شهد الساحل السوري، ليل الثلاثاء، الاشتباك الجوي الأول مع أهداف إسرائيلية منذ تصعيد إسرائيل الأخير ضدّ "حزب الله" في لبنان. وفيما ظهرت مؤشرات إلى انطلاق موجات نزوح عكسية للمدنيين من لبنان إلى سوريا، وسط معلومات عن موجة انسحاب عسكرية لعناصر "حزب الله" من سوريا إلى لبنان، وجّه الرئيس السوري بشار الأسد حكومته الجديدة إلى ضرورة "الوقوف مع أشقائنا اللبنانيين من دون تردّد".
مصياف البداية
تعتبر أوساط سياسية وعسكرية سورية، أن ضربة مصياف قبل نحو أسبوعين كانت نقطة البداية الفعلية للتصعيد الإسرائيلي ضدّ "حزب الله" في لبنان، بسبب ما تخلّلها من إجراءات عسكرية غير عادية، تمثلت في تنفيذ إنزال جوي وتفجير مصنع حير عباس الذي تشرف عليه إيران، ويتولّى تصنيع مسيّرات وصواريخ دقيقة، يذهب جلّها إلى ترسانة "حزب الله"، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض.
وانشغلت إسرائيل منذ ذلك الوقت بواقع الجبهة الشمالية، محاولة توجيه ضربات نوعية ضدّ قادة الصف الأول في "حزب الله"، وتدمير البنى التحتية لمراكز قوته العسكرية، ما أثار تكهنات حول عدم وجود نية إسرائيلية لضمّ الأراضي السورية إلى بنك أهداف طائراتها الحربية في هذا التوقيت، منعاً لتفعيل مبدأ "وحدة الساحات".
لكنّ ما حدث ليل الثلاثاء أثبت عدم صحة هذه التكهنات، غير أنه في الوقت ذاته أثار تساؤلات جديدة، لأنها كانت المرّة الأولى تقريباً التي تتمكن فيها الدفاعات السورية من اعتراض كل الصواريخ والمسيّرات المهاجمة وتدميرها فوق المياه الإقليمية، من دون وصول أي صاروخ إلى هدفه.
مَن أسقطها؟
وقال "المرصد" إن الدفاعات الجوية السورية تمكنت من إسقاط 13 هدفاً قبالة طرطوس وجبلة بالساحل السوري، ولا يُعلم ما إذا كانت الأهداف صواريخ أو طائرات مسيّرة، تزامناً مع رصد الرادارات السورية طائرات حربية في عرض البحر. كما سقطت بقايا صاروخ أطلقته الدفاعات الجوية قرب منزل في قرية اسقبولي بريف طرطوس.
ساهم ذلك في تعزيز وجهة النظر التي عبّرت عن نفسها همساً أثناء ضربة مصياف، إذ تداولت مواقع سورية موالية في حينه، معلومات لم تُثبت صحتها، حول مشاركة القوات الروسية في إسقاط بعض الطائرات المسيّرة فوق البحر. ونظراً لإخفاق منظومات الدفاع السورية في اعتراض الهجمات الإسرائيلية طوال السنوات الماضية، يبدو منطقياً التساؤل عن سبب النجاح في اعتراض الهجمة الأخيرة، وما إذا كان ذلك تمّ بجهد سوري مستقل أم ساعد "الأصدقاء" في تحقيقه.
وفي ظل الترابط بين جبهتي سوريا ولبنان لأسباب كثيرة، جغرافية وسياسية وعسكرية، طبيعي أن يتسبب أي تطور على إحدى الجبهتين في تداعيات على الأخرى. وبما أن صورة الحرب في لبنان لم تتبلور في شكلها النهائي بعد، لا تزال تداعياتها في سوريا غير مرئية.
وتداول العديد من المواقع السورية المعارضة معلومات حول سحب "حزب الله" المئات من عناصره من البادية وريف حمص إلى الحدود السورية - اللبنانية، لتعويض النقص الذي خلّفته في صفوفه مجزرتا "البيجر" وأجهزة اللاسلكي. غير أن مصادر ميدانية عدة نفت صحة ذلك، واعتبرت أن "حزب الله" قلّص منذ سنوات عديد قواته في سوريا إلى الحدّ الأدنى الذي لم يعد يؤثر في قدراته العسكرية بمواجهة إسرائيل. ورأت المصادر أن بعض التحركات التي شهدتها سوريا جاءت ضمن إعادة انتشار طبيعية، وليس لها أي مدلولات أخرى.
نزوح نحو سوريا
في المقابل، بدأت الحدود السورية - اللبنانية تشهد حركة نزوج للمدنيين من لبنان إلى داخل الأراضي السورية. وقالت وسائل إعلام شبه حكومية إن نحو 5 آلاف سوري ولبناني دخلوا البلاد عبر معبر جديدة يابوس على وقع التصعيد الجوي لإسرائيل في جنوب لبنان.
وشهد الطريق بين بيروت ودمشق في اليومين الماضيين ازدياداً ملحوظاً في حركة النازحين هرباً من القصف الإسرائيلي. وقالت جريدة "الوطن" شبه الرسمية، إن هناك عدداً مماثلاً ينتظر انتهاء الإجراءات للدخول إلى سوريا، مضيفةً: "إن إدارة الهجرة أوفدت مزيداً من العناصر لتسهيل عملية دخول المزيد ممن يودون دخول الأراضي السورية".