بينما تتساءل المنطقة برمّتها عن فرص نجاح الوساطة العراقية في جمع الحكومتين السورية والتركية بعد قطيعة طويلة، وفيما يحاول المراقبون التكهّن فعلياً إن كانت تريد إيران تسهيل المصالحة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد، حلّ بالعاصمة السورية دمشق وفد كويتي رفيع المستوى، يضم شخصيات سياسية ودبلوماسية قبل أيام، للبحث مع المسؤولين السوريين في السبل الكفيلة بإعادة افتتاح السفارة الكويتية في سوريا.
وينقل موقع "963+" الإخباري السوري المستقل عن مصادر خاصة قولها إن أعضاء هذا الوفد تفقدوا مقر السفارة الكويتية في منطقة المزّة في دمشق، واطلعوا على حال المبنى، وجالوا فيه مستكشفين ما يحتاج إليه من ترميم وإعداد، تمهيداً لإعادة افتتاحها بعد إغلاقها في 8 آب (أغسطس) 2011، إثر اندلاع "الثورة السورية" ضد الحكومة.
ويضيف الموقع نفسه، نقلاً عن مصادره الخاصة، أن تميم المدني، السفير السوري لدى الكويت، هو من رتّب هذه الزيارة، في مسعى لإعادة وصل ما انقطع بين الحكومة السورية والكويت.
كلام قديم مستجد
ليس الكلام عن فتح سفارة دولة الكويت في دمشق بجديد، بل بدأ قبل خمسة أعوام. ففي 29 كانون الأول (ديسمبر) 2019، نقلت "القبس" الكويتية عن مصادر سورية لم تسمها قولها إن فتح سفارة الكويت لدى دمشق "بات قريباً". كما نقلت عن مصادر كويتية تأكيدها أن استئناف عمل سفارة الكويت في دمشق كان ينتظر قراراً من الجامعة العربية، "مشيرة إلى أن السفارة السورية لم تتوقف يوماً عن ممارسة نشاطها لدى الكويت".
وأتى هذا الكلام بعد يومين فقط من إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن فتح سفارتها في دمشق، وعن تأكيد مملكة البحرين استمرار عمل سفارتها في العاصمة السورية.
وبعد عام، في 7 كانون الثاني (يناير) 2019، قال فهد العوضي، مساعد وزير الخارجية الكويتي لشؤون الوطن العربي، في حديث صحافي: "إن إعادة فتح السفارة الكويتية في دمشق حق سيادي للدولة"، رابطاً الأمر أيضاً بقرار الجامعة العربية، بعد قطيعة مع الحكومة السورية بدأت في عام 2011.
بطيء وبارد
فهل تأتي الخطوة الكويتية ضمن قطار التطبيع العربي مع الحكومة السورية؟ يفضل زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس، ألا يستعمل كلمة قطار، "فهذا التطبيع بطيء، بمعنى أن الدول العربية تعيد علاقاتها مع الحكومة السورية الواحدة تلو الأخرى". فمنذ عودة سوريا لتشغل كرسيها في الجامعة العربية، ومنذ حضور الرئيس السوري بشار الأسد قمة جدة في 27 أيار (مايو) 2023، أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة سفيرها إلى سوريا في 30 كانون الثاني (يناير) الماضي، وتبعتها المملكة العربية السعودية في 26 أيار (مايو) الماضي. والآن، دولة الكويت... بانتظار القرار النهائي بتعيين السفير لدى دمشق. وبذلك، "لم يعد هذا الأمر محظوراً"، كما يقول ماجد لـ"النهار العربي"، إلا أن هذا التطبيع بحسبه لن يتطور كثيراً، بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية على الحكومة السورية.
