يسود الوجوم منذ أيام عدة قرابة ثلث مليون سوري مقيمين في إقليم كردستان العراق، بعد إصدار وزارة الداخلية فيه قراراً بوقف منح تأشيرات الدخول للسوريين إليه، ما يهدد استقرارهم المهني والعائلي، في وقت تعاني سوريا من أوضاع اقتصادية وأمنية ضاغطة. وكان الإقليم من آخر مناطق العالم التي تسهّل منح السوريين سمات دخول وتراخيص عمل وإقامة.
تفاصيل القرار
"النهار العربي" تواصل مع المكاتب السياحية العاملة في الإقليم، والتي صار العديد منها متخصصاً في شؤون إصدار الأوراق الرسمية للسوريين المقيمين هناك، فأجمعوا على أن التعليمات الجديدة من وزارة الداخلية تمنع منح الفيزا لكل الفئات العمرية السورية، سواء كأفراد أو عائلات، أما الحاصلون عليها قبل الأول من نيسان (أبريل) الجاري، فلهم حق الدخول لمدة شهر، لكن من دون السماح لهم بالحصول على الإقامة السنوية، كما كان يحدث سابقاً. القرار يستثني السوريين الحاملين للإقامات في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي.
مكاتب التشغيل في الإقليم أكدت عدم معرفتها مصير مئات الآلاف من المقيمين السوريين الحاليين، إذ لم تصدر تعليمات واضحة بشأن تجديد إقاماتهم السنوية أو عدم فعل ذلك. لكنّ أوساطاً مقرّبة من وزارة الداخلية قالت إن التجديد يكون من حق العائلات السورية، أما الأفراد المقيمون من دون عائلاتهم فلن يُجدد لهم.
حسب هذه الترتيبات الجديدة، ستتعرّض شبكة واسعة من الأعمال للانهيار، فالآلاف من السوريين يعملون في مختلف القطاعات الاقتصادية في الإقليم، وبعضهم أسس مشاريع شخصية منذ أكثر من عشر سنوات، والكثير منهم استثمروا مبالغ طائلة في مختلف القطاعات المالية.
مصالح مهددة
المحامية والناشطة المدنية سوزان عبيد شرحت في حديث مع "النهار العربي" حالة القلق التي تنتاب الأوساط الاجتماعية والاقتصادية السورية في الإقليم، وقالت إن "النسبة الأكبر من السوريين المقيمين في كردستان كانوا طوال السنوات الماضية يتصرفون على أساس الإقامة المستدامة فيه، على الأقل خلال المدى الزمني المنظور. لأجل ذلك، فإن عشرات الآلاف منهم امتلكوا شققاً سكنية غالية، حتى أن السوريين في بعض أحياء مدينة أربيل يشكلون قرابة نصف سكانها، وآخرون استثمروا كل ما يملكونه من أموال ورساميل في مشاريعهم الاقتصادية في الإقليم. هذا إلى جانب انخراط أبنائهم في شبكة واسعة من المؤسسات التعليمية، الأساسية والجامعية، حتى أن بعض الأجيال الأحدث عمراً صاروا يشعرون أن إقليم كردستان هو بلدهم ووطنهم البديل والدائم".
وتضيف عبيد: "لأسباب موضوعية، لا يمكن لسلطات الإقليم إغلاق الباب تماماً أمام إمكانية تجديد إقامات السوريين. فكيف يمكن تصفية آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وحتى الكبيرة، خلال شهور قليلة جداً؟ وما هو مصير الممتلكات الخاصة بهؤلاء، من منازل وأراض ووسائل نقل وأرصدة مالية، وطبعاً الكثير منهم لا يمكنهم العودة إلى سوريا، لأسباب أمنية وسياسية، ولا سيما فئة الشباب المطلوبين للخدمة الإلزامية. حسب ذلك، فإن الإقليم لن يعرّض نفسه لأزمة قانونية واقتصادية، وأغلب الظن ستُطرح مجموعة من الحلول التوافقية خلال الفترة المقبلة".
حملة نشطاء
وكان إقليم كردستان قد شهد حملة من بعض النشطاء وقادة الرأي على وسائل التواصل الاجتماعي، طالبوا فيها السلطات بتقليص وجود العمال السوريين في أسواق الإقليم، بغية منح العمالة المحلية فرصاً أكبر في الحصول على أعمال مناسبة وأجور مجزية. الحملة تضاعفت بعد انتشار مقاطع مصورة لمقيمين سوريين شبّان يرددون شعارات سياسية في وسط الأسواق، ما أثار حساسية اجتماعية حيالهم.
قرار الإقليم جاء بعد ثلاثة أشهر من قرار الحكومة الاتحادية العراقية وقف إصدار سمات الدخول للسوريين، وذهب بعض التسريبات إلى أن قرار أربيل صدر بضغط من الحكومة المركزية. وكانت وزارة الداخلية العراقية قالت إن العراق صار يعاني إدارياً واقتصادياً وحتى أمنياً من وجود مئات الآلاف من السوريين، أغلبيتهم صاروا يخالفون شروط الإقامة الاعتيادية، والعديد منهم يدخلون في شبكات من الأعمال المخالفة للقوانين السارية في العراق.
السلطات العراقية طلبت من نظيرتها في الإقليم الانتباه إلى تسلل الآلاف من السوريين فيه إلى باقي مناطق العراق، والتقدم بطلبات لجوء إلى مؤسسات الأمم المتحدة، وتالياً الحصول على أنواع من إقامات اللاجئين، وبدء العمل في الأسواق العراقية بشكل مخالف. كذلك شهد الإقليم أعمالاً مخالفة للقانون من عشرات الشركات العاملة في المجال الاقتصادي، كانت تُصدر سندات تأمين ووثائق عمل للعمال السوريين، مقابل مبالغ سنوية، وظهر في ما بعد أنها شركات وهمية، ولا تتكفل بالطبابة والتأمين الاجتماعي، وتالياً تحمّل البنية الخدمية في الإقليم تبعات بقاء هؤلاء على أراضيه.