النهار

معبر أبو الزندين يفجّر اجتماعاً بين أنقرة وقادة الفصائل المسلحة في الشمال السوري
المصدر: دمشق - النهار العربي
تحاول السلطات التركية العمل على إيجاد صيغة جديدة للتعاطي بشكل مختلف مع الملف السوري، اتساقاً مع الزخم الذي يشهده مسار التقارب مع سوريا. ​
معبر أبو الزندين يفجّر اجتماعاً بين أنقرة وقادة الفصائل المسلحة في الشمال السوري
صورة من الأرشيف لمعبر "أبو الزندين" (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
A+   A-

تحاول السلطات التركية العمل على إيجاد صيغة جديدة للتعاطي بشكل مختلف مع الملف السوري، اتساقاً مع الزخم الذي يشهده مسار التقارب مع دمشق. 

 

وانطلاقاً من التزامها أمام موسكو افتتاح معبر أبو الزندين قبل موعد اللقاء الرباعي، عقد مسؤولون أتراك اجتماعاً هو الأول من نوعه من حيث شموله واتساعه مع كل الفصائل المسلحة ومؤسسات المعارضة الحكومية والسياسية والثورية، بهدف التوصل إلى طريقة يتمّ فيها افتتاح المعبر من دون أن يؤدي ذلك إلى خلق حال من الصدام مع الشرائح الرافضة لهذه الخطوة. 

وفي إشارة واضحة إلى أن أنقرة بدأت تستشعر نفاد الوقت أمامها، تحوّل الاجتماع الذي ضمّ مكونات متباينة في المنهج والعقيدة والمصالح إلى منصة لتبادل الاتهامات والتهديدات، الأمر الذي قد يوحي بأنه ربما لم يعد أمام أنقرة من وسيلة لضبط الأمور وتسييرها وفق سياستها إلّا باستخدام القوة أو الدفع نحو اقتتال داخلي بين الجناح الرافض والجناح الموافق.

حاول البيان الذي أصدرته الحكومة الموقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض تجميل ما حصل في الاجتماع، وعدم التطرّق إلى ما شهده من اصطدامات وتبادل للاتهامات، فذكر أن الاجتماع الذي ضمّ الحكومة السورية الموقتة، والائتلاف الوطني، وهيئة التفاوض، ومجلس القبائل والعشائر، وقادة الجيش الوطني السوري، تمّ خلاله "مناقشة الواقع السوري وسبل تذليل التحدّيات التي تواجهه"، مع التأكيد على "أهمية استمرار عقد الاجتماعات لمناقشة المشكلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الطارئة وإيجاد الحلول المناسبة لها".

تمكين الحكومة الموقتة

ووفق البيان، تمّ الاتفاق على أن مواصلة هيكلة الجيش الوطني السوري وتوحيد الفصائل تحت مظلة واحدة "من شأنه أن يعزز الاستقرار والأمن في المناطق المحرّرة".

وأشار البيان إلى أنه تمّ التأكيد "على ضرورة تمكين الحكومة الموقتة وتفعيل دورها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وعلى أهمية التلاحم بين القوى الشعبية والمؤسسات السياسية والحكومية".

وبخصوص معبر أبو الزندين شرقي حلب، قال البيان إن المشاركين ناقشوا "أهميته كمعبر حيوي إنساني واقتصادي يؤثر إيجاباً على الوضع الاقتصادي والإنساني في المنطقة".

وأكّد المشاركون أن هذا المعبر "ليس له أية علاقة بأي من ملفات التطبيع مع الحكومة السورية، بل هو خطوة تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية وتسهيل الحركة التجارية والإنسانية في المناطق المحررة"، وفق البيان.

واختتم البيان بالتأكيد على الدور المحوري الذي لعبته دولتا تركيا وقطر في مكافحة الإرهاب وضمان أمن المناطق المحررة، إضافة إلى "مساهمتيهما الكبيرة في تطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات الأساسية في المناطق المحررة".

 

اتهامات بالفساد

في المقابل، قالت مصادر سورية معارضة، لـ"النهار"، إن الاجتماع عُقد ضمن أجواء متوترة على خلفية الانقسام في الآراء بين من يدعم التوجّهات التركية الجديدة ومن يرفضها، ويرى أنها تشكّل خطراً على "الثورة السورية"، تحديداً في ما يتعلق بمسار التقارب مع سوريا.

وأكّدت المصادر أن الاجتماع تحوّل إلى منصة لتبادل الاتهامات بين رئيس الحكومة السورية الموقتة عبد الرحمن مصطفى، وقيادة "الجبهة الشامية" التي تقود الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري.

