حين تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن مقطعاً يوثّق إسعاف مواطن حاول الانتحار لأنه يعجز عن دفع إيجار منزله، دقّ الناشطون اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي ناقوس الخطر، بعدما صارت مشكلة الإيجارات، التي تعدّ واحدة من أعقد المشكلات التي يواجهها اليمنيون منذ عام 2015، قنبلة اجتماعية موقوتة، خصوصاً في مناطق آمنة تشهد نزوحاً جماعياً متدفقاً من مناطق الصراع، ما سبّب أزمة سكن حادة.
يقول الصحافي ذويزن الحوشبي لـ"النهار العربي"، إن النزوح إلى العاصمة اليمنية الموقتة عدن في الفترة الماضية "ضاعف معاناة سكانها في الحصول على مساكن للإيجار بأسعار مقبولة"، مذكّراً بأن متوسط دخل المواطن لا يتعدّى 80 ألف ريال يمني (40 دولاراً تقريباً)، فيما تتجاوز إيجارات العقارات السكنية 500 ألف ريال يمني، أي نحو 250 دولاراً أو 1000 ريال سعودي، "وهما العملتان المتداولتان لدفع الإيجارات في أغلب المدن اليمنية".
انهيار وعوامل أخرى
يردّ الباحث الاقتصادي محمد الجماعي هذا الارتفاع في الإيجارات إلى عوامل متداخلة، "في مقدمها الانهيار الاقتصادي الشامل الذي تشهده اليمن، والتدهور الحاد والمستمر في القيمة الشرائية للريال اليمني، واختلال العلاقة بين المؤجّر والمستأجر، في حين يقف القانون إلى جانب المؤجّرين الذين يستغلون الوضع لجني الأرباح".
ويضيف الجماعي لـ "النهار العربي": "عجز الحكومة عن أداء دورها الرقابي الفعّال يفاقم الأزمة، وتُضاف إلى ذلك موجات النزوح الداخلي الى عدن ومأرب والمخا وغيرها من المدن والمناطق التي تنعم بأمان نسبي وتتوافر فيها خدمات حكومية، حيث يزاول الموظفون أعمالهم في الدوائر الرسمية الموجودة فيها، خلافاً لمناطق يسيطر عليها ’الحوثيون‘ حيث لا تُصرف المرتبات للموظفين بانتظام، ويُمارس التضييق على الحرّيات الخاصة والتجارية".
وبحسب الجماعي، يساهم ارتفاع أسعار الأراضي وتكاليف البناء إلى مستويات غير مسبوقة في ارتفاع الطلب على الإيجارات، "وهذا كفيلٌ برفع الإيجارات بشكل تلقائي، من دون أن ننسى أن منظمات دولية تستأجر شققاً ومباني، فتدفع مبالغ طائلة بالعملات الأجنبية، وهذا انعكس سلباً على المواطن اليمني البسيط، تماماً كما يحصل مع بعض عائلات المغتربين القادرة على دفع إيجارات مرتفعة، فهذه أمور أثارت شهية ملاّك العقارات"، علماً أن البنك الدولي يقول إن 27% من سكان اليمن يعيشون على التحويلات المالية الخاصة، المحلية والخارجية.
مؤشرٌ خطير
ويثير الصحافي جبر صبر تساؤلات بشأن ظاهرة تأجير العقارات السكنية بالعملة الأجنبية، أي بالدولار الأميركي أو بالريال السعودي، إذ يرى فيها "مؤشراً خطيراً على حالة الانهيار التي وصل إليها الاقتصاد اليمني".
يتوقع البنك الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة 1.0% في عام 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2.0% في عام 2023. ويقول آخر تقارير البنك عن اليمن، إن الريال اليمني فَقَد نحو 43% من قيمته بين حزيران (يونيو) 2023 وتموز (يوليو) 2024، "وقد ارتفعت قيمة الدولار إلى 1995 ريالاً يمنياً، وقيمة الريال السعودي إلى 500 ريال يمني، في حين بقيت مرتبات الموظفين بالريال اليمني، وتُصرف في أوقات غير منتظمة"، بحسب ما يقول صبر لـ"النهار العربي".
وإذ يحمّل صبر بعض المستأجرين المسؤولية عن ارتفاع الإيجارات "لأنهم يقبلون بما يطلبه السماسرة وملاّك العقارات السكنية، إلّا أننا نعرف أن تحديد سعر الإيجار من حق مالك العقار، وفي الوقت نفسه، السكن حق من الحقوق البسيطة التي ينعم بها الإنسان، بحسب الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وعلى الحكومة في مناطقها والحوثيين في مناطقهم وضع الضوابط التي ترضي طرفي المعادلة، بالحدود الدنيا، إن من حيث التسعير، أو من حيث التزام التعامل بالعملة الوطنية".
تدخّلات بلا أثر
في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، أقرّ اجتماع حكومي في عدن منع التعاملات المالية بالعملة الأجنبية في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً، على الرغم من الانهيار الكبير للريال اليمني. وفي منتصف كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، أصدر وزير الدولة محافظ عدن، أحمد حامد لملس، قراراً بإلزام ملاّك العقارات السكنية التعامل بالعملة المحلية في دفع الإيجارات، ومنع التعامل بالعملات الأجنبية.
كذلك، أصدر نبيل شمسان، محافظ تعز في جنوب غرب اليمن بالحكومة المعترف بها دولياً في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، قراراً إدارياً بضبط القيمة التأجيرية لمساكن المحافظة، وإخضاع جميع التعاملات وعقود الإيجارات للعملة المحلية.
هدفت تلك القرارات إلى لجم جشع المستأجرين وسدّ ثغرات القانون اليمني الذي لم يتطرّق في نصوصه إلى قضية التعامل بالعملة الأجنبية عند دفع إيجارات المنازل، مع أن المشرّع اليمني يعاقب من يرفض التعامل بالعملة المحلية. إلّا أن الوضع مستمر على حاله، والمعاناة تتصاعد.