النهار

الحارس القضائي الحوثي... أداة الميليشيات لنهب ممتلكات المعارضين
عدن- عبدالرحمن أنيس
المصدر: النهار العربي
كان مدير مستشفى "سيبلاس للأمومة والطفولة" في صنعاء يمارس مهامه كالعادة في مكتبه، حين وصلته مذكرة من صالح مسفر الشاعر، الذي عيّنه الحوثيون حارساً قضائياً، حيث نصّت على الحجز التحفظي لكل أموال المستشفى وممتلكاته
الحارس القضائي الحوثي... أداة الميليشيات لنهب ممتلكات المعارضين
ميليشيات الحوثيين.
A+   A-
كان مدير مستشفى "سيبلاس للأمومة والطفولة" في صنعاء يمارس مهامه كالعادة في مكتبه، حين وصلته مذكرة من صالح مسفر الشاعر، الذي عيّنه الحوثيون حارساً قضائياً، نصّت على الحجز التحفظي لكل أموال المستشفى وممتلكاته، ومنع التصرّف بها، ووضعها ضمن صلاحية الحارس القضائي المعيّن من الميليشيا.
 
ألزم الحوثيون إدارة المستشفى بتحويل عائداته وإيرادات مرافقه التي تتضمن "نادياً صحياً، بوفيه، صيدلية، روضة، مركز تدريب، وأي مرافق أخرى"، وهدّدوها باتخاذ إجراءات ما لم تلتزم بالمذكرة.
 
 
  
ليس هذا المستشفى الوحيد الذي سطا الحوثي على ممتلكاته وايراداته، بل ثمة أكثر من 6 مستشفيات أخرى في صنعاء نُهبت بالطريقة ذاتها، فيما نُهبت 37 شركة تابعة لشخصيات مناهضة للحوثيين تقيم في الخارج، خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2019، وفق تقرير أصدره مركز صنعاء للدراسات.
 
وفي مطلع 2024 أبلغ "الحارس القضائي الحوثي" سكان عمارة سكنية مملوكة للمعارض السياسي خالد الأنسي، في صنعاء، بإخلائها، لأنّ مالكها المعارض من خارج اليمن متهم بـ"اقتراف جرائم تمسّ بأمن الدولة ومساعدة العدو والتخابر مع دولة أجنبية"، وفق مذكرة الحارس القضائي الحوثي، والتي تضمنت تهديداً بطرد السكان بالقوة إذا لم يغادروها. 
 
 
وظيفة مستحدثة
في حدث غير مسبوق أيضاً عيّن الحوثيون شخصاً في وظيفة الحارس القضائي، فيما المعروف أنّ هذا المنصب في القانون اليمني ليس شخصاً محدّداً بل يختلف في كل قضية وفقاً لطبيعتها، إما باتفاق أطراف النزاع في قضية معينة، أو تعيّن المحكمة حارساً قضائياً يدير شركة حتى لا تفلس إلى حين حلّ النزاع.
 
يشير قانونيون إلى أنّ هذا التعريف لا علاقة له بالحارس القضائي الذي يعيّنه الحوثيون، فقد استحدثت الميليشيا وظيفة الحارس القضائي وعيّنت شخصاً فيها، واتخذت منها سلطة موازية لنهب أموال المعارضين، إذ "ينهب" الحارس القضائي الحوثي الممتلكات ويصرفها، وبعد ذلك تشرعن المحكمة الحوثية هذا الإجراء.
 
يُذكر أنّ اسم الحارس القضائي الحوثي صالح مسفر الشاعر، أدرجه مجلس الأمن الدولي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 على لائحة العقوبات، بتهمة المشاركة وقيادة الحملات العسكرية للحوثيين التي تهدّد السلام والأمن والاستقرار في اليمن، كما أدرجته وزارة الخزانة الأميركية على قائمة العقوبات، وقالت في بيان إنّه أشرف على مصادرة الحوثيين لممتلكات تقدّر بأكثر من 100 مليون دولار، مستخدماً مجموعة متنوعة من الأساليب غير المشروعة.
 
