تلجأ العديد من الأسر اليمنية إلى اقتناء متطلبات العيد من ملابس وحلويات وغيرها من المتطلبات، إلى البسطات التجارية التي تزهو بها مدينة عدن بشكل كبير أيام المناسبات، كشهر رمضان والأعياد، للتخفيف من وطأة الظروف المعيشية الصعبة التي وصل اليها اليمنيون منذ اندلاع الحرب في آذار (مارس) 2015.
وترى العديد من الأسر اليمنية أن الباعة المتجولين وأصحاب البسطات الصغيرة يلبّون احتياجاتها من متطلبات العيد وبأسعار تناسب قدراتهم الشرائية التي هي في أوهن حالتها منذ أكثر من عشر سنوات، إذ تدهورت قيمة رواتب الموظفين مع الانهيار المستمر للعملة المحلية.
على طرف شارع الطويلة في مدينة كريتر، ينادي محمد هندي المتسوقين: "سراويل ضمان وأمان... رخيص وأصلي... وفرنا الجديد...". يبيع الشاب الذي يبدو في مقتبل عمره سراويل متنوعة اقتناها من أحد المعارض التي كانت تحتفظ بكميات كبيرة ولم تبعها بسبب ضعف القدرة الشرائية.
سلعة رخيصة وجودة أقل
ويقول هندي لـ"النهار العربي": "نبيع للمواطن سلعة رخيصة مقدرين الظروف الصعبة التي نمر بها جميعاً. فأنا شاب عاطل عن العمل ولجأت الى هذه البسطة لتوفير القوت الضروري".
ويتابع: "المواطن اليمني يبحث حالياً عما يُفرح به أولاده فقط. لا يبحث عن الجودة والتفاخر بشراء الملابس وحاجيات العيد، رواتب مقطوعة وانهيار للعملة الوطنية... هذا كلّه جعل الناس يبحثون عن السلعة الرخيصة، حتى لو كانت على حساب الجودة".
ولجأ المستورد اليمني الى الاستيراد بثلاثة مستويات للسلعة نفسها، بحيث تناسب القدرة الشرائية للمواطنين الذين يعيشون أوضاعاً مادية صعبة جداً في ظل استمرار الحرب وانهيار العملة الوطنية وانقطاع صرف المرتبات التي تكاد لا تساوي شيئاً مع الانهيار الكبير في العملة، إذ بلغت قيمة الدولار الواحد 1668 ريالاً يمنياً، فيما الراتب الشهري للموظف لا يتجاوز الـ 100 ألف ريال، أي ما يعادل 60 دولاراً.
تقول الصحافية ليزا الجاندي إن التجار يمارسون احتكاراً كبيراً على السلع في المعارض والمراكز التجارية، مستغلين عدم الرقابة على السلع وتغيرات الصرف بين الحين والآخر.
وتتابع في حديث لـ"النهار العربي": "إحدى صديقاتي سألت في أحد المتاجر عن فستان لابنتها ذات الـ 5 أعوام، فوجدت سعره يفوق 30 ألف ريال يمني (18 دولاراً) فلم تشتره، وبعد بحث لدى أصحاب البسطات لشراء بديل بسعر يناسب قدرتها الشرائية وجدت القطعة نفسها بـ7000 ريال (5 دولارات) فقط! وكذلك يتكرر الأمر في العطور وملابس الأطفال ومواد التجميل وغيرها".
تضيف: "في محل يبيع عبايات وملابس نسائية كان أصحابها يبيعونها من 40 ألف ريال إلى 60 ألفاً، ما يعادل24 إلى 35 دولاراً، فضرب بضاعتهم كساد كبير. ولكن بمجرد أن أعلنوا عن تخفيضات بلغت 70 في المئة للقطعة نفسها شهد المحل إقبالاً شديداً، وهذا دليل على وجود احتكار من أصحاب المحلات التجارية والمولات والمعارض وخصوصاً في المواسم والمناسبات".
وتطالب الجاندي الجهات الرقابية بمراقبة أصحاب المحلات والمعارض والمولات من بداية الشراء في بلد المنشأ وحتى دخولها للبلد وعرضها في محلاتهم للمستهلك، لأن القدرة الشرائية للناس منخفضة ويجب حماية المستهلك من الجشع.
وتقول السيدة أم سامي، وهي أمّ لخمسة أطفال، إن انتشار البسطات بشكل كبير أيام المناسبات يعوق الحركة ويظهر المدينة على غير جمالها، محملة أصحاب المعارض مسؤولية ذلك، إذ ترى أن "لكل معرض بسطة في الشارع لخداع الناس فقط".
وتوجه عبر "النهار العربي" مناشدة "للجميع دون استثناء: الناس يأكلون من القمامة وتعبوا من استمرار هذه الحرب. أوقفوا الحرب بحق هذا الشهر الفضيل. التفتوا إلى المواطن اليمني الذي جعلتموه متسولاً لا يساوي شيئاً بسبب الحرب".
وتمثل بسطات الباعة التي تفترش أرصفة الشوارع ومداخل المحلات التجارية والأحياء والأسواق خياراً بديلاً لشريحة واسعة من المجتمع، وخصوصاً البسطات التي يكتفي أصحابها بهامش ربح بسيط في ظل مغالاة كبيرة يمارسها أصحاب المحلات التجارية والمعارض والمولات.
ويذهب الصحافي المهتم بالمجال الاقتصادي ماجد الداعري إلى أن "البسطات هي أحد انعكاسات الوضع الاقتصادي الذي جار على المواطن اليمني، بسبب استمرار الحرب التي لها ما يقارب عشرة أعوام دون أي بوادر لانتهائها".
وقال إن هذه البسطات "تعبر عن حالة مجتمعية صعبة جداً أو حالة معيشية لا تطاق، في ظل استمرار انهيار صرف العملة المحلية وتعطل المؤسسات الحكومية وغياب فرص العمل وإفلاس الحكومة وتعقد الازمة الاقتصادية، نتيجة لتعقيدات الأزمة السياسية والعسكرية وهجمات البحر الأحمر وويلات الحرب المستمرة للعام العاشر، وتوقف صادرات النفط والغاز وغيرها من الأسباب والمبررات التي تجعل اليمن يتقوقع ضمن أفقر الدول على مستوى الكوكب والأكثر مجاعة ومآس وأزمات".
ويتابع الداعري لـ"النهار العربي" أن هذه البسطات "مشاريع صغيرة تعود لأصحابها بدخل محدود لتغطية أهم تكاليف حياتهم، لكنها في المقابل تكشف المدى الذي بلغه تراجع القوى الشرائية لدى المواطن اليمني".