"أقف هنا ساعات طويلة في كل يوم لأحصل على 80 ليتراً من المياه. أحياناً تنقطع الكهرباء، فأنتظر وأنتظر، وأعود إلى البيت خالي الوفاض". هذا ما يقوله محمد صالح (14 عاماً) وهو ثابت في مكانه بالطابور لا يتزحزح، كي لا يخسر مكانه في صف طويل أمام عدّادات المياه المخصصة لأبناء حي شعب العيدروس في مدينة كريتر في العاصمة اليمنية الموقتة عدن، غير خائف من أسلاك الكهرباء المكشوفة، والمبتلة بالمياه أحياناً. فكل شيء سهل للفوز بالقليل من الماء.
على ظهور الحمير
من هنا، وبعد طول عناء، يستقي صالح المياه لينقلها إلى منزله في أعالي الحي على ظهر حماره، قائلاً لـ"النهار العربي": "نعم، عدنا إلى نقل المياه على ظهور الحمير، فهل تصدّق أننا في القرن الحادي والعشرين؟".
الشكوى عامة في المنطقة من أصحاب "الشفاطات الكهربائية"، الذين يشفطون المياه إلى المنازل القريبة، ويحرمون أهالي الأحياء البعيدة من الحياة. يقول المواطن خالد محمد ناصر لـ"النهار العربي": "منذ أربعة أعوام، نعاني انقطاعاً في المياه في شعب العيدروس التابع لمديرية صيرة، فلا تصل إلّا على ظهور الحمير وبعد عناء كبير ومشقة".
ويضيف: "بسبب شفاطات المياه، توفي 5 أشخاص لأن أسلاكها مكشوفة"، مناشداً السلطات المحلية توفير المياه لأهالي شعب العيدروس وكل مناطق عدن، منها البوميس وعيدروس المجنة والجوهر.
بنية تحتية متهالكة
"يصل الفاقد الفيزيائي في مجال المياه إلى 60 في المئة في بعض الأحيان"، كما يقول توفيق الشرجبي، وزير المياه والبيئة، في تصريح صحافي، مضيفاً أن اليمن هو أحد أفقر دول العالم من ناحية المخزون المائي ونسبة هطول الأمطار، معترفاً بسوء في استخدام المياه.
يضيف الشرجبي: "البنية التحتية الأساسية للمياه في المدن الرئيسية في اليمن، ومنها العاصمة عدن، قديمة جداً، بحاجة إلى استثمارات ضخمة لتأهيلها كي تلبّي الاحتياج اليومي".
وبحسبه، المشكلة المائية في عدن تتمثل في عزوف عدد كبير من المشتركين عن سداد فواتير الاشتراك، إضافة إلى المشكلة الاقتصادية التي يعاني منها البلد، وسوء الخدمة، والتوصيل العشوائي، "ففي عدن أكثر من 30 ألف توصيلة عشوائية"، كما يقول.
الحل في التحلية
بحثاً عن حلول لمشكلة المياه في عدن، يؤكّد الشرجبي أن "لا حلّ إلّا تحلية مياه البحر". ويقول إن برامج التحلية في اليمن بدأت في نهاية تسعينات القرن الماضي، "وكان ثمة دراسة للتحلية في مدينة المخا لتمويل محافظة تعز بالمياه بتمويل من المملكة العربية السعودية، وهذا مشروع كبير تصل تكلفته إلى 320 مليون دولار بسبب بُعد المسافة بين المخا وتعز".
تزامن هذا المشروع مع دراسة لتحلية مياه البحر في عدن، نفّذتها شركة صينية. لكن هذه المشاريع والدراسات توقفت بفعل الانقلاب الحوثي على الحكم في اليمن، فلم تواكب التغذية المائية توسع عدن وزيادة استهلاكها.
يضيف الشرجبي: "كمية المياه التي تروي عدن اليوم هي نفسها التي كانت ترويها في عامي 1995 و1996، إلّا أن التوسع العمراني الكبير في عدن، أحدث فارقاً كبيراً في الطلب على المياه". فقد ارتفع أخيراً معدل استهلاك المياه في المدينة بشكل كبير منذ عام 2019 حتى اليوم، ووصل إلى 22.33 مليون متر مكعب من المياه في العام الماضي، ويتوقع أن يتزايد إلى 22.5 مليون متر مكعب بنهاية العام الجاري، بحسب تقارير صادرة عن مؤسسة المياه اليمنية.
تصحيح نسبي
يؤكّد الشرجبي السعي إلى تصحيح الوضع بشكل نسبي من خلال أمرين: أولاً، السعي لإيجاد طاقة مستدامة تخدم في إيصال المياه، فتراجع التغذية الكهربائية يؤدي إلى عجز توريد المياه للمواطن، إذ تتوقف حقول إنتاج المياه أياماً بسبب مشكلات في التيار الكهربائي، خصوصاً في أيام الصيف؛ وثانياً، بذل الجهود لإدخال حقل جديد، هو حقل الروه، ضمن الشبكة التي تروي عدن، علماً أن هذا بحدّ ذاته لا يكفي.
ومعروف أن محافظة عدن تحصل على إمداداتها من المياه للاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية من ثلاثة حقول جوفية: حقل مياه بئر أحمد الواقع في الجزء الشمالي الغربي من عدن (بين 27 و38 بئراً عاملة من أصل 42 بئراً منتجة)، وحقل مياه بئر ناصر في محافظة لحج (بين 36 و45 بئراً عاملة من 46 بئراً منتجة)، وحقل مياه المناصرة الواقع في لحج (بين 12 و20 بئراً عاملة من أصل 25 بئراً منتجة، ارتفع منسوب الأملاح في بعضها بشكل كبير).