النهار

صراع "الشامية" و"الحكومة الموقتة": أنقرة تفكّك فصائل ترفض تقاربها مع دمشق
المصدر: دمشق - النهار العربي
ما زالت مجريات الاجتماع الموسّع الذي عقده مسؤولون أتراك مع قادة المعارضة السورية، بجناحيها السياسي والعسكري، تتفاعل، منذرة باحتمال تصدّع كبير بين مكوناتها المختلفة وهيئاتها المتعددة وفصائلها المتنافسة
صراع "الشامية" و"الحكومة الموقتة": أنقرة تفكّك فصائل ترفض تقاربها مع دمشق
عناصر تابعة لـ"الجبهة الشامية" في الشمال السوري
A+   A-

لا تزال مجريات الاجتماع الموسّع الذي عقده مسؤولون أتراك مع قادة المعارضة السورية، بجناحيها السياسي والعسكري، تتفاعل، منذرة باحتمال تصدّع كبير بين مكوناتها المختلفة وهيئاتها المتعددة وفصائلها المتنافسة، على خلفية مضيّ أنقرة في نهجها الجديد القاضي بالتقارب مع دمشق. 

وأسفر الاجتماع الذي كان معدّاً لإعادة ضبط الأوضاع في المناطق التي تسيطر عليها تركيا لتعبيد الطريق أمام التقارب بين دمشق وأنقرة، عن انفجار العلاقة بين "الحكومة الموقتة" برئاسة عبد الرحمن مصطفى و"الجبهة الشامية" أحد أبرز فصائل "الجيش الوطني" الممول من تركيا، والتي تهيمن على الفيلق الثالث ضمنه.

حكومة جديدة

وطالبت "الجبهة الشامية" في بيان صدر الأربعاء، بإقالة مصطفى من رئاسة "الحكومة الموقتة" بعد حجب الثقة عنه ثم إحالته إلى القضاء، مشيرةً إلى تجميد تعاونها مع "الحكومة الموقتة" حتى تشكيل حكومة جديدة. وجاءت هذه المطالبة بعد تسريب ما جرى في الاجتماع الموسّع من تهجّم مصطفى على "الجبهة الشامية"، واتهامها بالفساد والاختلاس وتدمير المؤسسات العامة والإرهاب.

وقال بيان الجبهة: "على الرغم مما عهدناه من عدائية من قبل المدعو عبد الرحمن مصطفى، رئيس ’الحكومة الموقتة‘ ضدّ ’الجبهة الشَّاميّة‘، فقد تفاجأنا منه بوتيرة غير مسبوقة من العدائية، حيث تعمّد الإساءة إلى بعض الجهات الثوريّة، ومنها فصائل الشرقية، معزّزاً رواية الأعداء المُغرضة عنهم باتهامهم بالتخريب والإرهاب".

واتهمت الجبهة مصطفى بأنه "خصّ ’الجبهة الشامية‘ بسيلٍ من الافتراءات السياسيّة والجنائيّة، واختلاق الجرائم بحقها، محاولاً تشويه صورتها أمام المسؤولين الأتراك لمصلحته الخاصة، مهدّداً بسحب الشرعيّة عنها، بسبب ما اقترحته من خطّة عمل تستجيب لمطالب الشعب في الإصلاح والتغيير".

علاقة حساسة

وتتسمّ علاقة "الجبهة الشامية" مع الجانب التركي بحساسية خاصة، كونها من الفصائل القليلة - إلى جانب "حركة البناء والتحرير" المكونة من فصائل تنتمي إلى المحافظات الشرقية - التي تطالب بوجود حدّ أدنى من الاستقلالية في العلاقة مع أنقرة، وقد عرّضها ذلك دائماً لكثير من المضايقات والعقوبات، تمثّل بعضها في العمل على تفكيكها لإضعاف نفوذها والحدّ من قدرتها على تحدّي أي قرار تركي. 

ولم يكن لدى "الجبهة الشامية" الكثير من الخيارات لمواجهة الضغوط التي تتعرّض لها، فكانت تُذعن تارة وتراوغ طوراً، لكنها بدأت في المرحلة الأخيرة بتعزيز علاقتها مع "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على منطقة خفض التصعيد في إدلب ومحيطها. 

وكذلك، تنتهج "هيئة تحرير الشام" نهجاً مستقلاً إزاء السياسات التركية. وعلى الرغم من حرصها على عدم معاداة أنقرة لما يكلّفها ذلك من أثمان باهظة، بقيت الهيئة تنتقد بعض السياسات التركية وترفض الانقياد لها، وأهمها ملف التقارب مع دمشق الذي اعتبرته الهيئة خطراً على الثورة السورية برمتها.

