بدا اليمني عثمان أحمد الكمراني شديد الاستياء وهو يتحدّث عمّا تشهده مدينته عدن من تدهور للخدمات والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي لم يسبق أن عاشته من قبل وصارت منهكة لأعصاب السكّان، على حد تعبيره.
يتحدّث الكمراني (72 عاماً)، الذي كان محافظاً لعدن في عهد جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) قبل الوحدة اليمنية عام 1990، بحزن إزاء ما اعتبره سلبية وصمت من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة إزاء ما تشهده عدن وسكّانها الذين يموتون ببطء تقريباً جراء الحر الشديد وعدم توافر المياه.
وقد تدهور الوضع في عدن وجنوب اليمن على وجه الخصوص منذ أن تسبّبت هجمات للحوثيين بطائرات مسيّرة في وقف تصدير النفط عام 2022 وهو ما أدّى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في البلاد.
وباتت أزمة المياه جزءاً من حياة سكّان عدن الساحلية بجنوب اليمن جراء الانقطاعات المتواصلة لساعات طوال وأحياناً لأيام متسببة بأزمة حقيقية للسكان.
يقول الكمراني لـ"رويترز": "إلى عام 1994 كانت المياه تصل إلى كافة المنازل في عدن خلال ساعات اليوم، والسبب يعود لوجود دولة ومؤسسات تخطّط وتعمل على توفير الخدمات الأساسية للمواطن، لكن بسبب الفساد المستشري والصراعات السياسية عجزت الحكومة الحالية عن تقديم الخدمات المطلوبة للمواطنين".
وأكّد أن من الضروري أن تحظى مدينة عدن باهتمام بالغ من الحكومة كونها مركزاً مهمّاً للحركة الاقتصادية والتجارية.
وأضاف الكمراني "تفتقد اليوم أغلب أحياء المدينة للمياه لأكثر من ثلاثة أيام وفي مناطق عدّة انقطع توصيل المياه من المؤسسة لأغلب المنازل".
وشدّد على ضرورة إيجاد حل سريع وعاجل لأزمتي المياه والكهرباء في عدن، ويرى أن من المهم إقامة محطة لتحلية مياه البحر لتلبية جزء من احتياجات المواطنين في مدينة عدن وبشكل عاجل.
نفاد الموارد المائية
حذّرت منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) من نفاد الموارد المائية في اليمن خلال السنوات الست القادمة، في ظل الاستنزاف العشوائي للمياه الجوفية في جميع أنحاء هذا البلد المصنف كأحد أفقر الدول العربية.
وقالت منظّمة (الفاو) في تقرير نُشر أواخر آذار (مارس) الماضي اطّلعت عليه "رويترز": "في جميع أنحاء اليمن، يتم استنزاف المياه الجوفية بمعدّل ضعف معدّل تجديدها، ووفقاً لمعدّل الاستخراج الحالي، فإنه بحلول عام 2030 سيتم استنفاد أحواض المياه في البلاد".
وحذّر التقرير من أن الاستمرار في استخدام موارد المياه الجوفية بشكل عشوائي، سيكون كارثياً بالنسبة لبلد يعمل 70 بالمئة من المجتمع الريفي فيه بالزراعة، وستضيع أجندة التحوّل في مجال الغذاء والزراعة مع استنفاد الموارد المائية في البلاد.
وقال البنك الدولي في تقرير نُشر في 11 نيسان (أبريل) الجاري اطّلعت عليه "رويترز" تحت عنوان "تقييم الفقر والمساواة في اليمن 2024 " أصبح الوصول إلى المياه والصرف الصحي والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية في اليمن غير متاح وأكثر محدودية منذ بداية الحرب، على الرغم من بعض المكاسب التي تحقّقت قبل بدء الصراع مباشرة".
