احتضنت قلعة القارة في مديرية رصد بيافع، التابعة لمحافظة أبين، فعاليات مهرجان القارة للتراث، الذي يُقام في العادة في رابع أيام الأضحى المبارك، "تذكيراً بتاريخ يافع وحضارتها، ومزجهما بالحاضر والمستقبل، وتركيزاً على تمسّك الإنسان اليافعي بتراثه"، كما يقول نجيب الكلدي، مدير تحرير موقع "منبر عدن" وأحد منظّمي المهرجان لـ"النهار العربي".
من الزمن الأصيل
بحسبه، هذا المهرجان تقليد سنوي، يلتمّ فيه شمل أبناء يافع ليجدّدوا تلاحمهم وتعاضدهم، "فتأتي كل قبيلة إلى قلعة القارة التاريخية، وهي من أبرز معالم يافع القديمة، في كل عام، في استعادة للتراث اليمني، فتقدّم رقصات شعبية وفنوناً غنائية ومأكولات ومشروبات قديمة من مذاق الزمن الأصيل"، كما يقول الكلدي، "إلى جانب الزي الشعبي التراثي، والمقتنيات والمشغولات القديمة، وبعض ما يتصل بالزراعة التقليدية، تقدّمها قرى يافع المختلفة"، لافتاً إلى تنافس القبائل في المنطقة في إبراز موروثاتها الشعبية في المهرجان والتغني بها.
ويعبّر الشيخ وليد السعدي، الراعي الماسي للمهرجان، في حديث صحافي، عن سعادته الغامرة بهذه المناسبة "التي جمعت كافة الأطياف المجتمعية من يافع والجنوب على سفح قلعة القارة حاضرة التراث اليافعي".
ربما هذا ما دفع أسامة علي اليافعي إلى تحمّل عناء السفر من الولايات المتحدة لزيارة يافع وحضور مهرجانها، "ولأظهر فيه بزيي اليافعي الأصيل، وأجول في مدن يافع وقراها التي تبهرك بفنها المعماري الفريد"، كما يقول لـ"النهار العربي"، معبّراً عن سعادته بالأهازيج والأشعار اليافعية.
ليست الوحيدة
هذه ليست المناسبة الوحيدة التي يستغلها اليمنيون لإظهار ميزاتهم التراثية. يقول الكلدي: "دأبت يافع على إظهار تاريخها في كل المناسبات، وأبرزها مهرجان القارة التراثي الذي يُقام في يافع بني قاصد (يافع السفلى)، واحتفالات أيام العيد في يافع بني مالك (يافع العليا). يكون التجمّع كل يوم في قرية، فتبدأ الرحلة في الموسطة، واليوم التالي في قرية الهجر، وفي اليوم الثالث في منطقة الجربة".
تأتي كل قبيلة إلى المهرجان حاملة قيمها التراثية، "روح الماضي" بحسب وصف الكلدي، تمزجها بالحاضر من خلال أهازيج ورقصات تختلف من منطقة إلى أخرى، ومنها البرع والرجالية والشفيخ والشوبلية، "وأزياء لا يزال اليافعي يباهي بها الأمم". يقول: "نسعى في كل عام إلى تجديد الاحتفال، لكن الأساس دائماً هو لفت أنظار الناس إلى أصالة الموروثات الشعبية القديمة، وحثهم على صونها والعمل على إحيائها". فقد قدّمت فرق شبابية من الحد والمفلحي ومنطقة السعدي لوحات فنية ورقصات شعبية بالجنابي والسيوف والزوامل والأهازيج والقصائد الشعرية التي تتصل بالتراث اليمني.
استغاثة باليونسكو
ويدعو أسامة علي اليافعي "كل أبناء يافع للحفاظ على هذا التراث، والعمل على ترميم قلعة القارة التاريخية التي تحمل بين أحجارها قصصاً عظيمة تروي حكاية الإنسان اليافعي وتؤرّخ لحروبه لنصرته الحق"، فهذه القلعة ببنائها التاريخي القديم كانت مركز عاصمة السلطنة العفيفية التي حكمت يافع كلها، في عهدٍ كانت فيه يافع السفلى عاصمة بني قاصد، ينطلق منها المقاتلون للدفاع عن يافع، وعن اليمن كله.
كذلك، يدعو اليافعي الدولة في اليمن إلى الالتفات جدّياً إلى قلعة القارة التاريخية، ومنظمة اليونسكو إلى إدراج هذا المعلم الأثري الثمين في قائمة التراث العالمي، "لتأمين الاهتمام الذي تستحقه، فهذه القلعة التي نفخر بها وبمهرجانها السنوي لم تلق أي اهتمام يُذكر عناية من الحكومات المتعاقبة على اليمن، ولا من السلطات المسؤولة عن العناية بآثار اليمن القديمة"، لافتاً إلى أنها تحتفظ بتفاصيلها بفضل عناية الناس بها بمبادرات فردية، "وهذا ما يقويها في مواجهة العوامل الطبيعية".