من هنا، يمكن فهم ما ورد في بيان الجبهة بشأن اتهام مصطفى بتشويه صورتها أمام المسؤولين الأتراك لمصلحته الخاصة. والحقيقة أن ما لم يقله البيان هو أن قيادة الجبهة مقتنعة اقتناعاً تاماً بأن مصطفى لم يكن ليتهمها بهذه الاتهامات لولا وجود إيعاز تركي، وأن اتهامات مصطفى ما هي إلّا رسائل تركية غير مباشرة تنطوي على تهديد الجبهة إن لم تغيّر سلوكها.

لكن الجبهة تسعى إلى استغلال التصعيد الذي أسفر عنه الاجتماع الموسع من أجل التقدّم في مشروعها الخاص، الذي يرمي إلى تشكيل جسم سياسي بديل عن "الائتلاف السوري" المعارض و"الحكومة الموقتة" وتوابعهما، وهي تعتقد أن التخلّص من مصطفى الذي يُعدّ من أخلص الأدوات التركية في الشمال السوري قد يكون بادرة طيبة لتحقيق ذلك.

انشقاق في "الشامية"

وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن تواجه "الجبهة الشامية" حالة انشقاق واسعة في صفوفها قبل ثلاثة أسابيع فقط من انعقاد الاجتماع الموسّع بين المسؤولين الأتراك وقادة المعارضة السورية. فقد أعلن التشكيل العسكري الذي يقوده علاء فحّام، ويتكون من نحو 800 مقاتل، الخروج من صفوف "الجبهة الشامية"، وسط توقعات بأن ينضمّ لاحقاً إلى صفوف الفيلق الثاني المقرّب جداً من تركيا.

يمثّل خروج فحّام، الملقّب "أبو العز أريحا"، إشارة مزدوجة إلى أمرين: الأول، عِلم الاستخبارات التركية بمسعى قيادة "الجبهة الشامية" للتحالف مع "هيئة تحرير الشام"، حيث يُعتبر فحّام من أبرز المناهضين للهيئة في صفوف الجبهة، وأوعزت له الاستخبارات التركية بالانشقاق من أجل بناء ذرائع في المستقبل للضغط على "الجبهة الشامية"، بسبب تحالفها مع جهة مصنّفة على قوائم الإرهاب؛ والثاني توجّه أبي محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام"، لعقد تحالفات جديدة بعد انهيار مشروع "القوة المشتركة" التي عمل عليه سنوات عدة، نتيجة ما تعرّضت له الهيئة من هزات ارتدادية ناجمة عن ملف العملاء الذي أسفر عن اغتيال الرجل الثاني فيها أبو ماريا القحطاني، وانشقاق الرجل الثالث أبو أحمد زكور، وقد كانا يتوليان مهمّة عقد التحالفات مع بعض فصائل الشمال لإحداث اختراق نوعي في منطقتي "درع الفرات" و "غصن الزيتون".

تحوّلات تمليها المصالح

المفارقة أنه في عام 2022 عندما شنّت "هيئة تحرير الشام" حملة عسكرية ضدّ فصائل مسلحة عديدة في الشمال السوري، وجّهت اتهامات إلى عبد الرحمن مصطفى بأنه كان يعلم مسبقاً بهذه الحملة، وكان الهدف ضرب "الجبهة الشامية" للضغط على أبرز المعارضين للمشروع المعدّ للمنطقة وللتحالف مع الهيئة، وهما "الجبهة الشامية" و "جيش الإسلام". 

ويشير ذلك إلى مدى السرعة التي تحدث فيها التحولات في صفوف الفصائل المسلحة، وقدرتها على تغيير نهجها بين ليلة وضحاها بحسب ما تمليه مصالحها. فاليوم انتقلت "الجبهة الشامية" من خانة العداء لـ"هيئة تحرير الشام" إلى خانة التحالف معها، وعبد الرحمن مصطفى الذي زار المناطق التي تمدّدت إليها الهيئة في عام 2022، في إشارة إلى موافقته على حملتها العسكرية، ها هو اليوم يوجّه اتهاماً إلى "الجبهة الشامية" بسبب تحالفها السرّي مع الهيئة.

من شأن ما سبق أن يرسم صورة متشابكة ومعقّدة لما ينتظر السياسة التركية في دهاليز الشمال السوري شديدة الوعورة، بسبب ما تنطوي عليه تشكيلات المعارضة بجناحيها السياسي والعسكري من اختلافات وتباينات وعلاقات متنقلة، مبنية على معادلات متحركة، تُمليها المصالح المتجددة، بعيداً من فكرة الولاء لأي طرف، حتى لو كان هذا الطرف قد سبق له تمويلها لسنوات طويلة.

 

اقرأ في النهار Premium