أجريت، حتى الآن، ثلاثة تعديلات على قانون الانتخابات من القوى السياسية المسيطرة على صناعة القرار في العراق، والتي تعمل على تكييف القانون الانتخابي بشكل يضمن لها وجوداً مناسباً في البرلمان، بينما تسعى تلك القوى في الوقت الراهن لإجراء تعديل رابع، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة حيال أسباب المساعي لهذا التعديل.
فمن جهة لم تكن تحركات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في الأسواق الشعبية وحضوره المجالس الدينية في مدينة النجف، مريحة لقوى الإطار التنسيقي التي استفردت بتشكيل حكومة محمد شياع السوداني في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، بعد عقد تحالفات هشّة مع أحزاب سنية وكردية، يمكن أن تتصدع في أية لحظة، بل أن كسر العزلة الصدرية المحتمل كفيلٌ بانفراط عقد "ائتلاف إدارة الدولة". لذلك قابلت غالبية القوى السياسية الشيعيّة المنافسة للصدر تلك التحركات بخطوة استباقية تتمثل بالسعي لتعديل قانون الانتخابات، بينما البعض الآخر يعمل على مغازلة الصدريين ويدعوهم للعودة الى العملية السياسية.
ومن جهة أخرى، أخذت حظوة السوداني تتزايد شعبياً، الأمر الذي أثار قلق بعض قيادات الإطار التنسيقي الذي يضمّ القوى الشيعية الرئيسية باستثناء الصدر. وتعتقد تلك القيادات القلقة أن هذا الصعود للسوداني يقوّض مساحتها السياسية، وبالتالي فإنها تفهم أن الإبقاء على اعتماد الدائرة الانتخابية الواحدة في كل محافظة يعزز تلك الحظوة، ولا بد من العودة الى الدوائر المتعددة.
في 15 حزيران (يونيو) 2022، قال الصدر إنه قرر الانسحاب من العملية السياسية في البلاد، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين".
وفي حال عودة الصدر للعمل السياسي فإنه لا يقلقه قانون الانتخابات وتعديلاته، سواء جرى اعتماد "سانت ليغو" أم الدوائر المتعددة أم غير ذلك؛ كونه يملك قاعدة جماهيرية واسعة، تخضع لتوجيهات صارمة في عملية التصويت لمرشحي التيار الصدري.
الدوائر المتعددة أكثر تمثيلاً للناخبين
ويدافع النائب عارف الحمامي، عضو اللجنة القانونية النيابية، عن فقرة "الدوائر المتعددة" التي جرى اعتمادها في الانتخابات البرلمانية السابقة، قائلاً إنها "أكثر تمثيلاً للناخبين. إنه قانون عملي".
ويقول الحمامي في تصريح لـ"النهار العربي"، إن قانون الانتخابات السابق بدوائره المتعددة يضع الناخب والمرشح في دائرة واحدة وعلى احتكاك مباشر في ما يخص الخدمات، لافتاً إلى أن "جعل المحافظة دائرة انتخابية واحدة ألحق غبناً بكثير من المرشحين في محافظة ذي قار، على سبيل المثال، حيث أن بعض الكتل جيّرت واستغلت المناصب والمال السياسي في دعايتها الانتخابية وشراء أصوات الناخبين".
ويجادل الحمامي بأن "الدوائر المتعددة تحرم أي جهة سياسية من السيطرة على جميع مناطق المحافظة الواحدة، لا بل إنها توجِد توازناً بين الكتل، كما أنها لا تسمح بتشتت جهود ممثلي تلك المناطق"، في حين أن الدائرة الانتخابية الواحدة داخل المحافظة تجعل المرشحين "يستَجْدون الأصوات" وتُضيّع على الناخبين فرصة تلبية مطالبهم واحتياجات مناطقهم.
محاولة لضرب الخصوم
ويؤكد النائب المستقل سجاد سالم أنّ الحراك الذي تقوده قوى الإطار التنسيقي لتعديل قانون الانتخابات هدفه "ضرب الخصوم السياسيين"، مشيراً إلى أن عدداً من النواب المستقلين يحاولون ردع تلك المحاولات.
