سادت حالة من الإحباط والغضب في أوساط مناصري الشرعية اليمنية بعد تدخل مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هاتس غوندبرغ، لإنقاذ ميليشيا الحوثي من الانهيار الاقتصادي جراء القرارات التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن.
ويوم الخميس الماضي بعث المبعوث الأممي برقية عاجلة الى رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي ، جاء فيها: "أكتب إليك خطابي هذا بأعلى درجات الاستعجال والقلق بشأن القرار الذي اتخذه البنك المركزي اليمني مؤخراً رقم 30 لعام 2024 الذي يقضي بتعليق تراخيص ستة بنوك وما تبعه من تواصل مع البنوك المراسلة ونظام سويفت الذي سيفضي إلى وقف وصول تلك البنوك إلى البنوك المراسلة ونظام سويفت".
وأضاف المبعوث الأممي في برقيته: "إنني أقدر ما تحملته الحكومة من مظالم اقتصادية منذ وقت طويل أكثرها ظهوراً وقف صادرات النفط الخام، لكن هذه القرارات الصادرة مؤخراً بشأن البنوك سوف توقع الضرر بالاقتصاد اليمني وستفسد على اليمنيين البسطاء معيشتهم في كل أنحاء البلاد، وقد تؤدي إلى خطر التصعيد الذي قد يتسع مداه إلى المجال العسكري".
وحث غروندبرغ الحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني على تأجيل تنفيذ هذه القرارات على الأقل إلى نهاية شهر آب (أغسطس)، مضيفاً: "كما أود أن أطلب إليكم إبلاغ هذا التأجيل إلى جميع البنوك المراسلة ونظام سويفت وتوجيههم بتأجيل أي إجراءات قد يكون لها تأثير سلبي في هذه البنوك الستة، كما أحثكم أيضاً على دعم البدء بحوار تحت رعاية الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية لمناقشة التطورات الاقتصادية التي وقعت مؤخراً في اليمن بهدف حلها بما ينصب في مصلحة جميع اليمنيين".
ولفت في ختام برقيته الى أنه يتواصل مع أنصار الله (الحوثيين) أيضاً للحصول على التزامهم بهذا الحوار.
موافقة مشروطة من مجلس الرئاسة اليمني
في سياق متصل قال التلفزيون الحكومي اليمني إن مجلس القيادة الرئاسي عقد اجتماعاً طارئاً اطلع فيه على رسالة المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والتي تضمنت طلب دعم رئيس وأعضاء المجلس لإطلاق حوار برعاية الأمم المتحدة لمناقشة التطورات الاقتصادية الأخيرة، وسبل حلها بما يخدم المصلحة العليا للشعب اليمني.
وأعلن مجلس الرئاسة اليمني بهذا الخصوص تمسكه بجدول أعمال واضح للمشاركة في أي حوار بشأن الملف الاقتصادي، بما في ذلك استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال.
وأكد المجلس مضيه في "ردع الممارسات التعسفية للميليشيات الحوثية الارهابية، مع انتهاج اقصى درجات المرونة، والانفتاح على مناقشة أي مقترحات من شأنها تعزيز استقلالية القطاع المصرفي، والمركز القانوني للدولة في عدن".
تدخلات أممية لصالح الميليشيا
المحلل الاقتصادي اليمني فارس النجار، تحدث لـ"النهار العربي" مستغرباً من تحركات الأمم المتحدة المتكررة للتدخل في أي إجراءات تتخذها الحكومة الشرعية في اليمن لخنق الميليشيات الحوثية وتجفيف منابع تمويلها.
وقال: "نتساءل أين كان دور الأمم المتحدة عندما استهدفت المليشيات الحوثية بهجماتها الإرهابية موانئ تصدير النفط الخام، مما حرم موازنة الدولة من 70% من مواردها؟ وبخسائر قدرت وفق تقارير حكومية 1.5 مليار دولار سنوياً، وأين كانت عندما فرض الحوثيون إجراءات تعسفية على البضائع الواردة من موانئ الشرعية إلى مناطق سيطرتهم، الأمر الذي تسبب بانخفاض إيرادات الرسوم الجمركية والضريبية الأخرى بنسبة 20% على أساس سنوي، وتدهور العملة بمعدل 20% خلال النصف الأول من العام 2024، مما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات".
وتابع: "للأسف، لم تحرك هذه الأزمات الأمم المتحدة، ولم تبادر بأي إجراءات عندما قام الحوثيون بالتدمير الممنهج للقطاع المصرفي من خلال القوانين التي فرضوها، والتي كان آخرها قانون منع المعاملات الربوية، واليوم، نشهد تحركات متسارعة من الأمم المتحدة عبر مبعوثها للضغط على مجلس القيادة الرئاسي لإيقاف بعض القرارات والدخول في حوار اقتصادي".
التماهي مع الحوثيين
واعتبر النجار إن تصرفات الأمم المتحدة تؤكد تماهيها مع الميليشيات الحوثية وعدم انحيازها للشرعية والمصالح الوطنية للشعب اليمني. وقال: "إن استمرار هذا النهج لا يخدم سوى تعميق الأزمة وإطالة أمد المعاناة الإنسانية والاقتصادية. نؤكد على أهمية وجود موقف أممي واضح وضاغط على الميليشيات الحوثية لتحمل مسؤولياتها والكف عن ممارساتها العدائية والاقتصادية التي تدمر البنية التحتية وتزيد من معاناة الشعب اليمني".
واختتم النجار تصريحه بمطالبة الأمم المتحدة بـ"أن تكون جزءاً من الحل وليس المشكلة، وأن تتخذ إجراءات حازمة وعملية ضد الميليشيات الحوثية بدلاً من الضغط على الحكومة الشرعية التي تسعى جاهدة لتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية للشعب اليمني"، مشيراً إلى أن الوقت قد حان لتغيير هذا النهج وتحقيق العدالة والإنصاف للشعب اليمني الذي عانى طويلاً من ممارسات الحوثيين وإهمال المجتمع الدولي.
تدخلات أولى
من جانبه استنكر الصحافي عدنان الأعجم، رئيس تحرير صحيفة "الأمناء" الصادرة من عدن، تدخل المبعوث الأممي لإنقاذ الحوثيين من الخناق الاقتصادي الذي فرض على منابع تمويلهم.
وقال في حديث لـ"النهار العربي": "كان أولى بالمبعوث الأممي أن يتدخل لإطلاق سراح موظفي منظمات الأمم المتحدة الذين اعتقلهم الحوثي في صنعاء ولا يزالون معتقلين حتى اللحظة، لكن يبدو أن الأمم المتحدة لا تحترم إلا من يتعامل معها بغطرسة".
وذكّر الأعجم بالتدخل الذي قاده المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث لإنقاذ الحوثيين من خسارة مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي عام 2018، بعدما كانت قوات الشرعية قاب قوسين أو أدنى من السيطرة عليها.