النهار

عرقلة افتتاح معبر أبو الزّندين شمال حلب... تمرّد على أنقرة أم ردّ تركي على شروط دمشق؟
عبدالله سليمان علي
المصدر: النهار العربي
للمرة الثانية خلال أقل من شهرين، نجحت مجموعات مسلحة يفترض أنها تابعة لأنقرة في عرقلة افتتاح معبر أبو الزندين بين مناطق سيطرة الفصائل المسلحة ومناطق سيطرة الحكومة السورية شمال حلب. وبما أن قرار افتتاح المعبر جاء بناء على تفاهمات ثنائية بين روسيا وتركيا، اعتُبر الهدف منها تمهيد الأرضية لتحقيق تقدم على مسار التقارب بين سورية وتركيا، أثارت العرقلة المتكررة لهذه الخطوة الكثير من التساؤلات.
عرقلة افتتاح معبر أبو الزّندين شمال حلب... تمرّد على أنقرة أم ردّ تركي على شروط دمشق؟
معبر ابو الزندين
A+   A-
للمرة الثانية خلال أقل من شهرين، نجحت مجموعات مسلحة يفترض أنها تابعة لأنقرة في عرقلة افتتاح معبر أبو الزندين بين مناطق سيطرة الفصائل المسلحة ومناطق سيطرة الحكومة السورية شمال حلب. وبما أن قرار افتتاح المعبر جاء بناءً على تفاهمات ثنائية بين روسيا وتركيا، اعتُبر الهدف منها تمهيد الأرضية لتحقيق تقدم على مسار التقارب بين سوريا وتركيا، أثارت العرقلة المتكررة لهذه الخطوة الكثير من التساؤلات، وما إذا كانت أنقرة قد بدأت تفقد نفوذها على الفصائل المسلحة على نحو يتيح للأخيرة التمرد على قراراتها واتفاقاتها مع الدول، أم أن تركيا التي اصطدمت بالبرود السوري إزاء ما أبداه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من رغبة في لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، هي من أوعزت إلى الفصائل بعرقلة افتتاح المعبر لتلقي عن كاهلها عبء التبرير للجانب الروسي. 
 
واكتفت أنقرة رداً على إغلاق المعبر للمرة الثانية من قبل مجموعات مسلحة تابعة لـ"الجيش الوطني" السوري الذي تموّله، الأسبوع الماضي، باتخاذ إجراءين عاديين. تمثل الأول في عقد اجتماع لضباط أتراك مع قادة بعض الفصائل المسلحة في الشمال السوري للتباحث في قضية افتتاح المعبر. وتمثل الثاني في إرسال القوات التركية تعزيزات عسكرية إلى معبر أبو الزندين وسط استمرار الاعتصام الشعبي الرافض لهذه الخطوة. وعادة ما تلجأ أنقرة إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات "الناعمة" للتعامل مع القضايا التي لا تتضارب مع مصالحها الملحّة على الأرض. أما عندما يتعلق الأمر بقضية تهم الأمن القومي التركي أو تشكل محوراً أساسياً من محاور السياسة التركية، فإن الإجراءات التركية تتسم بالحزم والقسر اللذين لا يستطيع أي تشكيل عسكري الوقوف أمامهما. وقد تمثل ذلك أكثر من مرة في تعامل القوات التركية مع مغامرات "هيئة تحرير الشام" في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، حيث أظهرت أنقرة قدرتها على ردع هذه المغامرات بمجرد توجيه تهديد جدي إلى الجهة المعنية. وإذا كانت "هيئة تحرير الشام" وهي أقوى فصيل من الناحية العسكرية على الأرض، كما أنها غير تابعة تنظيمياً للاستخبارات التركية، قد انصاعت لبعض الخطوط الحمر التي فرضتها أنقرة، فكيف يمكن التصديق أن الفصائل التي تمولها تركيا وتدعمها وتدربها يمكن أن تتمرد على إرادتها؟ 
 
وحتى على فرض أن مثل هذا التمرد يمكن أن يحدث بسبب عدم التناسق بين مكونات "الجيش الوطني"، ووجود خلافات كثيرة بين مجموعاته وفصائله طالما أدت إلى صراعات بينية، فإن عدم مسارعة فصائل أخرى إلى مواجهة المجموعات المتمردة يدل إلى غض طرف من تركيا عن مثل هذا التمرد لأنه لا يمس بجوهر السياسية التركية ولا يتضارب مع مصالحها الكبرى.
 
