بعد سلسلة من الزيارات واللقاءات، كان بعضها علنياً والآخر طغت عليه السرية، حسمت العاصمة الإيطالية روما قرارها بشأن إعادة إحياء علاقاتها الديبلوماسية مع دمشق، واضعة سياسة الاتحاد الأوروبي إزاء الأزمة السورية أمام اختبار جدي لا سيما أن إيطاليا من الدول الصناعية السبع التي لها وزنها في صوغ السياسات الأوروبية.
وأعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الجمعة أن بلاده قررت تعيين سفير لدى سوريا "لتسليط الضوء" عليها، ما يجعلها أول دولة في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق، منذ أن عصفت الحرب الأهلية بالبلاد. وتم الإعلان عن تعيين ستيفانو رافاغان، المبعوث الخاص حالياً لوزارة الخارجية إلى سوريا، سفيراً.
برر تاياني، بشهادة أمام لجنة برلمانية في روما، القرار بقوله: "يتعين على الاتحاد الأوروبي ألا يترك موسكو تحتكر الأمور في سوريا". ورأى وزير الخارجية الإيطالي أن بعد مرور 13 عاماً، على الاتحاد الأوروبي أن يكيف سياسته نحو سوريا وفقاً لـ"تطورات الأوضاع".
توقيت مفاجئ
وجاء القرار الإيطالي باستعادة العلاقات الديبلوماسية مع دمشق مفاجئاً في توقيته، وإن كان غير مفاجئ من حيث تسلسل المواقف الإيطالية التي دلت منذ عام 2017 على استعداد روما للخروج عن الإجماع الأوروبي إزاء الأزمة السورية، بسبب تضررها من السياسات الناجمة عن هذا الإجماع، ولا سيما لجهة الهجرة غير الشرعية.
وتوجت الرسالة التي وجهتها ثماني دول أوروبية، بينها إيطاليا، إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، هذه المواقف المتراكمة عبر السنوات الماضية، حيث عبرت عن قلقها من زيادة أعداد المهاجرين السوريين. وجاء في نص الرسالة: "يواصل السوريون مغادرة بلادهم بأعداد كبيرة، ما يشكل ضغطاً إضافياً على الدول المجاورة، في فترة تتزايد فيها حدة التوتر في المنطقة، الأمر الذي يهدد بتدفق موجات جديدة من اللاجئين".
واقترحت الدول الثماني، بينها إيطاليا، تعيين مبعوث خاص لها في سوريا، في إطار تعزيز العلاقات الديبلوماسية مع كلّ الأطراف، وفقاً لوثيقة مناقشة قُدمت خلال اجتماع عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.
وقع على هذه الوثيقة كل من إيطاليا والنمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا، بينما رفضت ألمانيا الانضمام إليها. وأشارت الوثيقة إلى أن الأزمة الإنسانية في سوريا "قد تؤدي إلى زيادة تدفق اللاجئين إلى أوروبا".
خارج سرب أوروبا
سبق لإيطاليا أن غردت خارج السرب الأوروبي بشأن التعامل مع الحكومة السورية، عندما أوفدت في تموز (يوليو) من العام الماضي مبعوثها الخاص ستيفانو رافاغان، الذي عينته اليوم سفيراً في دمشق، إلى سوريا، في خطوة شكلت مؤشراً مهماً على وجود موقف إيطالي مختلف في المسألة السورية. لكن معظم التحليلات التي علقت على هذه الزيارة استبعدت أن تؤدي إلى استعادة العلاقات بمثل هذه السرعة.
وفي أيار (مايو) الماضي، كشفت مصادر إعلامية سورية معارضة عن قيام رئيس الاستخبارات الإيطالية الجنرال جاني كارفيللي بزيارة سرية إلى دمشق، يوم الثلثاء 28 أيار (مايو)، والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد، ومدير الاستخبارات السورية حسام لوقا. وذكرت هذه المصادر أن كارفيللي وضع الأسد في صورة عملية التنسيق الجارية بين مجموعة من الدول الأوروبي، قررت إعادة النظر بطبيعة الواقع السياسي والأمني في سوريا، بما يخدم مصالح كل الأطراف.
وشكل الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط (فبراير) 2023 بوابة جديدة لدفع العلاقات بين روما ودمشق إلى الأمام، حيث وقعت وكالة التعاون الإنمائي الإيطالية اتفاقية مثيرة للجدل مع الهلال الأحمر العربي السوري، وكانت تلك أول اتفاقية من نوعها تُعقد بين وكالة عامة لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي ومنظمة مرتبطة بالحكومة السورية.
تمهيداً للانعطافة
وفيما ارتفع مستوى التعاون بين سوريا وإيطاليا، مع تولي حكومة جورجيا ميلوني السلطة في روما في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، فإن التمهيد للانعطافة الإيطالية بدأ عملياً في عام 2017 عندما تمكنت القوات الحكومية السورية، بمساعدة روسيا وإيران، من استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية.
وبين عامي 2017 و2019، سافر وفدان إيطاليان على الأقل بقيادة باولو روماني، العضو البارز في حزب يمين الوسط والرئيس السابق لمجموعة "فورزا إيطاليا" في مجلس الشيوخ، إلى دمشق للقاء المسؤولين السوريين.
وأعلنت إيطاليا على نحو مفاجئ عن إعادة فتح سفارتها في دمشق في عام 2019، الأمر الذي تعارض مع موقفها الرسمي بالامتناع عن التقارب مع الحكومة السورية. لكن روما لم تعيّن سفيراً لها في دمشق، بل اكتفت بتعيين قائم بالأعمال، ما أخّر استعادة العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين البلدين.