وأضاف "تدهورت إمكانية الحصول على الكهرباء من خلال الشبكة العامة بشكل كبير، ولهذا تم ربط 15 بالمئة من اليمنيين بالشبكة في عام 2023، مقارنة بنسبة 78 في المئة في عام 2014".
وحذّر البنك الدولي من أزمة توفير مياه الشرب قائلاً إنّها ستكون من أكبر المشكلات التي سيواجهها اليمن خلال السنوات المقبلة، وأكّد أن الملايين من اليمنيين ليس بوسعهم الحصول على مياه الشرب المأمونة، لاسيما أن الوصول إلى مياه الشرب النظيفة محدود في معظم المجتمعات باليمن وباهظ التكلفة إن وجِدت.
وقد أعاقت الحرب المتشعبة التي دخلت عامها العاشر الاقتصاد اليمني وقسمت البلاد وأصبح الحوثيون يسيطرون على أغلب المراكز العمرانية الكبرى وتسببّت الحرب في ما تقول الأمم المتحدة إنها أكبر أزمة إنسانية في العالم.
سهر طويل في انتظار الماء
أصبح يتحتّم على المواطن السهر حتى ساعات الفجر الأولى بجانب الصنبور كي يحصل على ما يسد به عطشه كل ثلاثة أيام في الأسبوع، أو اقتطاع قيمة (بوزة وايت ماء) من ميزانية معيشة أسرته وقوت أولاده.
وقالت إحدى المقيمات في المدينة، وهي في الخمسينيات من عمرها، وتدعى جميلة عبدالله عمر إن الماء يصل بيتها لساعات خلال ثلاثة أيام وتنقطع بقية أيام الاسبوع.
وعبّرت عن أسفها لحالة التردّي التي وصلت إليها خدمة المياه في كثير من الاحياء وهو ما يتسبّب في إرباك حياة المواطنين مع الاستعداد لاستقبال صيف ساخن مثل كل عام وتدهور خدمة الكهرباء ما يزيد تعقيد أوضاعهم.
وأشار المواطن المقيم في منطقة ريمي بمديرية المنصورة، علي علوي (38 عاماً) إلى أن "أزمة المياه وانقطاعها المستمر على المنطقة يمثّل مشكلة يومية، فمؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن تقوم بعمل توسعات وخدمات على حساب الشبكة القديمة التابعة لنا، بدون عمل خطوط مد أنابيب جديدة رئيسية، ما يعود بالعبء علينا نحن أصحاب الخطوط القديمة وغيرها من الصعوبات".
بينما قال حسين صالح علي أحد شباب منطقة الممدارة شرق عدن لـ"رويترز": "مشكلة المياه زادت في الآونة الأخيرة وألقت بظلالها على غالبية سكّان عدن وزادت من أوجاعهم ومعاناتهم، وأصبحنا نضيع وقتنا وعملنا من أجل الحصول على لترات من الماء نسد به عطشنا، والغريب من مؤسسة المياه مستمرة بإصدار فواتير المياه وبمبالغ مبالغ فيها".
أزمات مستمرّة
قال محمد أحمد (40 عاماً) أحد سكّان منطقة خور مكسر شرق عدن "منذ بداية العام تدهورت خدمة المياه بشكل كبير .. وزادت مؤخراً. تأتي مرّة في الأسبوع ويزيد من مخاوفنا أن هذا التردّي ترافق مع ظهر وباء الكوليرا وهو ما زاد المخاوف من شراء المياه من الآبار لاأه لا ضمانات لنظافتها".
وتساءلت أم علاء وهي أم لخمسة أبناء "إلى متى هذا التسيّب واللامبالاة بأرواح الناس؟... الناس يموتون عطشاً وعذاباً والسبب المياه والكهرباء... لقد طفح الكيل".
وطالبت برحيل رئيس مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المشتركة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
ورأى الصحافي والكاتب السياسي باسم فضل الشعبي، رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام في عدن، لـ"رويترز" أن "في عدن أزمة مركّبة تتفرّع إلى أزمات عدّة ولها أسباب عديدة لكن عنوانها العريض هو الفساد والإهمال، لذا نطالب الحكومة بالعمل على تخفيف معاناة المواطنين خصوصا وهم على عتبات فصل الصيف القائظ".