ووجّه مصطفى اتهامات مباشرة إلى قيادة "الجبهة الشامية" بالفساد، مشيراً إلى ضلوعها في اختلاس ما يقارب 17 مليون دولار أميركي من معبر باب السلامة، وإلى دورها في تدمير مؤسسات المعارضة مثل "غرفة عمليات عزم"، والتحريض على حرق العلم التركي في التظاهرات التي أعقبت أحداث ولاية قيصري في تموز (يوليو) الماضي. 

وفي ذروة مداخلته، وصف مصطفى مدينة إعزاز التي تسيطر عليها "الجبهة الشامية" بأنها "معقل للشغب"، وأن الحراك المضاد لافتتاح معبر أبو الزندين هو "انقلاب" على الحكومة الموقتة.

"الشامية" هادئة

وبحسب المصدر، كان المتحدث باسم "الجبهة الشامية" أكثر هدوءاً من رئيس الحكومة، لكنه أفصح عن حقيقة موقف فصيله الرافض لافتتاح معبر أبو الزندين، مطالباً بعدم شيطنة الحراك. وفي خطوة تدل إلى أن "الجبهة الشامية"، وهي من كبرى الفصائل في الشمال السوري، تدعم الجهود الرامية إلى تشكيل جسم سياسي جديد يخلف الائتلاف السوري والحكومة الموقتة، قال المتحدث باسم الجبهة: "إذا لم تستطع منظومة الحوكمة القائمة الخروج من حالة الاستعصاء فلا بدّ من انتاج حوكمة جديدة جديرة وتمثل وهموم وآمال الشعب".

كما رفض المتحدث باسم "الجبهة الشامية" وصف أحد الحاضرين إدلب بأنها لتنظيم "القاعدة"، وأكّد أن هذا الوصف خطير، بل "هي من المناطق المحررة الخضراء وينبغي طرح الأمر بجرأة وعقلانية أكبر"، بحسب ما ذكرت المصادر السابقة.

ألزمت أنقرة نفسها أمام موسكو بافتتاح معبر أبو الزندين خلال الشهر الجاري، قبل موعد اللقاء الرباعي الذي تحدث عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وفق ما ذكرت صحيفة "الوطن" السورية، نقلاً عن مصادر خاصة. وأضافت الصحيفة أنه لم يعد بمقدور أنقرة اكتساب المزيد من الوقت والمماطلة بافتتاح "أبو الزندين"، بغية تحسين شروط التفاوض خلال اللقاء الرباعي الموعود، وذلك استجابة للمطلب الروسي بوضع المنفذ في الخدمة ضمن "توافق" جرى إقراره قبلاً، وضمن حزمة من "التفاهمات" المشتركة بين الإدارة التركية وموسكو، ستأخذ طريقها إلى التنفيذ تباعاً في المنطقة، وربما يستوجب طرح بعضها في مفاوضات الرباعية للاتفاق عليها.

مواجهة مرتقبة

على الأرض، تسير الأمور بما يوحي بوقوع مواجهة جديدة بين أنقرة وفصائل رافضة افتتاح معبر "أبو الزندين"، على الرغم من الإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطات التركية لمعاقبة الميليشيات والمحتجين المناوئين للخطوة في خيمة الاعتصام القريبة من مدخل المنفذ، من تشديد أمني عند مداخل الباب وفي شوارعها، وقطع الكهرباء والإنترنت عن المدينة.

وأكّدت مصادر محلية في مدينة الباب، أن المعتصمين، الذين يشكّل مسلحو فصائل أنقرة بزيهم المدني معظمهم، يخططون لتصعيد شعبي يمنع إعادة وضع المنفذ في الخدمة، مع ورود أنباء عن نية أنقرة الإيعاز إلى الفصائل الموالية لها، مثل "العمشات" و"الحمزات" و"السلطان مراد" و"الشرطة العسكرية"، والأخيرتين موكل إليهما حماية المنفذ، بمواجهة أي محتجين قد يمنعون تسيير الشاحنات التجارية إلى المنفذ، ولو باستخدام الرصاص الحي، عند اتخاذ قرار بتسييرها ثانية، وفق المصدر السابق نفسه.

وما عزز من احتمال المواجهة، حال الصدمة التي شعر بها محتجو خيمة الاعتصام في مدينة الباب بعد اتخاذ الحكومة التركية قراراً، نشره الموقع الرسمي لمعبر باب الهوى على "فايسبوك" أول أمس، واشترط على السوريين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية حيازة جواز سفر سوري ساري المفعول شهرين للدخول إلى الشمال السوري عبر المعبر، الذي يصل جنوب تركيا بريف إدلب الشمالي، ويسيطر تنظيم "جبهة النصرة" بواجهته الحالية التي تدعى "هيئة تحرير الشام"، على الطرف السوري منه.

واعتبر المعتصمون قرار الحكومة التركية بمثابة إنذار أخير لهم بضرورة العودة إلى منازلهم، والتخلّي عن فكرة عرقلة افتتاح المعبر، تحت طائلة وضع المنطقة على صفيح ساخن.

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium