يبدو أن صبر تركيا نفد حيال ما تتعرض له سياستها الجديدة في التقارب مع دمشق من مشاغبات بعض الفصائل المسلحة التابعة لها، فاستهلت مرحلة جديدة في التعامل مع هذه الفصائل عبر إنذارها بضرورة حلّ نفسها أو الاندماج في فصيل آخر تكون قيادته متناغمة مع التوجهات التركية.
وأكدت مصادر مقربة من "الجيش الوطني" السوري الذي تموّله تركيا، لـ"النهار"، أنه بعد الاحتجاجات الشعبية والعسكرية التي عطّلت خطوة افتتاح معبر أبو الزندين الذي يربط بين مناطق سيطرة الاحتلال التركي، من جهة، ومناطق سيطرة الجيش السوري، من جهة أخرى، حاولت أنقرة حلّ الموضوع سلمياً من خلال الاجتماع الموسع الذي عقده مسؤولون أتراك مع أطياف واسعة من هيئات المعارضة وقادة الفصائل في مطار غازي عنتاب قبل نحو أسبوعين، غير أن هذا الاجتماع لم يخفق في حل المشكلة فحسب، بل تسبب باتساع الشرخ بين مكوّنات المعارضة والفصائل في ما بينها، بسبب تباين وجهات نظر كل مكوّن من القضية المطروحة.
وأضافت المصادر: "عليه، قررت الإدارة التركية اتخاذ الخطوة التي تسبق التدخل بالقوة لفرض قرارها، مشيرة إلى أن افتتاح معبر أبو الزندين وغيره من المعابر لم يعد مسألة يُسمح فيها بالجدال والتمرد على سلطة أنقرة، بل هو نتيجة تفاهمات إقليمية لا تملك تركيا نفسها هامش المناورة فيها، فكيف الحال مع قادة الفصائل الذين لم يكن لهم أي وجود لولا الدعم التركي".
وتستند هذه الخطوة إلى مقررات اجتماعات سابقة بين تركيا وقادة الفصائل، تم خلالها الاتفاق على إعادة هيكلة "الجيش الوطني" السوري للتخلص ظاهرياً من حالة الفصائلية والمناطقية التي تهيمن عليه وتمنعه من العمل المؤسساتي المنظم، بينما في الحقيقة الهدف هو ضبط هذه الفصائل تحت لواء السياسة التركية وضمان عدم وجود أي خرق أو تمرد من شأنه تعكير علاقات تركيا الإقليمية أو منعها من تنفيذ التزاماتها في ما تعقده من تفاهمات ثنائية مع هذا الطرف أو ذاك.
وسادت في الساعات القليلة الماضية أنباء عن قرار تركي يقضي بحلّ فصيل "لواء صقور الشمال" بسبب رفضه افتتاح معبر أبو الزندين. وأكدت المصادر صحة هذا القرار، لكنها أشارت إلى أنه لا يشمل فصيلاً واحداً بعينه، بل كلّ الفصائل الأخرى التي لديها الموقف ذاته من افتتاح المعبر أو من سياسة التقارب مع دمشق.
وخيّمت، الأثنين، حالة من التوتر الأمني والعسكري في مناطق الشمال السوري، بين "لواء صقور الشمال" بقيادة حسن خيرية، والقوات التركية، على خلفية إصدار الجانب التركي أوامر بحلّ الفصيل وتسليم كل قطاعاته إلى لواء حرس الحدود والشرطة العسكرية، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ووفقاً للمعلومات، فإنّ هذه الإجراءات جاءت بسبب رفض الفصيل المصالحة مع القوات السورية وفتح معبر أبو الزندين.
ولقي القرار رفضاً من قائد المجلس العسكري في قبيلة الموالي في إدلب، الذي دعا إلى استنفار كامل للوقوف في وجه هذا القرار وضد أي دولة تساند حلّ هذا الفصيل، وأكد قبوله إجراء الإصلاحات ومحاربة الفاسدين ضمن الفصيل من دون حلّه.
