غاب ملف المصالحة السورية - التركية عن القمة المفاجئة التي جمعت الرئيسين السوري بشار الأسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الأربعاء ولم يُعلن عنها حتى صباح اليوم الخميس، بعد عودة الأسد إلى بلاده، في خطوة تثير تساؤلات، بخاصة أن الأسد قام بالعديد من الزيارات للخارج وفق مواعيد معلنة مسبقاً، ما ينفي أي تبريرات تتعلق بسلامته جراء تحركاته الخارجية، ليبقى هذا الإجراء خاصاً بزياراته موسكو تحديداً، لأسباب غير واضحة، ولا يمكن التكهن بخلفياتها من وجهة النظر الروسية.
الزيارة التي تزامنت مع الذكرى الثمانين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين موسكو ودمشق في 21 تموز (يوليو) من عام 1944، جاءت بعد عام وأربعة أشهر من آخر زيارة قام بها الرئيس السوري للعاصمة الروسية، وكذلك وسط تطورات كثيرة تمر بها سوريا والمنطقة، بخاصة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وقد يكون التطور الأهم الذي سبق هذه الزيارة هو إلحاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على لقاء الرئيس السوري، في خطوة مثلت مؤشراً إلى استعداد أنقرة للقيام بانعطافة كبيرة في سياستها تجاه الملف السوري.
ونتيجة الاهتمام الكبير الذي حظي به ملف التقارب بين أنقرة ودمشق من روسيا خاصةً، فقد كان من المفاجئ أن تخلو تصريحات الرئيسين الأسد وبوتين من أي ذكر لهذا الملف، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة حول خلفيات ذلك، وما إذا كانت روسيا قد اقتنعت بوجهة النظر السورية حول ضرورة التمهيد لإجراء اللقاء الثنائي بين الأسد وأردوغان بخطوات تتعلق بشرط انسحاب القوات التركية من الأراضي التي تحتلها في الشمال السوري، أو أن ثمة اتفاقاً غير معلن يقضي بترك أي محادثات حول ملف التقارب السوري التركي بعيداً عن التداول الإعلامي خشية تأثير التسريبات الإعلامية على ما يجري التخطيط لاتخاذه من خطوات في هذا السياق.
وذكرت مصادر خاصة لقناة "آر تي" الروسية أنه لم يجر بحث موضوع اللقاء المحتمل بين الرئيس الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، ولم يطلب الرئيس بوتين من الأسد لقاء أردوغان، فالرئيس الروسي على اطلاع تام مسبق عبر مبعوثه الخاص ألكسندر لافرنتييف على موقف الأسد حيال العلاقة مع تركيا والتي يجب أن تنطلق من أسس ومرجعيات حول الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وكذلك حول مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية.
وفي تعقيبها على ذلك أكدت صحيفة "الوطن" السورية الموالية أن الرئيس السوري قطع الشك باليقين قبل أيام حيال لقاء أردوغان خلال تصريحات إلى الصحافيين عقب الإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية، حيث ربط بين اللقاء والنتيجة والأسس التي يجب الاتفاق عليها قبل كل شيء.
وأكدت الرئاسة السورية أن الزيارة كانت زيارة عمل، وبحث فيها الجانبان الوضع في منطقة الشرق الأوسط والتطورات المتسارعة التي تعيشها، وجوانب التنسيق المشترك للتعامل معها.
وأشار الأسد إلى أنّ “كلاً من سوريا وروسيا مرّتا بتحديات صعبة واستطاعتا تجاوزها دائماً”، وفق ما نقلته “الرئاسة السورية”.
وشدد بوتين على أن “الوضع يزداد توتراً في الشرق الأوسط، والمحادثات مع الرئيس الأسد فرصة لبحث كل التطورات والسيناريوهات المحتملة”، مؤكداً أن “هناك فرصاً واعدة للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين سوريا وروسيا”.
وأفادت وكالة “سبوتنيك” الروسية بأن بوتين استقبل الرئيس الأسد في الكرملين، وقال في مستهل اللقاء: “حضرة السيد الرئيس، إنه لمن دواعي سروري أن أراكم، إذ لم نر بعضنا بعضاً منذ مدة بعيدة ولدينا الفرصة للحديث عن علاقتنا بأكملها… أما بالنسبة إلى علاقاتنا التجارية والاقتصادية، فهناك عدد من الأسئلة هنا أيضاً، كما أن هناك اتجاهات واعدة، آمل أن نتمكن من التحدث معك حول هذا الموضوع”.
واستغرب العديد من المراقبين تركيز الرئيس الروسي على ملف العلاقات التجارية والاقتصادية، مشيرين إلى أن مثل هذا الملف لا يمثل قضية عاجلة تتطلب اجتماع الرئيسين في قمة مفاجئة، وأنه على أهميته بالنسبة إلى الطرفين، تمكن مناقشته من خلال القنوات المختصة، سواء على مستوى الخبراء أم وزيري التجارة والاقتصاد في كلا البلدين.
ولكن ما لفت الانتباه في الكلمة المقتضبة التي أدلى بها الرئيس الروسي أثناء استقباله الأسد هو تحذيره من "ازدياد التوتر في الشرق الأوسط"، معتبراً المحادثات مع الرئيس الأسد «فرصة لبحث كل التطورات والسيناريوهات المحتملة». وفيما ذهب بعضهم إلى القول إن بوتين يقصد التصعيد بين إسرائيل و"حماس" واحتمال توسعه إلى حرب إقليمية تشمل إيران و"حزب الله"، ذهب آخرون إلى القول إن المقصود هو احتمال التصعيد في سوريا بسبب التعقيدات التي تمر بها البلاد على خلفية تصاعد الاشتباكات بين القوات التركية وحلفائها، من جهة، و"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، من جهة أخرى، وأن ذلك قد يؤدي إلى تطورات لا يمكن السيطرة على تبعاتها، مشيرين إلى أن ذلك قد يكون بوابة مناسبة للولوج منها إلى ملف التقارب بين سوريا وتركيا، وإن بطريقة غير مباشرة.
ووصفت صحيفة "الوطن" المقربة من دوائر اتخاذ القرار في دمشق زيارة الأسد موسكو بـ"المفاجئة"، لكنها أكدت أنها زيارة عملية جداً نقلاً عن مصادر قريبة من اللقاء الذي جمع الزعيمين.
وتحدثت المصادر عن “توجهات متطورة للعلاقات الاقتصادية بين سوريا وروسيا يرغب بها الرئيس بوتين، ولعله يريدها أن ترقى إلى مستوى العلاقات السياسية والعسكرية”.