في توقيت بالغ الحساسية إقليمياً ودولياً، سواء لجهة الجهود المبذولة لتحقيق تقدم على مسار المصالحة بين سوريا وتركيا، أم لجهة المخاوف من اندلاع حرب إقليمية بين إسرائيل من جهة ومحور المقاومة من جهة ثانية، بما في ذلك احتمال تعرض القواعد الأميركية المنتشرة في سوريا لهجمات انتقامية، جددت قوات العشائر العربية هجماتها النوعية ضد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) المدعومة من أميركا. هذه الهجمات ساهمت في تعقيد المشهد في المنطقة الشرقية، وأثارت مخاوف من وجود نية لتصعيد أكبر، لا سيما في ظل توجيه بعض الفرقاء اتهاماً مباشراً لإيران بدعم قوات العشائر بهدف خلط الأوراق والضغط على الجانب الأميركي، علاوة على ما قد تتضمنه الخطوة من مغازلة لتركيا التي تعتبر محاربة التنظيمات الإرهابية ("قسد" وفق التصنيف التركي) هدفاً مشتركاً يمكن التعاون مع النظام السوري في سبيله.
وقبل ثلاثة أسابيع من الذكرى السنوية الأولى لهبّة العشائر العربية ضد قوات "قسد" التي انطلقت في 27 آب (أغسطس) الماضي، جددت قوات العشائر مساء الثلاثاء هجومها وسيطرت على بلدات وقرى واقعة تحت سيطرة "قسد" في ريف دير الزور، ولم تتمكن الأخيرة من بدء عملية استعادتها إلا بعد تدخل قوات التحالف الأميركي جواً واستقدام تعزيزات كثيرة من مدينة الحسكة.
وقد تضاربت الروايات بشأن الجهة المسؤولة عن شن الهجوم ضد مواقع "قسد"، ففيما اتهمت الأخيرة رئيس شعبة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا بالوقوف خلف الهجوم، أكدت مصادر ميدانية وجود شخصيات محسوبة على إيران تولت قيادة الهجوم، فيما رأى آخرون أن قوات "قسد" من خلال توجيه الاتهامات إلى النظام السوري أو إيران بالمشاركة في أي هجوم ضدها تهدف إلى إثارة مخاوف القوات الأميركية لدفعها إلى الوقوف معها في صد هجمات العشائر التي يرى هؤلاء أنها تأتي ضمن سياق سعي العشائر إلى استرداد "حقوقها المسلوبة" من قوات "قسد"، لا سيما بخصوص إدارة مناطقها والتمثيل السياسي لها.
وانتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مشاركة هاشم السطام الملقب "أبو بسام"، قائد إحدى الميليشيات الممولة إيرانياً في دير الزور وتسمى "حركة أبناء الجزيرة والفرات"، في المعارك على جبهة ذيبان.
وأكدت مواقع سورية معارضة أن من بين الشخصيات المحسوبة على إيران التي شاركت في قيادة هجوم العشائر كلّاً من أحمد المسعود، خليل العمر، عبد الرحمن المحمد القيادي في فصيل "أسود الشرقية"، وبحسب وسائل إعلام مقربة من "قسد" فإن 80 عنصراً تسللوا إلى شرق الفرات ضمن عملية التسلل بإشراف إيرانيين على تواصل مع "الهفل"، وفق تعبيرها.
وأكد قائد مركز الدفاع الوطني في الحسكة إخطار مسرب في بيان أن "قسد" طوّقت كل الطرق المؤدية إلى المربع الأمني في مدينة الحسكة والقامشلي ومنع مرور الآليات من الدخول والخروج إلى المدن حتى إشعار آخر.
واعتبر أن ذلك "رد على الضربات الموجهة إليهم من الجيش العربي السوري والقوات الرديفة وقوات العشائر في محافظة دير الزور"، - وفق نص البيان - وأكد ناشطون المنطقة الشرقية أن "قسد" فرضت طوقاً أمنياً في محيط المربع الذي تتمركز فيه ميليشيا النظام وإيران. ولكن ذكرت مصادر متقاطعة في ما بعد أن هذا البيان مزور وغير صحيح.
وفيما نفى الشيخ إبراهيم الهفل الذي يقود قوات العشائر تبعيته أو تلقيه الدعم من أي جهة، علماً أنه جرى تسرب أنباء قبل أشهر أفادت بانتقاله للإقامة في العاصمة السورية، دمشق، من دون تأكيد ذلك من مصدر مستقل، تحدث العديد من المصادر الميدانية عن مشاركة طهران في تدريب قوات العشائر. وقالت هذه المصادر إنه سبق الهجوم إجراء تدريبات عسكرية أشرفت عليها ميليشيا إيران في بادية مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي، وأكد ناشطون انخراط جهات عدة في هذه التدريبات تحت مسمى "جيش العشائر" قبل تجدد الهجوم على مواقع "قسد".
وخلال الشهر الفائت أكد نشطاء حدوث استنفار عام لعناصر "الفرقة الرابعة" و"جيش العشائر" المدعومة من إيران، وانتشار دوريات للميليشيات في دير الزور؛ تمهيداً للهجوم الذي يخطط "جيش العشائر" لشنّه على مناطق شرق الفرات.
وأكدت مصادر في دير الزور نصب عدد من الراجمات في بادية الميادين وتوجيهها نحو مناطق سيطرة "قسد" لدعم المهاجمين، وعبور عناصر تابعة للميليشيات إلى بلدة الشعفة في ريف دير الزور الشرقي عن طريق معابر نهرية، للمشاركة في القتال ضد "قسد".