بمجرد انتهاء صلاة عيد الفطر، توجه الجمعيات الخيرية أنظار ناشطيها نحو دور المسنين ومراكز ومؤسسات الطفولة وحتى المستشفيات، بهدف إدخال البهجة والفرح في قلوب هذه الفئة من الناس الذين أثخنتهم جراح الحرمان وألم الفقدان فغادرت الابتسامة ملامحهم الصامتة.
ولم تنتظر بعض الجمعيات المنظمة للزيارات الإنسانية شروق شمس عيد الفطر موشحة بتغاريد التكبيرات، حتى دخلت في سباق مع الوقت لتقديم الدعم المعنوي للأشخاص المسنين بدون عائل والأيتام والمرضى في المستشفيات، ومن أبرز مظاهر التضامن اللافتة ما قام به مركز للتكوين المهني في بلدة سيدي علي بوسيدي بمحافظة سيدي بلعباس في غرب الجزائر، بالتنسيق مع منظمة خيرية، إذ توجه أساتذة تخصص الحلاقة في المركز رجالاً ونساء إلى دار المسنين بهدف العناية بهم والتكفل بحلاقة شعرهم للظهور بحلة أنيقة وشكل جذاب يوم العيد.
مشاهد تفيض بالأمل
ومن المشاهد التي تفيض بالأمل والإنسانية ورصدها "النهار العربي"، إقدام مجموعة من الشباب المتشبعين بثقافة العطاء والعمل الخيري، على مبادرة تضامنية تلقائية مستقلة لإدخال الفرحة على قلوب كبار السن المتخلى عنه. أولئك الشبان الذين تراوح أعمارهم بين 17 عاماً و22 عاماً، اعتمدوا فقط على آلاتهم الموسيقية البسيطة ليمسحوا دموع أمهات فارقهن أولادهن وتركوهن في مكان مظلم بارد المشاعر.
لفتة تضامنية أخرى جسدت كل معاني الإخاء والعطاء، أبطالها مجموعة من الشباب ينشطون في الأعمال التطوعية والخيرية. ويقول منشّط الحملة حواش منير في حديثه لـ"النهار العربي" إن أعضاء المجموعة فضلوا أن يخصصوا الزيارات هذا العام إلى مصلحة الأمراض العقلية ومصلحة طب الأطفال بمستشفى مصطفى باشا (المركز الاستشفائي وهو من أكبر المستشفيات في البلاد وأقدمها) ودار الآمال للمسنين بمحافظة البليدة (تقع بالقرب من العاصمة الجزائرية).
ويقول منير إنهم لمسوا "تجاوباً كبيراً من الأطفال المرضى مع عروض اللاعبين البهلوانيين والمهرجين، فظروفهم الصحية القاهرة أجبرتهم على البقاء بعيداً عن الدفء العائلي واللعب مع أقرانهم، والوضع ذاته ينطبق على كبار السن إذ بادرت المجموعة بوضع الحناء على أيديهم وأرجلهم ووزعت عليهم الهدايا والحلويات مع القهوة، حتى تنسيهم رحلة الغربة وألم الفراق عن أعز الناس ولحظات الانتظار التي تتملكهم، فأعينهم تتجه صوب الباب ترقباً لمن سيتذكرهم، لكن دون جدوى".
وأكد منير أنه "جرى التحضير لهذه الزيارات خلال شهر الصيام، إذ ساهم أعضاؤها بما تيسر من مال وتفاعل معهم كبار المحسنين ومحبون لفعل الخير لشراء الألعاب للأطفال".
واستحسنت عائلات الأطفال المرضى هذه الزيارات التي تدخل السرور في قلوب صغارهم وتوفر لهم أجواء العيد التي حرموا منها. وذكرت آية، والدة إحدى البنات الموجودات في مستشفى مصطفى باشا الجامعي وسط العاصمة الجزائرية، أنها اضطرت لقضاء العيد في المستشفى رفقة ابنتها المصابة بأحد الأمراض النادرة، وثمنت "العمل الرائع الذي قامت به هذه الجمعيات".
أجواء مفعمة بالحياة والألوان
أعضاء المجموعة غمروا المستشفيات ودور المسنين التي زاروها بالبهجة وصنعوا أجواء مفعمة بالحياة والألوان، ويقول منير إن "هذه الممارسات الإنسانية لا تقتصر فقط على مجموعتنا بل هناك الكثير من الشباب الطيبين يتنافسون على نشر الخير والمحبة، فالعطاء لا يقتصر على الماديات فقط إنما على إنسانيتنا ودعمنا المعنوي والاهتمام والمودة".
ولم تكن هذه الأنشطة الخيرية محصورة بأيام العيد، فقبل أيام من حلوله، أطلقت جمعيات على غرار جمعية "كافل اليتيم" الخيرية أضخم موائد إفطار جماعي على شرف الأطفال الأيتام والأرامل، وتم توزيع ملابس العيد عليهم مع علب تضم مختلف أنواع الحلويات التقليدية.
وانخرط في هذه الحملات التضامنية هيئات وشركات ومؤسسات اقتصادية كبرى وحتى مسؤولون كبار في الدولة. ومن الصور المعبرة والمبكية التي هزت القلوب وصنعت الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي تحقيق أمنية مسن جزائري مقيم بدار المسنين بأعالي هضبة لالة ستي بمحافظة تلمسان (مدينة جزائرية تقع في الشمال الغربي من الجزائر على بعد 600 كيلومتر إلى الغرب) في أداء فريضة الحج، إذ أهدى محافظ المدينة (والي الولاية) يوسف بشلاوي هذا الحاج جواز سفر خاصاً بالحجّ.
وعلى هامش الزيارة، أكد المحافظ أنه يولي اهتماماً خاصاً بكبار السن، موضحاً حرصه الشديد على الحضور بينهم في جميع المناسبات، وقال إن "رعاية المسنين واجب ديني وإنساني، حثت عليه تعاليم ديننا السمحاء"، وأوضح قائلاً إن "السلطات المركزية والمحلية تسعى دائماً لتوفير كافة سبل الراحة للمسنين، وتقديم أفضل الخدمات الاجتماعية والصحية لهم، ولا تسمح بأي تهاون في حقهم"، مؤكداً أن "مصالحنا تبقى في أهبة الاستعداد لتقديم الدعم لهذه المراكز".
وكذلك نظم قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية زيارات متتالية إلى كل من مستشفى بني مسوس (بلدة تقع في الضاحية الغربية للجزائر العاصمة) ودور المسنين في بلدتي سيدي موسى ودالي إبراهيم، إضافة إلى زيارات مماثلة تندرج في إطار ترسيخ قيم التضامن والتكافل.