاز الأمني ليس جهةً أهليةً، بل عمله معقد، أحياناً كان يحاول الإرهابيون استخدام سيدات للحصول على موطئ قدم في دمشق لاستخدام العقار لأغراض غير قانونية أو شرعية أو إرهابية وحصلت أخطاء في هذا الشأن، أما عموماً فلم نكن لنحجب الموافقة عن أحد طبيعي وتغاضينا في كثير من الأحيان عن كثير من الأمور التي لا تخلّ بالأمن أو تكون سبباً في مشكلات كبرى، والدليل عشرات آلاف موافقات الإيجار التي أصدرناها".

الجميع يريد استغلالهنّ
أميرة خالد شابّة حمصية تخرجت في كلية الهندسة عام 2013، ولم تنجح الا عام 2017 في اقناع أهلها بالسفر إلى دمشق والعمل هناك والبدء
بحياة جديدة.
 
تقول: "شهران وأمي تبكي ولا حديث لها سوى أني سأجلب العار لها، هناك فكرة سائدة في المدن خارج العاصمة أنّ الفتاة منّا إذا استقلت وحدها في دمشق فهي ستعمل راقصةً في كازينو، هذه حقيقة، لا أحد يبالي بأنّك تحمل شهادةً عليا وقد سافرت لتعمل بها، وبالفعل ها أنا اليوم بعد كل هذه السنين أدير واحدةً من أهم الشركات الهندسية في دمشق".
 
هربت من نصف شيخ
"ليست عائلتي محافظة ولا متحررة، هي عائلة بسيطة فقط"، تقول سماهر رحمة خريجة كليّة الآداب لـ"النهار العربي".
سماهر تزوّجت عام 2007 من زميلها في الكلية بعيد تخرجهما، ومع بداية الأحداث بدأت تلحظ سلوكاً غريباً يشبه ما أسمته بالتطرف والأفعال غير المعهودة والانتساب والالتقاء بجماعات متشددة قبل أن تجد زوجها صار على ما تصفه "نصف شيخ".
 
تقول رحمة: "التحق زوجي بالأعمال العسكرية ضد الجيش السوري، ولاحقاً في إحدى التسويات نُقل إلى إدلب، هربت من المنزل من دون أن أعطيه فرصة لإمساكي وهو المنشغل بالحفاظ على روحه، هل كان عليّ أن أكون معه حيث هو الآن ألبس أسود وأغطي وجهي وأتعرض للرجم والجلد؟". 
وتتابع رحمة: "حينها وحيث لم أتوقع أبداً دعمني أهلي لأسافر إلى دمشق وأتخفى هناك وأبدأ حياةً جديدة لئلا يطاردني، وهناك أبلغت أحد الأجهزة الأمنية بكل شيء وتلقيت مساعدةً منه، مع الوقت تداركت سني حياتي وعدت إلى عملي واليوم بتّ والحمد لله مدرّسةً لها اسمها في دمشق".

 
 

اقرأ في النهار Premium