مثّل استهداف فيلا تابعة للفرقة الرابعة في الجيش السوري التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، بالقرب من منطقة يعفور المحاذية للحدود اللبنانية في ريف دمشق، رسالة تحذير قوية من تل أبيب إلى دمشق، بضرورة التوقف عن إرسال تعزيزات وإمدادات إلى "حزب الله" في لبنان، استكمالاً، على ما يبدو، لسياسة الحصار الجوي والبري التي تحاول إسرائيل فرضها بالقوة والتهديد. ومن شأن ذلك أن يرفع منسوب التحدّي الذي تشعر به السلطات السورية منذ اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، الجمعة، لا سيما في ظل الاستشراس الإسرائيلي غير المسبوق، وعدم وجود ضوابط لهجمته المنفلتة من كل قيد، وكذلك في ظل عدم وضوح الموقف الإيراني من التطورات الحاصلة في جنوب لبنان.
بدا لافتاً بعد ثلاثة أيام من اغتيال نصرالله غياب أي مبادرة للاتصال بين مسؤولي طهران ودمشق للتباحث في تداعيات ما يحصل في جنوب لبنان، وتأثيره على مصير "حزب الله" الذي يُعتبر حلقة أساسية في محور المقاومة. وقد خلّف غياب التحرك الرسمي المعلن بين البلدين بيئة مؤاتية لتسرّب روايات عديدة حول موقف طهران من "حزب الله" وميلها إلى التخلّي عنه، في ظل عدم قدرتها على تحمّل ما يفرضه الوقوف مع الحزب في محنته الحالية من أثمان باهظة، قد يكون أحدها اضطرار العاصمة الإيرانية إلى الانخراط في حرب مباشرة مع إسرائيل، الأمر الذي ستترتب عليه بطبيعة الحال تداعيات خطيرة جداً عليها وعلى نظام الحكم فيها.
وفي هذا السياق، بدأت مواقع سورية معارضة تنقل عن مصادر تصفها بـ"الخاصة"، معلومات حول استعداد إيران للانسحاب من سوريا، وفق ما ذكر موقع "الجسر"، وهو صحيفة إلكترونية سورية معارضة تعمل انطلاقاً من فرنسا. وتحدثت الصحيفة عن مفاوضات تجرى حالياً، لانسحاب الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له من سوريا، وذلك بعد الحملة العسكرية الإسرائيلية ضدّ حركة "حماس" في غزّة و"حزب الله" في لبنان، وتهديد تل أبيب بالانتقال إلى سوريا والعراق وإيران، لتنفيذ المزيد من العمليات ضدّ بقية أضلاع ما يُسمّى "حلف المقاومة".
وبدأت المفاوضات أخيراً عبر الوسيط الروسي، بين الحرس الثوري وميليشياته من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، بحسب المصادر نفسها.
وذكرت المصادر أن "إيران تريد الانسحاب بهدوء من الصراع المتصاعد مع إسرائيل، وأصبحت مستعدة لسحب جميع ميليشياتها من سوريا، قبل العملية العسكرية المحتملة التي هدّدت إسرائيل بتنفيذها"، مضيفة أن المفاوضات ترتكز على كيفية هذا الانسحاب.
ويريد الحلف الإسرائيلي الغربي من "الحرس الثوري" سحب عناصر الميليشيات بالكامل من سوريا، مع أسلحتهم الفردية من دون أي معدات أو صواريخ أو أسلحة ثقيلة، إلا أن الجانب الإيراني ورغم موافقته على الفكرة، لديه شروط مختلفة، أولها أن يسحب جميع المعدات العسكرية والأسلحة والصواريخ من مقاره في سوريا، خصوصاً تلك المخبأة في نقطة تسمّى بــ"منجم التبني" في ريف دير الزور الشرقي، وثانيها أن تكون روسيا ضامنة لعملية الانسحاب، وأن ترافق القوات الروسية براً وجواً قوافل الميليشيات الإيرانية، خلال انسحابها من البلاد.