يضيف ماجد: "الأحوال الراهنة في سوريا تحد من فاعلية هذا التطبيع، بسبب الوجود الأجنبي المتعدد، والتفكك على الصعيد الترابي، وبسبب الشروط التي فرضتها الدول العربية على الأسد ولم يستجب لها، كمسائل منع تسرب الكبتاغون إلى الدول العربية، والسماح بعودة اللاجئين، والابتعاد عن إيران وسياستها التي تقوم على زعزعة الاستقرار في دول الخليج. وبما أن أياً من هذه الشروط لم يتحقق، بقي التطبيع بارداً، أو - في أقل تقدير - من دون مؤديات كبرى في السياسة والاقتصاد، ومن دون أفق في مجال إعادة الإعمار".
مصالح طهران
ربما يكون النفوذ الإيراني في سوريا في رأس المسائل التي تقاربها الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج العربي، بحذر شديد.
فهذا النفوذ يتمظهر فعلياً في انتشار أذرع عسكرية تابعة لطهران في "ساحة" واحدة، تمتد على مساحة العراق وسوريا ولبنان، درّتها "حزب الله" اللبناني. لكن، على الرغم من الطلب العربي من الأسد الابتعاد عن طهران، يستبعد ماجد أن تقف إيران حائلاً دون إعادة الدول العربية علاقاتها بالحكومة السورية، ما دام يصب في مصلحتها، "فالحائل الحقيقي هو امتناع الأسد عن تلبية الشروط العربية، منذ قمة جدة، خوفاً من طهران".
يقول ماجد: "ترى إيران أن التطبيع العربي مع الأسد يعوّمه قليلاً، ويمكن أن يجر الدول العربية إلى المساهمة في إعادة إعمار سوريا، الأمر الذي لا تريد التورط فيه، وهذه المساهمة التمويلية تنعش الاقتصاد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وهذا كله يعزز مكانة ’ما‘ للأسد، علماً أنها لا تخشى منه استدارة عنها أو انقلاباً عليها، وتعرف أنه أضعف من أن يهدد مصالحها، أو أن يمنع ’حزب الله‘ مثلاً من استخدام سوريا منطلقاً ضد إسرائيل، على الرغم من إصرار الأسد على النأي بنفسه عن الحرب الدائرة اليوم".
تنسيق تركي - إيراني
في الوقت نفسه، ترى إيران وتركيا أن التحولات الجارية في الإقليم تستدعي تعميق التنسيق بينهما في سوريا، وتجنب أي توتر، والوصول إلى تفاهمات يكون خفض التصعيد حدها الأدنى، إن تعذر الوصول إلى تفاهم يرسي حالاً من الاستقرار. من هنا، يرى ماجد أن طهران لن تعارض تقارباً تركياً – سورياً، "شريطة ألا يكون تطبيعاً شديد الحرارة"، كما يقول، تماماً كما تريد التطبيع العربي، علماً أن الأمور كما تبدو اليوم لا توحي بأن العلاقة بين الأسد وأردوغان ستصل إلى درجة حرارة عالية.
أما ما يقال عن تنسيق الفصائل والمجموعات المسلحة المدعومة من إيران مع "قوات سوريا الديموقراطية" لعرقلة هذا التطبيع، فهو نافل بالنسبة إلى ماجد، إذ يقول إن القوى السياسية الكردية تتمتع بمروحة علاقات دولية، مع الأميركيين والروس والإيرانيين، "وهاجس هذه القوى هو المحافظة على استقلاليتها وقدرتها على الاستمرار في حكم المناطق التي تسيطر عليها"، بالتالي لن تغامر في التورط بصدامات واسعة مع أي طرف يمكن أن يُفقدها مناطقها.
أخيراً، الموقف الأميركي من هذا كله، عربياً وتركياً وكردياً، يُختزل في اللا-موقف، "فلا أجندة أميركية واضحة المعالم اليوم، وهمّ واشنطن المحافظة على الـ ’ستاتيكو‘ الراهن في سوريا، أي عدم تمكين الأتراك من اجتياح المناطق التي يحكمها الأكراد، بتجنب أي صدام تركي – كردي في شمال سوريا"، كما يقول ماجد، فيما لا تضغط واشنطن على حلفائها العرب كي يوقفوا تطبيعهم "الإفرادي" مع الحكومة السورية، بل تترك الأمر لتقدير كل دولة.