صالح مسفر الشاعر.
 
مصادرة غير قانونية
المدير التنفيذي للمركز الأميركي للعدالة المحامي عبدالرحمن برمان، قال لـ"النهار العربي" إنّ "الحوثيين سيطروا على عمل المحاكم الجزائية المتخصصة، وأصبحوا يحيلون أغلب القضايا الى المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، التي سبق أن أصدر مجلس القضاء الأعلى في عدن قراراً بإلغائها، وبالتالي كل ما يصدر عنها غير قانوني".
 
ووفقاً لبرمان، فإنّ كل قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء يتبعون ميليشيا الحوثي، وثمة تنسيق بين الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين والبنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، وكل الأجهزة الواقعة تحت سيطرة الميليشيا، وهو ما يمكّنهم من مصادرة أكبر عدد من أموال اليمنيين المعارضين لهم.
 
لغم في طريق السلام
يضيف برمان: "من العوائق والمشكلات الكبيرة التي تواجه عملية السلام في اليمن، استمرار الحوثيين في عملية مصادرة أموال المعارضين، رغم اتفاق الهدنة ومفاوضات السلام المستمرة، وهذا دليل على عدم جدّيتهم في المفاوضات، والتي يعتبرون مشاركتهم فيها تكتيكية".
 
ويتابع: "في حال المضي في عملية السلام، وهذا مستبعد، كيف ستتعامل السلطات مع مليارات الدولارات التي صادرتها الميليشيات من المعارضين السياسيين، وأيضاً مع الأراضي الشاسعة التي تمّت مصادرتها وبيعها لأكثر من شخص؟ تابعت شخصياً قضية باع فيها الحوثيون أرضاً مصادرة لسبعة أشخاص في الوقت نفسه. سيدخل الناس في دوامة من الصراع والمحاكم، وقد يلجأ آخرون الى أخذ حقهم بأيديهم، ما سيثير فتنة ويهدّد عملية السلام والسلم الاجتماعيين، عندما يعود الناس إلى مناطقهم وبيوتهم إذا ما حلّ السلام".
 
موقف حكومي مطلوب
وينصح برمان المتضررين من نهب الميليشيات ممتلكاتهم بمواجهة هذا الأمر، حتى ولو كان أمام السلطات القضائية الحوثية وتوكيل محامين بتقديم طلب استعادة الأملاك أو إخلائها إذا تمّت المصادرة قبل المحاكمة. كما دعا الحكومة اليمنية لأن تفتح تحقيقاً وتكوّن ملفاً لكل قضية تمّت فيها مصادرة أموال أو ممتلكات من أجل حفظ حقوق هؤلاء الأشخاص وإثبات ملكيتهم لهذه الأموال والأراضي، وطالب الحكومة باتخاذ قرارات تُنشر في كل وسائل الإعلام، تحذّر الناس من شراء العقارات المصادرة أو التعامل مع من يبيعها.
 
استنساخ للتجربة الإيرانية
ويرى نائب مدير تحرير صحيفة "14 أكتوبر" الحكومية أيمن اليافعي، في حديث لـ"النهار العربي"، "أنّ قيام الميليشيات الحوثية بنهب ممتلكات المعارضين السياسيين وأموالهم ما هو إلّا تكرار للتجربة الإيرانية في التعامل مع المعارضين وممتلكاتهم".
 
وقال إنّ "استمرار الميليشيات في نهب الممتلكات يؤكّد أنّها عصابة مسلحة لا تمت للدولة بصلة، كما أنّها تكشف عدم جدّية الحوثيين بالمضي قدماً في طريق السلام، إذ يفاوض فريقهم في مسقط، فيما تستمر أدواتهم في صنعاء بمصادرة أملاك خصومهم".
 

اقرأ في النهار Premium