ورفض كل من مجلس قبيلة بني خالد في الشمال السوري والمجلس الأعلى لقبيلة النعيم القرار التركي بحل فصيل "لواء صقور الشمال" وتسليم سلاحه، ووجها نداءً إلى كل الفصائل وأبناء العشائر للوقوف صفاً واحداً إلى جانب الفصيل وبوجه القرارات التي تحاك ضده، وعلى رأسها فتح المعابر مع النظام.
وفي سياق متصل، نظم "المجلس الثوري العام" في محافظة إدلب تظاهرة احتجاجية ضد القرار "الجائر" بحق "لواء صقور الشمال".
بالتزامن مع ذلك، توجهت أرتال ضخمة تابعة للواء من عفرين باتجاه النبي هوري وشيخ روس وعبودان في ريف حلب، لرفع الجاهزية القتالية.
ولا يزال التوتر سيد الموقف في المنطقة بين الرافضين للقرار والجانب التركي ضمن منطقتي عفرين وإدلب.
وأكدت المصادر التي تحدثت إلى "النهار" أنّ "لواء صقور الشمال" سينتهي كفصيل مستقل موجود في ريف حلب، و"ليس أمامه سوى خيار واحد هو القبول بالاندماج وتسليم قطاعاته إلى الشرطة العسكرية. وفي حال الرفض سيتم اعتقال قائد الفصيل وليس هناك خيار آخر". وأكدت المصادر أن حسن خيرية تعرض لوعكة صحية (ربما جلطة)، ما أدى إلى إدخاله المستشفى، وقد تكون هذه الخطوة "تمهيداً لإخراجه من المشهد".
وتعليقاً على القرار التركي قال معرّف "أبو هادي" على موقع تلغرام، إنّ هناك استياءً تركياً كبيراً من "الجبهة الشامية"، وإنّ "تصفيات شبه نهائية سوف تشهدها صفوف الجيش الوطني السوري في المرحلة المقبلة".
وأضاف المعرّف، الذي لطالما قام بتسريب معلومات عن الفصائل وثبتت صحتها لاحقاً، أنّ "الكثير من المسمّيات ستختفي وتندمج ضمن صفوف بعضها بعضاً، وسيكون هناك من 5 إلى 6 فصائل في المنطقة فقط"، منها القوة المشتركة و"جيش الإسلام" و"السلطان مراد".
أما بخصوص ما يتداوله الإعلام عن اندماج "فرقة المعتصم" في صفوف "الجبهة الشامية" فهو "غير صحيح إطلاقاً"، وستكون وجهتها غالباً "السلطان مراد" بعدما عُرض عليها الانضمام إلى القوة المشتركة فرفضت.
وأشارت صحيفة "الوطن" السورية، المقربة من دوائر صنع القرار الرسمي، إلى تراجع زخم الاحتجاجات الجارية في الأيام الأخيرة ضد افتتاح معبر أبو الزندين.
وعزت مصادر معارضة، مقربة من ميليشيات الإدارة التركية في مدينة الباب، تراجع حدة الاحتجاجات وعدد المشاركين فيها أخيراً إلى "توصل المحتجين لقناعة بأن أنقرة حسمت أمرها بفتح المنفذ رغماً عن إرادة المناوئين للخطوة من ميليشياتها المتضررة من ذلك، من دون تعويضها من عائداته التجارية المتوقعة من وضعه في الخدمة"، ولذلك انفض الكثير من المحتجين عن التجمعات والتظاهرات المطالبة بإبقاء المنفذ مغلقاً.
وذكرت المصادر أن معلومات جديدة رشحت من اجتماع الاستخبارات التركية مع المعارضة المسلحة والسياسية في مطار ولاية غازي عنتاب التركية الثلاثاء ما قبل الماضي، تفيد بأن معظم وقت الاجتماع خُصص لمناقشة وضع "أبو الزندين".