النهار

"قسد" تصعّد في شمال حلب... تشويش إيراني على مسار التطبيع مع تركيا؟
المصدر: دمشق - النهار العربي
يثير تصعيد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) ضدّ فصائل "الجيش الوطني" الموالي لتركيا في ريف حلب الشمالي تساؤلات كثيرة، خصوصاً أنه تزامن مع مؤشرات إلى وساطات جدّية قد تؤدي إلى دفع قطار التطبيع بين سوريا وتركيا
"قسد" تصعّد في شمال حلب... تشويش إيراني على مسار التطبيع مع تركيا؟
صورة من الأرشيف لسيارة عسكرية تابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" في الشمال السوري (أ ف ب)
A+   A-
يثير تصعيد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) ضدّ فصائل "الجيش الوطني" الموالي لتركيا في ريف حلب الشمالي تساؤلات كثيرة، خصوصاً أنه تزامن مع مؤشرات إلى وساطات جدّية قد تؤدي إلى دفع قطار التطبيع بين سوريا وتركيا، الأمر الذي تعتبره "قسد" تهديداً لمشروع "الإدارة الذاتية" في منطقة شرق الفرات.
 
ونفّذت "قسد" خلال الأيام الماضية عمليات تسلّل إلى نحو مواقع "الجيش الوطني" والمناطق المحيطة بقواعد يتمركز فيها جنود أتراك في منطقة ريف حلب الشمالي، الأمر الذي رأت فيه صحيفة "الوطن" المقرّبة من الحكومة السورية "إنذاراً" باحتمال تفجّر الوضع وزعزعة الاستقرار في المنطقة "للتشويش على أي مفاوضات مرتقبة بين دمشق وأنقرة".
 
وكانت "قوات تحرير عفرين"، التابعة لـ "قسد" المدعومة من واشنطن، قد تسلّلت نحو نقاط التمركز التركي في البحوث العلمية شرق إعزاز شمال حلب، وفي قريتي الغوز وحربل في الجهة الغربية من مدينة الباب شمال شرق المحافظة، وفي كلجبرين التابعة لإعزاز شمال حلب، في 7 و21 و22 تموز (يوليو) الجاري على التوالي، ما أسفر عن مقتل 4 من مسلحي فصائل "الجيش الوطني" التابعة لأنقرة. في المقابل، نفّذت قوة خاصة من "حركة التحرير والبناء" المنضوية ضمن الفيلق الأول في "الجيش الوطني" هجوماً خاطفاً على موقع "قسد" على محور قرية عرب حسن بريف منبج شرقي حلب.
 
ما هو دور إيران؟
أتى كلام "الوطن" عن تشويش على مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق على الرغم من التنسيق المعلن بين "قسد" والميليشيات الإيرانية في المنطقة. ويذهب بعض المراقبين إلى أن "قسد" لم تكن لتقوم بهذا التصعيد من دون استشارة قادة الميليشيات الإيرانية، فطهران لا تنظر بعين الارتياح إلى أي تقارب بين دمشق وأنقرة لا يأخذ شروطها في الحسبان، لذلك من مصلحتها أن تشجّع "قسد" على التصعيد لعرقلة مسار التقارب السوري – التركي.
 
وزار علي أكبر خاجي، كبير مستشاري وزير الخارجية للشؤون السياسية الإيراني، دمشق الاثنين، والتقى الرئيس السوري ووزير الخارجية للبحث في آخر التطورات في سوريا والمنطقة، وفي التقارب التركي - السوري. وقال خاجي إن بلاده "سعيدة" باستئناف المباحثات على مسار هذا التقارب، وتأمل في أن تصل التمهيدات اللازمة والجيدة للاجتماعات بين البلدين إلى خواتيمها السعيدة، مؤكّداً أن طهران تدعم هذا المسار لحل المشكلات بين البلدين عبر الحوار السياسي، بعيداً من الطرق العسكرية. وأشار المسؤول الإيراني إلى أن الاجتماعات الأولى بين سوريا وتركيا كانت في طهران، ثم استمرت بشكل رباعي، مشدّداً على أن بلاده عقدت الاجتماعات بشكل أكبر، لتشهد مزيداً من التطور في العلاقات بين تركيا وسوريا.
 
ولم يسبق لطهران في السابق أن أصدرت أي موقف ضدّ مسار التقارب السوري – التركي، بل يميل معظم تصريحاتها المعلنة إلى التشجيع على ذلك، إلّا أن سلوكها الميداني يعطي في معظم الأحيان إشارات مناقضة لما تظهره تصريحاتها. ويعتقد مراقبون سوريون أن طهران منزعجة من العملية العسكرية التي تقودها تركيا في إقليم كردستان، والتي ترمي إلى قطع التواصل بين السليمانية في العراق حيث حلفاء إيران، وبين مناطق "قسد"، وهذه مناطق تشكّل شرياناً حيوياً لتحرك الميليشيات الإيرانية عبر الحدود بين سوريا والعراق.
 
ثمة تفسيرات أخرى للتصعيد في ريف حلب الشمالي بين القوات التركية و"قسد"، منها خشية الأخيرة من أن يؤدي الاستهداف الجوي التركي لكوادرها في المنطقة إلى التأثير سلباً في علاقتها بحاضنتها الشعبية، حيث يُظهرها الاستهداف المتكرّر عاجزة عن حماية نفسها، فلجأت إلى التصعيد تحسباً لأي سيناريو للتمرّد عليها، خصوصاً أن علاقتها بالعشائر العربية تمرّ في أسوأ مراحلها، في ظل الاشتباكات المتواصلة بينها وبين مسلحي الزعيم العشائري إبراهيم الهفل.
 
خشية من أميركا
ويبقى احتمال أخير، لا يجري التطرّق إليه كثيراً، وهو تخوف "قسد" من الموقف الأميركي من التطبيع بين دمشق – وأنقرة، في ظل تسريبات إعلامية أميركية سابقة حول ازدواجية في موقف إدارة الرئيس جو بايدن من هذا الأمر، إذ ترفضه علناً بينما تمتنع عن التصدّي له سراً.
 
لكن، بحسب تقرير نشره موقع بريطاني، لا يكترث المسؤولون الأميركيون كثيراً للمساعي المبذولة للتقريب بين تركيا وسوريا، على الرغم من أن الوسيط هو حليفهم العراق. وينقل الموقع عن روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا، قوله إن الرئيس السوري بشار الأسد أضعف من أن يواجه الأميركيين، "لكن إذا تعاون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيستطيعان معاً الضغط عسكرياً على ’قسد‘"، لافتاً إلى أن إخراج الولايات المتحدة من شمال سوريا "هدف طويل الأمد للأسد وروسيا وإيران معاً". ويضيف: "مستحيل فصل ما يجري الآن عن هدف طهران المتمثل في إخراج القوات الأميركية من سوريا".
 
في خطٍ موازٍ، تتخوّف "قسد" من وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فهذا رجل لا يمكن التكهن بتصرفاته وقراراته، وتخشى من سحبه القوات الأميركية من سوريا. وربما حاولت "قسد" توجيه رسالة إلى واشنطن بتصعيدها في المنطقة القريبة من منبج، مفادها أنها ستتصدّى لأي صفقات مستقبلية مع تركيا تأتي على حسابها، وهي ترى أن بلدات منبج وتل رفعت ومنغ مرشحة لتشهد عقد مثل تلك الصفقات.

اقرأ في النهار Premium