أثار قرار محافظ البنك المركزي اليمني وقف التعامل مع عدد من البنوك والمصارف الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي ردّات فعل حوثية ساخطة، وصلت إلى حدّ خروج زعيم الميليشيا بخطاب متلفز للتعليق على القرار.
وكان أحمد غالب المعبقي، محافظ البنك المركزي اليمني، قد أصدر قراراً يقضي بوقف التعامل مع 6 بنوك تجارية هي: بنك التضامن، بنك اليمن والكويت، مصرف اليمن والبحرين الشامل، بنك الأمل للتمويل الأصغر، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك اليمن الدولي.
وردّ المعبقي هذا القرار إلى فشل البنوك المذكورة في التزام أحكام القانون وتعليمات البنك المركزي، "وعدم امتثالها لمتطلبات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، واستمرارها في التعامل مع جماعة مصنّفة إرهابية وتنفيذ تعليماتها بمخالفة قواعد العمل المصرفي وأحكام القانون وتعليمات البنك المركزي".
الحوثي: يدعم إسرائيل
خطب عبدالملك الحوثي، زعيم "أنصار الله" الحوثيين، مساء الخميس الماضي، واصفاً استهداف البنوك الموجودة في صنعاء بأنه "عدوان اقتصادي يأتي ضمن خطوات أميركية لدعم الكيان الإسرائيلي". فأميركا، بحسبه، تحاول توريط السعودية في الضغط على البنوك في صنعاء، "وهذه خطوة عدوانية ولعبة خطيرة"، كما قال.
رفض المعبقي هذا الاتهام، وقال في مؤتمر صحافي إن قرار نقل البنوك ومراكز أعمالها إلى عدن هو "محاولة لإنقاذها ومنع انهيارها، وهذا قرار يمني سيادي ذو طابع نقدي مصرفي، لا صلة له بالوضع الإقليمي والدولي ولا بالحرب في غزة كما يزعم الحوثيون، مع تأكيدنا أن الشعب اليمني يقف كله مع غزة".
وأضاف: "خلقت ممارسات الحوثيين واقعاً صعباً للقطاع المصرفي اليمني برمته، وليس للبنوك التي تقع مقراتها تحت سلطة الميليشيات فحسب، ما حتّم على البنك المركزي التحرك للمحافظة على الحدّ الأدنى من المعايير المصرفية التي يقبل بموجبها العالم التعامل مع أي بلد".
عملية ضغط
يُدرج مصطفى نصر، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، هذا القرار في سياق أزمة نشبت قبل شهرين بين البنك المركزي اليمني في عدن، المعترف به دولياً، وبنك صنعاء الواقع تحت سيطرة الحوثيين، بعدما سكّ هذا الأخير عملةً جديدة من فئة 100 ريال يمني.
يضيف نصر لـ "النهار العربي" إن "الهدف من القرار هو الضغط على البنوك لنقل مراكز عملياتها إلى عدن، عقب انتهاء المهلة المحدّدة لها بشهرين. وحتى الآن، لم تستجب هذه البنوك لقرار المركزي، بعدما وصلتها تهديدات صريحة من بنك صنعاء الخاضع للحوثيين بعدم الانتقال، ففضّلت ألّا تضحي بأصولها ومصالح ملاكها الموجودة ضمن المناطق التي يحكمها الحوثيون".
وبحسب نصر، نجاح هذا القرار مرهون إلى حدّ كبير بالدعم الذي سيتوفّر للبنك المركزي في عدن "من الرئاسة ومن السعودية، خصوصاً إذا وصلت الأزمة إلى مرحلة إيقاف"سويفت كود" الخاص بالبنوك غير الملتزمة، ما يحرمها القدرة من الاستمرار في التعاملات المصرفية الدولية". وهو يرهن خفض منسوب التصعيد بتراجع الحوثيين عن خطواتهم التصعيدية، وسماحهم بانتقال المراكز المالية الخاصة بالبنوك إلى عدن، "على أن يبقى النشاط المصرفي محكوماً بقواعد مهنية يُتفق عليها بعيداً من الصراعات السياسية، فلا تدخل البلاد في عزلة اقتصادية كارثية".
ويرى نصر أن هذه الأزمة، إن استمرت في التصاعد، ستزيد الانقسام النقدي وستسبّب متاعب كبيرة للبنوك المحلية، "ما لم يُعالج الأمر في إطار حلّ شامل يوحّد السياسة النقدية وعلى رأسها العملة الوطنية، أو يرسم آلية مقبولة من الجميع لإدارة العملة".
حماية المنظومة المصرفية
يصف أسامة الشرمي، وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً قرار "المركزي" بأنه سيادي وطني، محصور بالسياسة النقدية الرسمية في البلاد، "وهو حاجة ملحّة للحفاظ على الاقتصاد اليمني من تداعيات تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية".
يضيف الشرمي لـ"النهار العربي": "يأتي هذا القرار في سياق جهود البنك المركزي لتحرير إدارة البنوك من قبضة الميليشيا الحوثية، وضمان عدم اتهامها بالتورط في أنشطة غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب، لأن هذا ينعكس سلباً على القطاعين النقدي والمصرفي بشكل عام، وعلى الاقتصاد الوطني اليمني كله".
وبحسبه، أكّد البنك المركزي أن إجراءاته كلها تضمن سلامة النظام المالي والمصرفي في البلاد، وتعزز الثقة في المؤسسات المالية اليمنية؛ إذ دعا البنوك إلى التزام القرارات والتوجيهات الصادرة عنه لضمان استمرار عملها وتقديم خدماتها للمواطنين بشكل طبيعي.
وختم الشرمي: "تؤكّد هذه الخطوة التزام البنك المركزي اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على استقراره، في ظل ظروف صعبة جداً تمرّ فيها البلاد".