تواصلت حال الفلتان الأمني في محافظة درعا، والتي بلغت ذروتها قبل نحو أسبوع باستهداف موكب رسمي كان يضم محافظ درعا وأمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي وقائد الشرطة في المحافظة، في أخطر مؤشر على ارتفاع منسوب التوتر في المحافظة الجنوبية. وجاءت التطورات الأخيرة في بلدة زاكية بريف دمشق كي تصب الزيت على النار، حيث أعلن العديد من الفصائل المحلية في درعا تضامنهم مع البلدة الدمشقية، معتبرين المساس بها "إعلان حرب على درعا"، الأمر الذي ينذر باحتمال أن تتخذ التطورات منحى تصعيدياً أشد خطورة، إذا حسمت الفرقة الرابعة في القوات الحكومية قرارها باقتحام بلدة زاكية لفرض اتفاق تسوية على بعض أبنائها.
ومنذ أيام، تحاصر وحدات من الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، بلدة زاكية بريف دمشق الغربي، وسط استمرار إرسال التعزيزات العسكرية إلى محيطها للضغط على الأهالي من أجل الموافقة على شروط التسوية الجديدة التي تهدف إلى إنهاء ملف المسلحين في البلدة وإخلائها من السلاح.
تهديد ثوار درعا
وتتمتع بلدة زاكية بأهمية استراتيجية كونها قريبة من العاصمة السورية، دمشق، حيث لا تبعد عنها أكثر من 30 كيلومتراً، كما تضم فئات كثيرة من الشبان الذين يرفضون أداء خدمة العلم وما زال بعضهم مسلحاً بأسلحة متوسطة وخفيفة.
وسرعان ما ترددت أصداء الحصار في محافظة درعا التي شهدت الاثنين أحدث هجوم استهدف القوات الحكومية بين بلدتي المسيفرة والغارية الشرقية في ريف درعا الشرقي. فهددت مجموعات محلية مسلحة بالتصعيد إن أقدم الجيش السوري على اقتحام زاكية، وذلك في بيان صدر عن "القوى الثورية في ريف درعا"، و"ثوار مدينة جاسم"، و"ثوار مدينة نوى".
وحذّر بيان "ثوار مدينة نوى" غربي درعا القوات الحكومية من الاستمرار في تهديد أهالي بلدة زاكية بالقصف والإبادة الجماعية. وجاء في البيان: "إن جلب التعزيزات العسكرية هو بمنزلة إعلان حرب على درعا... ونؤكد لكم أن أول طلقة تُطلق على زاكية ستستهدف بعدها المقار العسكرية في نوى ومحيطها".
وختم البيان: "نحن ثوار مدينة نوى نؤكد لأهالي زاكية أننا نقف إلى جانبهم في هذه اللحظات الحرجة، ولن نتوانى عن دعمهم والوقوف معهم في مواجهة هذه التعزيزات".
حواجز وتعزيزات
والجدير ذكره أن مناطق كثيرة في درعا تعرضت خلال السنوات الماضية لسيناريوهات تكاد تكون مطابقة لما تشهده بلدة زاكية، ومع ذلك لم تلجأ المجموعات المحلية إلى رفع وتيرة التهديد إلى هذا المستوى الخطير.
وكان حسين الرفاعي، أمين فرع حزب البعث في درعا، قد اعتبر الأحد أن التوتر الذي تشهده بعض مناطق المحافظة، والمتمثل بتصعيد عمليات الاغتيال والاستهدافات، يأتي تنفيذاً لتعليمات تتلقاها مجموعات مسلحة من الخارج، محملاً "الائتلاف السوري المعارض" مسؤولية ما يحصل.
وأكدت مواقع سورية معارضة إقامة الفرقة الرابعة فجر الأحد حواجز جديدة عزلت زاكية عن بلدة خان الشيح وقرية الطيبة، وتعزيز الحواجز على أوتوستراد دمشق، حتى صارت القوات الحكومية تطوق البلدة بالكامل، وفق ما ذكر موقع "عنب بلدي" المحلي المعارض.
في المقابل، لم تتناول وسائل الإعلام الرسمية خبر الحشد العسكري في محيط زاكية، وسط معلومات عن اجتماع سيعقد اليوم الاثنين، بين وجهاء البلدة وضباط من الفرقة الرابعة لمناقشة أسباب الحصار والمطالب من ورائه.
وكانت القوات الحكومية قد اتبعت إجراءات مماثلة مع بلدة تلبيسة في ريف حمص في الأسبوع الماضي، ومنحت المسلحين هناك مهلة لتسليم أسلحتهم. ومع انتهاء المهلة، اقتحم رتل صغير البلدة لكنه لم يعثر على أسلحة مخبأة.
حجز احتياطي
وكانت وزارة المالية السورية قد حجزت احتياطياً على أملاك مئات الأشخاص من زاكية في النصف الأول من العام الحالي، بحسب تحقيق لـ"هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، صدر في 18 تموز (يوليو) الماضي.
وأوضحت "هيومن رايتس ووتش" أن قرارات الحجز تستند إلى مرسوم صدر في عام 2012، "يخوّل وزارة المالية تجميد أصول الأفراد على ذمة التحقيق للاشتباه في تورطهم بأعمال إرهابية، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الفضفاض في سوريا، حتى لو لم يُتهموا بارتكاب جريمة".
طالت قرارات الحجز الاحتياطي 817 شخصاً من سكان زاكية، بينهم 286 شخصاً داخل البلدة بعد دخولهم في "التسوية" عقب استعادة القوات الحكومية السيطرة عليها في عام 2016، شرط الامتناع عن الانخراط في أنشطة مناهضة للحكومة السورية.
وكان الجيش السوري قد تمكن من السيطرة على زاكية بموجب اتفاق مع لجنة التفاوض في البلدة، نص على خروج مقاتلي المعارضة وعدد من الأهالي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016. وفي كانون الثاني (يناير) 2017، خرجت دفعة أخرى من البلدة إلى إدلب تضم 250 مقاتلاً.