وأكّد أن هناك مشكلة وأزمة في خدمتي المياه والكهرباء مستدامه بسبب الفساد في مشاريع من جانب وبسبب انقطاعات التيار الكهربائي الذي يقود إلى توقّف المضخّات عن ضخ المياه المتوفّرة لمنازل المواطنين من جانب آخر.
من جهّته، عبّر الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة عدن الدكتور عبد الحكيم سعيد بسخط عن هذه الوضعية قائلاً "سئمنا من الاتهامات المتبادلة وتبادل الأدوار بين الحكومة والانتقالي وتحميل كل من الآخر ما آلت إليه الأوضاع من تردي وانهيار لمنظومة الخدمات الأساسية والضحية في الأخير المواطنين.
وأضاف "هناك ابتزاز سياسي وتوظيف رخيص لمعاناة المواطنين وتجييرها لمنافع شخصية وأهداف سياسية تصل أحياناً إلى حد السذاجة والاستخفاف بعقول الناس".
المياه كل ثلاثة أيام
تشير تقارير وبيانات رسمية حديثة إلى أن مدينة عدن تحصل على إمداداتها من المياه للاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية من 3 حقول مياه جوفية رئيسية.
وقال مسؤول في مؤسسة المياه بعدن لـ"رويترز"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن إجمالي إنتاج الآبار الثلاثة من المياه العذبة لتزويد مدينة عدن يصل لنحو 43.200 مليون متر مكعّب سنوياً بواقع 120 ألف متر مكعّب يومياً، وهو ما يمثّل نصف احتياجات سكّان المدينة التي شهدت توسّعاً عمرانياً كبيراً واحتضان عدن لنحو ثلاثة ملايين شخص منهم نازحون.
وأوضح أن قدرة الحقول الثلاثة لا تستطيع إنتاج أكثر مما تنتجه حالياً نظراً لقدم الآبار وتهالكها وانخفاض منسوب المياه في باطن الأرض.
وحذّر من أن مشكلة تناقص المياه في عدن ستكون أكبر وأشد في الصيف مما هو عليه الحال الآن، بسبب تزايد الاستهلاك واحتياجات المواطنين المياه أكثر مع ارتفاع درجة الحرارة.
التحلية الحل
في ما يتعلّق بمشاريع تحلية مياه البحر الأحمر. أفاد وزير المياه والبيئة في الحكومة اليمنية بعدن توفيق الشرجبي لـ"رويترز" بأن الوزارة استكملت الإجراءات الفنية وسيتم طرح المناقصة لبدء تنفيذ مشروع إنشاء محطّة تحلية لمياه البحر في عدن بقدرة 10 آلاف متر مكعّب يومياً ( 3.6 ملايين متر مكعّب سنوياً) بتكلفة عشرة ملايين دولار بدعم سعودي، لمواجهة الاحتياجات المتنامية للمياه العذبة في المدينة المعلنة عاصمة موقتة للبلاد.
وأشار إلى أهمية هذا المشروع الذي يمثّل نوعاً من الحل لمشكلة عجز إمدادات المياه في عدن، وهو مشروع تمهيدي لتوطين التحلية في عدن ومن ثم باقي المدن الساحلية.
وانطلاقاً من هذا الواقع أكد وزير المياه اليمني أن حكومة بلاده تسعى للبدء في توطين تكنولوجيا التحلية في اليمن في ظل شحة مصادر المياه والتأثير الكبير للسحب من أحواض المياه الجوفية، بالإضافة إلى تأثير التغيّرات المناخية على مصادر المياه التي تتطلب الاعتماد على مصادر المياه غير التقليدية ومنها تحلية مياه البحر.