ويمكن تفسير ذلك بأنه في الوقت الذي كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يغازل دمشق ويدعو الرئيس السوري إلى عقد لقاء ثنائي في أي دولة، زاعماً أن عمليات جيشه في العراق وسوريا على وشك الانتهاء، كان وزير الدفاع التركي يشار غولر يتحدث عن استمرار العمليات العسكرية في هذين البلدين، رابطاً انسحاب قواته من سوريا الذي هو مطلب سوري جوهري، بوضع دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة، الأمر الذي يعد بمثابة العودة إلى المربع الأول في مسار التفاوض بين البلدين.
 
ولا يخرج ذلك عن سياسة توزيع الأدوار بين أجنحة الإدارة التركية بحيث يتولى الرئيس التركي إبداء المرونة تجاه دمشق، ويقوم وزير دفاعه بوضع ضوابط احتياطية تحسباً لعدم اتساق الرد السوري مع الرغبات التركية، وهو ما حدث عندما اعتبرت دمشق أن انسحاب القوات التركية مقدمة لا بد منها للتقدم على مسار التطبيع بين البلدين.
 
وما يثير الاستغراب أن المعابر التي تربط بين مناطق الاحتلال التركي في شمال شرقي سوريا، ومناطق سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) تنعم بالاستقرار وسلاسة العمل، رغم أن تركيا تعتبر "قسد" من ألد أعدائها في سوريا، بل كان القضاء عليها على رأس أولويات أنقرة في تقاربها مع دمشق. وعندما وقع صراع على أحد هذه المعابر، معبر حمرين، وضعت أنقرة ثقلها من أجل إيجاد حل للصراع ولو تطلب ذلك تفكيك فصائل أو تغيير خريطة التحالفات الداخلية بين فصائل أخرى.
 
ويعتبر ملف إعادة هيكلة الفصائل وإدارة المعابر من أصعب الملفات التي تواجه المسؤولين الأتراك عن الملف السوري، ولطالما أجهضت الخطط التركية الرامية لتحقيق هذين الهدفين بسبب عدم القدرة على التخلص من الطابع الفصائلي والمناطقي الذي يحكم تشكيل العديد من الفصائل المسلحة، وبسبب أهمية إيرادات المعابر في توجيه نشاط العديد من الفصائل التي لم تعد تبحث سوى عن تحقيق المكاسب المادية ومراكمة الثروات في ظل توقف المعارك مع الجيش السوري منذ سنوات.
 
غير أن هناك من يعتقد أن هذا العجز التركي الظاهر لا يعبر عن حقيقة الوضع بدقة. ويرى هؤلاء أن لدى أنقرة مصلحة جوهرية في إبقاء حالة الشقاق والتنافر والصراع بين مكونات "الجيش الوطني" السوري وذلك لتحقيق هدفين. يتمثل الأول في إبقاء مكونات الجيش في حالة من الضعف بحيث لا يكون بمقدورها التمرد على الأوامر التركية وإلا تكون النتيجة ضرب هذه المكونات بعضها ببعض. ويتمثل الثاني في استخدام هذه الصراعات الداخلية ذريعة لتبرير عدم قدرة تركيا على تمرير اتفاقاتها مع هذا الطرف أو ذاك، مدعية أنها تواجه احتجاجات شعبية في محاولة لتحسين شروط عملية التفاوض وللضغط على الطرف الآخر لتقديم مزيد من التنازلات.
 

اقرأ في النهار Premium