وأشارت المصادر إلى أن الجانب الآخر، المتمثل بإسرائيل وحلفائها الغربيين، لا يظهر استجابة للشروط الإيرانية، ويهدّد بأنه إذا لم تتمّ عملية الانسحاب وفق الاقتراح الأولي وبالأسلحة الفردية فقط فإن جميع النقاط والمقار العسكرية الإيرانية في سوريا ستصبح أهدافاً للصواريخ الإسرائيلية.
ولفتت المصادر إلى أنه بعد الانسحاب المرتقب للميليشيات الإيرانية، ستحل محلها قوات النظام والقوات الروسية التي تجري استعدادات لتسلّم كل المقار والمخازن العسكرية، خصوصاً تلك الموجودة في البادية السورية، في أرياف دير الزور وحمص.
وتنظر أوساط سياسية وعسكرية سورية إلى مثل هذه التسريبات بعين السخرية والتقليل من أهميتها وتأكيد عدم صحتها جملة وتفصيلاً.
ويبدو حالياً أن الهاجس الأكبر لدى كل من دمشق وطهران هو تقييم حجم الضرر الحقيقي الذي أصاب بنية "حزب الله" العسكرية وهيكليته التنظيمية والقيادية، ومعرفة مصير ترسانته العسكرية ومحتويات مستودعاته من صواريخ وذخائر، لبلورة صورة واقعية عن قدرات الحزب المتبقية، وما إذا كانت كافية للبناء عليها من أجل اتخاذ مواقف أكثر تشدّداً من الحملة الإسرائيلية الشرسة، وفق ما تتداوله الأوساط السياسية الموالية على نطاق ضيّق.
وثمّة من يقول في دمشق، إن القيادة السورية إذ تستشعر خطورة المرحلة، وعدم قدرة أي طرف على التكهن بتداعياتها وامتداداتها، فإن هناك ثوابت لا يمكن أن تتزحزح عنها العاصمة السورية، وأول هذه الثوابت هو ضمان استمرار المقاومة وعدم السماح بتقديمها لقمة سائغة للعدو الصهيوني.
غير أن معضلة دمشق الكبرى تكمن في اختبارها موقفاً ميدانياً لم تعتد عليه من قبل، إذ إن الهجمة الإسرائيلية لا تبقي ولا تذرّ، وتكاد تطاول أي هدف من دون التوقف عند أي اعتبار سياسي أو عسكري. وبالتالي، إذا كان لدى دمشق رغبة في مواصلة دعم "حزب الله" فإن التطورات الميدانية، لا سيما لجهة استهداف المعابر الشرعية وغير الشرعية، وتقييد حركة الطيران إلى مطار بيروت، من شأنها أن تمنع العاصمة السورية من تحقيق رغبتها من دون أن يكلفها ذلك دفع أثمان باهظة.
وحتى سيناريو التصعيد ضدّ القوات الأميركية المنتشرة في الشرق السوري، للضغط على الولايات المتحدة من أجل إيقاف الهجمة الإسرائيلية أو تقييدها بضوابط معينة، بدأ يفقد زخمه في أوساط الميليشيات الموالية لإيران في سوريا، اذ تخشى هذه الميليشيات أن يؤدي التصعيد ضدّ القواعد الأميركية إلى منح واشنطن ذريعة للدخول إلى جانب إسرائيل في تدمير بنى المقاومة وقدراتها في المنطقة. وقد اختبرت الميليشيات ذلك في اليومين الماضيين، عندما استهدفت قاعدة "كونيكو"، فكان الردّ الأميركي بسلسلة من الغارات المدمّرة ضدّ مواقع هذه الميليشيات.
وعليه، ثمة ما يشبه الإجماع في الأوساط السياسية الموالية، على أنه لا بدّ من "الانتظار" حتى نفاد بنك الأهداف الإسرائيلي وتراجع حدّة الهجمة الجوية، من أجل العمل على تقييم الوضع بدقة واتخاذ القرار بناءً على ذلك.