بعد أكثر من عامين على سريان الهدنة في اليمن التي أعلنت في نيسان (ابريل) 2022 برعاية الامم المتحدة، خرج زعيم الميليشيا الحوثية عبدالملك الحوثي بخطاب تصعيدي تهديدي ضد المملكة العربية السعودية، متهماً إياها بالوقوف وراء الاجراءات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة المعترف بها دولياً ضد سلطات الحوثيين في صنعاء.
الحوثي الذي كان يتحدث الأحد في مناسبة رأس السنة الهجرية، اتهم المملكة بالتضييق الاقتصادي على حكومته "خدمة لأميركا واسرائيل"، مهدداً بالقول: "لن نقف مكبلين مكتوفي الأيدي أمام خطواتهم الجنونية أو نتفرج على شعبنا يتضوّر جوعاً وينهار وضعه الاقتصادي".
الوجع الاقتصادي
وبدا واضحاً من خطاب الحوثي الانزعاج الشديد من الاجراءات الاقتصادية للحكومة الشرعية ضد ميليشياته وفي مقدمتها قرارات البنك المركزي اليمني التي حاصرت مصادر تمويل الميليشيا، وما لحقها من قرارات تخص "الخطوط الجوية اليمنية" وأدت لاحقا الى اغلاق مطار صنعاء جراء احتجاز الميليشيا أربع طائرات للخطوط اليمنية فيه ومنعها من الإقلاع.
وكان البنك المركزي اليمني اتخذ قراراً بنقل مراكز البنوك التجارية من صنعاء الى عدن والغاء التعامل مع البنوك المخالفة واغلاق عدد من محلات الصرافة التي لا تخضع لرقابته، كما اصدر وزير النقل قراراً بتحويل ايرادات شركة "الخطوط الجوية اليمنية" الى حسابات بنكية في عدن بعدما كانت تحوّل طوال سنوات الحرب الى حسابات في بنوك صنعاء.
ووصف الحوثي في خطابه الضغط بنقل البنوك من صنعاء الى عدن بأنه "خطوة جنونية وغبية، ولا أحد في العالم يفكر بهذه الطريقة".
الشماعة الاميركية
وكعادة الميليشيا الحوثية في اقحام أميركا وإسرائيل في أي خلاف لها مع خصومها، قال عبدالملك الحوثي في خطابه الاحد: "الأميركي مستمر في محاولاته توريط النظام السعودي بعد فشله عسكرياً في المواجهة مع اليمن، وأهم ما يركز عليه الأميركي هو المجال الاقتصادي لأن ضرره يلحق بكل الناس".
واتهم الحوثي المملكة العربية السعودية بأنها دعمت خطوة نقل البنوك من صنعاء الى عدن "خدمة لإسرائيل وطاعة لأميركا"، مضيفاً: "وجهنا النصائح والتحذير عبر كل الوسطاء ليتراجع السعودي عن هذه الخطوة الحمقاء لكنه لا يزال يماطل".
ووصل الأمر بزعيم الحوثيين الى اعتبار الاجراءات الحكومية اليمنية الاخيرة دعماً مالياً لأميركا واسرائيل، قائلاً : "إذا كان النظام السعودي مقتنعاً بأن يتورط مع الأميركي وأن يقدم الدعم المالي والإعلامي لليهود فهذا خياره والعواقب خطيرة عليه".
البنوك بالبنوك
وفي تهديد غير مسبوق قال الحوثي: "سنقابل كل شيء بمثله: البنوك بالبنوك ومطار الرياض بمطار صنعاء والموانئ بالميناء، وسنقول على البنوك في الرياض أن تنتقل وأن تذهب، فهل تقبلون بهذا؟ وتعتبرونه شيئاً منطقياً؟ فلماذا تريدون فرضه على بلدنا".
فشل محادثات مسقط
ويرى رئيس "دار المعارف للبحوث والاحصاء" الباحث سعيد بكران في حديث إلى "النهار العربي" أن "تهديدات الحوثيين تأتي عقب جولة تفاوض حول الأسرى جرت في مسقط كانت تعلق عليها آمال كبيرة في تحريك ملف السلام من الباب الإنساني، لكنها كما يبدو فشلت في إحداث اي جديد"، مضيفاً:" التصعيد الخطابي من الحوثيين هو أحد البراهين على ذلك".
