بعد أيام قليلة من الكشف عن الحافلة العراقية الغامضة التي دخلت إلى المربّع الأمني في مدينة البوكمال، في الأسبوع الماضي، وتبين أنها كانت تقلّ عناصر من "الحوثيين" نُقلوا من العراق إلى سوريا، كشفت مصادر سورية معارضة عن وصول 4 من قادة "أنصار الله" إلى مدينة البوكمال أيضاً، مطلع آب (أغسطس) الماضي، ما أثار تساؤلات كثيرة حول سبب تدفق "الحوثيين" إلى الأراضي السورية في هذا التوقيت.
ووصل صباح 2 آب (أغسطس) 4 من قادة تنظيم الحوثي اليمني إلى مدينة البوكمال السورية قادمين من الأراضي العراقية، عبر معبر السكك غير القانوني، برفقة سيارات عسكرية تابعة لميليشيا "سيد الشهداء" العراقية المشرفة على إدارة المعبر، وفقاً لما ذكرته شبكة "عين الفرات" السورية المعارضة.
والقياديون الحوثيون الأربعة، الذين تبين أنهم متخصصون في صواريخ أرض – أرض والطائرات المسيّرة، وصلوا إلى أحد مقرات الحرس الثوري الإيراني قرب منطقة الأعلاف على أطراف مدينة البوكمال، وعقدوا اجتماعاً مع "الحاج عسكر"، القائد العام للفصائل الإيرانية المسلحة في قطاع البوكمال، ونائبه "الحاج سجاد"، بحضور قياديين إيرانيين ولبنانيين.
بالزي السوري
استمر هذا الاجتماع قرابة ساعة واحدة وسط تدابير أمنية وعسكرية فرضتها الميليشيات الإيرانية في محيط المنطقة المحيطة بالاجتماع، مع نشر حواجز موقتة وتسيير دوريات.
بعد الانتهاء من الاجتماع، توجّه القياديون الحوثيون نحو العاصمة دمشق برفقة عناصر من ميليشيا "سيد الشهداء" العراقية، مرتدين زي القوات الحكومية السورية لعدم لفت الأنظار، ورافعين أعلام الجيش السوري على سيارات رباعية الدفع سلكت طريق البوكمال - الميادين، ثم طريق الميادين - دير الزور البري، ومنها باتجاه طريق دير الزور - تدمر - دمشق.
وأكّدت مصادر خاصة من داخل صفوف الفصائل الإيرانية المسلحة، أن القياديين الحوثيين وصلوا إلى الأراضي السورية آتين من منطقة جرف الصخر الاستراتيجية الواقعة بين محافظتي بابل وبغداد العراقية، وهي منطقة مغلقة عسكريّاً بشكل كامل من قبل كتائب "حزب الله" و"النجباء" و"سيد الشهداء" التي ترتبط بشكل وثيق مع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، لاحتوائها على مستودعات أسلحة ضخمة تشمل صواريخ أرض - أرض وطائرات مسيّرة إيرانية الصنع، إلى جانب معسكرات تدريب خاصة بالفصائل الولائية، وفق تقرير سابق نشرته الشبكة نفسها.
ورجحت المصادر أن يكون الهدف من وصول القياديين الحوثيين إلى الأراضي السورية وتوجّههم إلى دمشق، تدريب ميليشيات محلية وأجنبية في الجنوب السوري على استخدام صواريخ أرض - أرض وطائرات مسيّرة إيرانية، أو الإشراف على عمليات عسكرية أو ضربات صاروخية ستنفّذها الفصائل الإيرانية المسلحة و"حزب الله" في خضم التوتر المتصاعد في المنطقة.
هل تصل تعزيزات أخرى؟
وقد يكون وصول القياديين الأربعة جاء بهدف التهيئة لإرسال تعزيزات من الحوثيين إلى الأراضي السورية، إذ ذكرت مواقع سورية معارضة أن 25 حافلة دخلت من العراق إلى سوريا الأسبوع الماضي، وفق تقرير نشره "النهار العربي". وشكّلت واحدة من الحافلات الـ25 لغزاً لسببين: الأول، كانت تحمل لوحة عراقية من مدينة كركوك؛ والثاني، كانت الوحيدة التي دخلت المربع الأمني الخاص بالموارد البشرية في مدينة البوكمال.
وتُعدّ هذه الحافلة الأولى التي يُسمح لها بالدخول إلى هذا الموقع الحساس. وما أضفى عليها أهمية مضاعفة، أنه كان في استقبالها "الحاج عسكر"، قائد الميليشيات الإيرانية في البوكمال، إلى جانب عدد من قادة الميليشيات، ما أثار التساؤلات والشكوك حول هوية الأشخاص الذين كانوا على متن الحافلة.
وأكّدت مصادر سورية معارضة أن أغلبية ركاب الحافلة الغامضة كانوا من قادة وعناصر "الحوثيين" الذين ينشطون في اليمن ويسيطرون على عاصمته صنعاء.
وذكرت أن الحافلة بعد دخولها إلى المربّع الأمني في الموارد البشرية، تمّ إنزال الركاب منها حيث جرى نقلهم إلى مناطق الجنوب السوري عبر حافلات تابعة للفرقة 17 والفرقة الرابعة بقصد التمويه، لتجنّب استهدافهم من قبل الطائرات الأميركية أو الإسرائيلية. وأكّدت المصادر ذاتها أن أغلبية عناصر "الحوثيين" الآتين متخصصون في استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ.
تبادل وتدريب
وخلال السنوات الماضية، ذكرت العديد من التقارير معلومات حول تبادل مقاتلين ومدربين بين سوريا و"الحوثيين" في اليمن، إذ ينتمي كلاهما إلى محور المقاومة الذي تقوده إيران. ويشرف الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر على عمليات التنقل بين الجبهات وفقاً لظروف كل جبهة.
وفي عام 2022، وصل 60 مسلحاً من "الحوثيين" إلى سوريا بهدف تلقّي تدريبات. وذكرت المصادر في ذلك الحين أنه تمّ نقل ضباط وعناصر الحوثيين إلى منطقة الدريج في ريف دمشق، حيث خضعوا لدورة عسكرية مدتها 45 يوماً في مدرسة الصاعقة قبل عودتهم إلى صنعاء.
وأضافت المصادر، أن ضباطاً من القوات الخاصة في الحرس الثوري الإيراني وضباطاً من "وحدة الرضوان" التابعة لـ"حزب الله" اللبناني يدربون الحوثيين، وتتضمن الدورات تدريبات عسكرية في حرب العصابات وتنفيذ المهام القتالية والأمنية داخل المدن، والتكتيكات العسكرية الحديثة، والتفخيخ والتلغيم وزرع العبوات الناسفة والتعامل مع العبوات المزروعة. وبعد ذلك، يتمّ تدريب الدفعة على استخدام الصواريخ المضادة للدروع والعربات، ثم تنتهي الدورة في قسمها الأخير بدروس وتدريبات حول التعامل مع الأسلحة الكيميائية والغازات السامة وآليات حقن القذائف بها وآليات استخدامها في المعارك.