تحكي العلامات القتالية على المقاتلة F/A-18 الرابضة على سطح حاملة الطائرات "يو أس أس دوايت آيزنهاور" في البحر الأحمر، قصة أعنف معركة بحرية منذ الحرب العالمية الثانية هدفها حماية الشحن التجاري من هجمات المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
لكن تلك العلامات تشير إلى إرهاق أيضاً، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" التي قام فريقها بجولة على متن "آيزنهاور" ومجموعتها الهجومية المنتشرة منذ تسعة أشهر تقريباً مع حوالي 7000 بحار في تلك المنطقة، الأمر الذي يثير أسئلة صعبة في شأن مصير المهمة الأميركية هناك.
ومع استمرار هجمات الحوثيين في عرقلة الشحن عبر البحر الأحمر، فرضت واشنطن هذا الأسبوع جولة جديدة من العقوبات ضد ميليشيات الحوثي وبعض الجهات الصينية التي وفَّرت مواد لتصنيع الأسلحة في محاولة للضغط على الجماعة اليمنية لوقف هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر، والتي تسببت بتعطيل التجارة العالمية وارتفاع تكاليف الشحن وإجبار الشركات على تغيير خط إبحارها عبر البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح والالتفاف حول القارة الأفريقية.
في غضون ذلك، تتزايد التقارير عن انقسام بين قادة الجيش و"البنتاغون" بشأن تقليص المهمة الأميركية في البحر الأحمر، وإعادة "آيزنهاور" إلى موطنها في نورفولك بولاية فيرجينيا وكيفية تعويض قوتها القتالية.
حتى الآن، تم تمديد فترة انتشار حاملة الطائرات مرتين، وينشر البحارة "ميمز" حزينة عن حصولهم على استراحة قصيرة واحدة فقط خلال مهتمهم المتنامية باطراد. ويشعر البعض بالقلق من احتمال صدور أوامر لهم بالبقاء خارج البلاد لفترة أطول مع استمرار الحملة لحماية التجارة العالمية في ممر البحر الأحمر الحيوي.
وتقول وكالة "أسوشيتد برس" إنه في البنتاغون، ينخرط المسؤولون في نقاش شائك ولكنه مألوف عما اذا كان عليهم الإذعان لضغوط البحرية لإعادة "آيزنهاور" والسفن الحربية الثلاث الأخرى في مجموعتها الهجومية إلى الوطن أم يستجيبون لنداء القيادة المركزية الأميركية بإبقائهم هناك لفترة أطول، وإذا أعادوهم إلى المنزل، فما الذي يمكن أن يحل محلهم؟
ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم يدرسون جميع الخيارات، ومن المتوقع اتخاذ قرار في الأسابيع المقبلة.
ولطالما جادل القادة الأميركيون في الشرق الأوسط بأنهم بحاجة إلى حاملة طائرات في المنطقة المضطربة. ويقولون إنها رادع فعال لإبقاء إيران تحت السيطرة، وأن "آيزنهاور" تمنحهم قدرات حربية حاسمة وفريدة ضد الحوثيين، الذين يقولون إن هجماتهم تهدف إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة.
وحاملة الطائرات هذه هي أشبه بمنصة عائمة يمكن انطلاق الطائرات عن متنها في أي لحظة، دون أي من القيود التي يمكن أن تضعها الدول المضيفة في الشرق الأوسط على طائرات القوات الجوية التي تقلع من قواعد على أراضيها. ويمكن لهذه الطائرات الموجودة على حاملات الطائرات الوصول إلى مسافة قريبة من أنظمة أسلحة الحوثيين بسرعة دون عبور الحدود.
وقال الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية فرانك ماكنزي، الذي ترأس القيادة المركزية الأميركية ثلاث سنوات تنتهي في عام 2022: "الحاملة هي منصة هجومية متنقلة ورشيقة وليس لديها أي قيود على الوصول أو القواعد أو التحليق... تعتبر أراضي أميركية ذات سيادة. وهذا يمنحك مرونة هائلة عندما تفكر في خيارات الاستجابة في جميع أنحاء المنطقة".
ويبرز الأدميرال مارك ميغيز الذي يقود المجموعة الثانية لحاملة الطائرات، والتي تضم آيزنهاور والسفن الداعمة الأهمية الحاسمة لحاملة الطائرات بالنسبة إلى الجيش الأميركي.
وخلال جولة للإعلاميين على "آيزنهاور" والمدمرة "يو إس إس لابون"، قال ميغيز لوكالة "أسوشيتد برس": "في كل مرة تحدث أزمة في العالم، ما هو أول شيء يسأله الرئيس؟: أين حاملات الطائرات الأميركية؟".
وتنطلق طائرات F/A-18 التابعة للبحرية الأميركية يومياً من "آيزنهاور" وتدمر صواريخ للحوثيين أو مسيرات تستعد للانطلاق. وأطلقت السفن الحربية الأميركية وابلاً من صواريخ توماهوك على اليمن لتدمير مستودعات الأسلحة ومرافق الاتصالات وأهداف أخرى.
ولكن "أسوشيتد برس" تنقل عن بعض الضباط تذمراً من طواقمهم، ويتساءلون عن سبب عدم ضرب البحرية الحوثيين بقوة أكبر.
في الواقع، تتفاوت الإجابة عن هذا السؤال بين محللين يرون أن واشنطن تحاول بشكل غير مباشر خفض التوترات مع إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، وبين آخرين يرون أن واشنطن لا تملك معلومات استخباراتية دقيقة تتيح لها ضرب الحوثيين بشكل يقوض قدرتهم على شن مزيد من الهجمات على قواتها وعرقلة الملاحة في البحر الأحمر.
ويشعر قادة البنتاغون بالقلق من أنه بدون "آيزنهاور"، سيحتاجون إلى الاستفادة من المزيد من الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية المتمركزة في البلدان المجاورة، بما في ذلك قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
لكن العديد من الدول العربية تضع قيوداً على الطيران أو غيرها من القيود على أنواع الضربات الهجومية التي يمكن للولايات المتحدة القيام بها من أراضيها. ويشعر آخرون بالقلق من جر المنطقة إلى حرب أخرى أو تأجيج التوترات مع إيران.
ويبدو أن تمديد نشر "آيزنهاور" مرة أخرى لا يزال خياراً، ولكن بالنسبة لكثيرين، فهو الأقل تفضيلاً، وسط قلق على البحارة، وحاجتهم المحتملة إلى علاج للإجهاد المحتمل بعد الصدمة إضافة إلى الضغط على السفن.
والخيار الثالث هو إرسال سفن أخرى - ربما حاملة طائرات أخرى - لتحل محل "آيزنهاور".
ويمكن للولايات المتحدة أن تلجأ إلى فرنسا أو المملكة المتحدة، اللتين تمتلك كلّ منهما واحدة، لفترة مؤقتة على الأقل في البحر الأحمر. وقد أصر المسؤولون الأميركيون على أن حماية الممرات البحرية هي جهد متعدد الجنسيات وأن قيام حليف بدور ما يمكن أن يعزز هذه الرسالة. ويمكن أن يمنح الولايات المتحدة مساحة كافية للتنفس لإرسال حاملة طائرات أميركية أخرى إلى هناك، ربما في أواخر هذا العام.