وعن تهديدات الحوثيين رغم اعلان وزير الخارجية السعودي قبل يومين ان خريطة الطريق - وهي خطة سلام بين الشرعية والحوثيين برعاية اممية - جاهزة للتوقيع، يقول بكران: "هذه الخريطة ولدت مصابة بالكثير من العاهات المزمنة التي تحولت إلى حواجز منعتها من التحول إلى واقع سياسي بين أطراف النزاع".
ويضيف: "أول هذه الحواجز كان طريقة الوصول الى الخريطة نفسها والأساس الذي بنيت عليه، كان أساس الخريطة والتفاهمات في مسقط يقوم على فلسفة الحوثيين حول النزاع على أنه صراع يمني- سعودي، وهو من يمثل اليمن هنا مع السعودية، وهذا بناء على قاعدة خطيرة ألغت الأساس الوطني للنزاع مع الحوثيين والغت بالتالي الأطراف اليمنيين شمالاً وجنوباً الذين يمثلون الشرعية الدولية وقاتلوا الحوثيين".
بعدان داخلي وخارجي
ويرى بكران أن أحداث غزة وهجمات البحر الأحمر اعطت بعداً خارجياً ودولياً آخر يرفض تقديم أي هدايا سلام للحوثيين الذين اصبحوا مشكلة دولية لخطوط الملاحة الدولية التجارية، ما لم يتوقفوا عن هجماتهم وينخرطوا مع المجتمع والقانون الدولي في حماية أمن البحرين الاحمر والعرب.
ويضيف الباحث أنه "في البعد الداخلي رفض المجلس الانتقالي اي التزامات أنتجتها خريطة الطريق باعتبار انها صنعت بعيداً عن مشاركته وهو طرف فاعل في الجنوب وفي الحرب مع الحوثيين وباعتبارها أيضاً أهملت تماماً القضية الجنوبية ولبت رغبة الحوثيين بشكل مطلق في ما يخص الجنوب".
التهديدات رسالة للداخل
الاعلامي احمد هاشم السيد، يرى من جهته، أن عبدالملك الحوثي بخطاباته الموجهه الى السعودية انما يوجه رسالة إلى الداخل الذي يقبع تحت سيطرته ويحاول إيهامه بأنه يهدد المملكه العربية السعودية وبأنها تذعن لقراراته، "وهذا يتماشى مع نهج الحوثيين طيلة السنوات الماضية، فالمواطن التابع لسلطتهم في صنعاء يعيش وهم أن السعودية تتكبد خسائر وانها تعيش حالة من الارباك بفضل انتصار الحوثي عليها، وكل هذا يندرج ضمن المناورات الاعلامية التي يجيدها الحوثي للظهور بمظهر المنتصر".
ويلفت السيد الى "أوهام الحوثيين التي حاولوا غرسها في ذهنية المواطن اليمني في مناطق سيطرتهم، مثل ان الصواريخ الفرط صوتيه حررت غزة، وان اسرائيل تتقهقر أمامهم".
ويضيف: "لكن السعودية مازالت تسير بخطوات واثقة متجاهلة الرد على الحوثي من يوم اختيارها طريق التفاوض معه كمنهج جديد للتعامل مع الازمة اليمنية
فقد اختارت ان تضع نفسها وسيطاً في مرحلة ما وكان الحوثي رافضاً وخطاباته مهاجمة، وسرعان ما تراجع عن ذلك".
استجداء اقتصادي
ويشير الاعلامي إلى أن "الدبلوماسية السعودية تُثَبت نفسها في مفاوضات مسقط بالامس كوسيط محايد بين اطراف النزاع اليمني، ولا عزاء للحوثي الذي كان رافضاً هذا الدور في بدايته. وعبدالملك يحاول ان يرسل رسائل استجداء للسعودية للضغط على الشرعية اليمنيه بصيغة تهديد لوقف قرارات البنك المركزي التي ستكون كارثية عليه".