ويبرر سالم، القيادي في تحالف "قيم" المدني، لـ"النهار العربي"، رفضه لتعديل قانون الانتخابات بأنه يربك الجمهور، منوهاً بأن شعبية السوداني أخذت تقلق قوى الإطار التنسيقي، وهذا ما شكّل سبباً رئيسياً في الدعوة للعودة للدوائر المتعددة.
ويشير إلى أن بعض القوى السياسية تخشى من أن يذهب السوداني إلى الخروج من "الإطار" والتحالف مع أطراف أخرى تضعف حظوتهم السياسية والانتخابية، في إشارة الى زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي.
انشقاق داخل "الإطار"؟
ويطرح مناف الموسوي، المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري، وجهة نظر قريبة مما ذهب إليه سالم، في ما يخص المساعي السياسية لتعديل قانون الانتخابات، قائلاً إنّ ثمة انشقاقاً داخل الإطار التنسيقي بين "الحرس القديم" و"الخط الثاني" الذي يصدّر نفسه على أنه "وجه جديد" يريد إزاحة الصقور عن المشهد السياسي، مؤكداً أن هذا الصراع جعل الزعامات الشيعية تفكر في تقليم أظافر "الخط الثاني"، الذي يدعم منح السوداني ولاية ثانية.
ويقول الموسوي في حديث لـ"النهار العربي"، إنّ تعديل قانون الانتخابات يحتاج إلى توافق بين جميع المكونات، وإلى "ضغط سياسي" في ظل الأزمة السياسيّة بين جميع أطراف "ائتلاف إدارة الدولة" (الشيعية، السنية والكردية)، موضحاً أن بعض القوى تفكر في مغازلة التيار الصدري بمطالبتها بالعودة الى "الدوائر المتعددة" التي حصد فيها الصدريون أكبر عدد مقاعد في الانتخابات النيابية الأخيرة.
محاولة عزل المالكي
وطبقاً لمصدر مطلع على كواليس اجتماعات "ائتلاف إدارة الدولة"، فإن ثمة توجهاً لدى جهات داخل "الإطار" بالذهاب إلى "عزل المالكي" سياسياً، مردفاً أن زعيم "ائتلاف دولة القانون" ردّ على تلك المحاولات محذراً من أن إضعافه يقوّي شوكة التيار الصدري.
ويقول المصدر لـ"النهار العربي" إن ثمة صراعاً ملحوظاً داخل قوى "الإطار" بشأن البقاء في السلطة، مشيراً الى وجود خطين داخل الإطار التنسيقي؛ الأول يجمع السوداني وقيس الخزعلي وعمار الحكيم، ويدعم ولاية ثانية للسوداني، بينما الخط الآخر يجمع المالكي وهادي العامري ويميل إلى العودة للدوائر المتعددة لتقويض حظوظ السوداني.
ويضيف المصدر أن صراع المالكي ـ السوداني أخذ يطفو إلى السطح، لافتاً إلى أن وزيري النفط، حيان عبد الغني، والشباب والرياضة أحمد المبرقع، التابعين لجناح المالكي يميلان الى ملعب السوداني.
ويذكّر بأن الوزيرين كانا قد تمردا على المالكي في كثير من القرارات.
80 مقعداً لا تضمن الولاية الثانية
ويقول عباس الموسوي، مستشار رئيس "ائتلاف دولة القانون"، إن الائتلاف لا يخاف على جمهوره من نجاح السوداني، مؤكداً أنه حتى في حال فاز السوداني بـ 80 مقعداً نيابياً فإنه قد لا يحصل على رئاسة الوزراء مرة أخرى.
ويضيف الموسوي أن السوداني قد لا يدخل الانتخابات أصلاً، لأنه يجيد قراءة الواقع السياسي بصورة صحيحة، وإن حصل على 60 أو 80 مقعداً فإنه قد لا يحصل على رئاسة الوزراء (مرة أخرى): "الموضوع لا يهمنا، ولسنا خائفين على جمهورنا فهو واضح وثابت".