قبيل ساعات من جلوس رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى جوار الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، كانت مئات المسيّرات والصواريخ قد انطلقت من إيران باتجاه إسرائيل، مروراً بالعراق، رداً على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، الأمر الذي جعل بايدن يستهل اللقاء بالحديث عن ذلك الهجوم، وتأكيده التزام البيت الأبيض بحماية أمن إسرائيل.
وتحدث السوداني أمام الرئيس الأميركي عن أهمية الزيارة "التي تأتي في ظرف حساس ودقيق بالنسبة للعراق والمنطقة وتطورات الأوضاع فيها"، مؤكداً "ضرورة العمل على عدم التصعيد، ودعم جهود الاستقرار وكفّ العدوان وحماية المدنيين، لا سيما بعد سقوط آلاف الضحايا من الأطفال والنساء الفلسطينيين"، وفق بيان نشره المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي.
بيان مشترك: تعزيز الاستقرار الإقليمي
وفي البيان المشترك عقب المحادثات في البيت الأبيض، ورد أن الرئيس الأميركي رحّب برئيس الوزراء العراقي، و"أكد الرئيسان مجدداً التزامهما بالشراكة الاستراتيجية الدائمة بين العراق والولايات المتحدة، وناقشا رؤيتهما للتعاون الثنائي الشامل بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة لعام 2008، واتفق الرئيسان على أهمية العمل معاً لتعزيز الاستقرار الإقليمي واحترام سيادة العراق واستقراره وأمنه".
ولفت البيان المشترك كذلك إلى تأكيد الرئيس بايدن للسوداني "دعم الولايات المتحدة للعراق في تعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي ودول المنطقة لضمان الأمن والاستقرار"، وناقشا "وجهة نظرهما المشتركة بأن إقليم كردستان العراق جزء لا يتجزأ من الرخاء والاستقرار الشامل في العراق".
أجندة السوداني
وتضمنت أجندة زيارة السوداني التي تكونت من 37 صفحة، تفاصيل لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونغرس والصحافة والشركات الأميركية ومراكز الأبحاث والجالية العراقية.
وبشكل عام، أراد السوداني لزيارته أن تتجاوز القضايا الأمنية باتجاه تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين العراق والولايات المتحدة، إذ خلا الوفد المرافق والذي تكون من 135 شخصية، من رتب عسكرية، ما يوحي بأن التباحث في مهمة التحالف الدولي بالعراق سيكون في آخر المحادثات.
وشهدت الزيارة عقد الاجتماع الأول للجنة التنسيقية العليا المشتركة، بهدف المضي في تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي، في محاور الطاقة، والتعاون المصرفي والمالي، والنقل، ومكافحة الفساد، واسترداد الأموال العراقية، وقطاع الأعمال، إضافة إلى التعليم والثقافة.
كما ستعقد اللجنة المعنية اجتماعها الثاني في شهر تموز (يوليو) المقبل، من أجل التعاون الثنائي.
لقاء البيت الأبيض
وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي حسين علي علاوي، وهو أحد أعضاء الوفد، ان لقاء السوداني وبايدن "كان مهماً في زيارة تأتي بوقت صعب".
وأضاف علاوي في تصريح لـ"النهار العربي"، أن الجانب الأميركي أشاد بالإصلاحات الاقتصادية ومساعي رئيس الوزراء لتطوير قطاع الطاقة وتنشيط قطاع الأعمال في العراق، منوها بأنه جرى "التركيز على نقل العلاقات من الجانب العسكري إلى الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية والصحية والاتصالات".
وأكد علاوي أن "لقاء البيت الأبيض عبّر عن التزام استراتيجي للشراكة وعمل مستدام نحو المستقبل، ووضع خريطة عمل فعالة لمراجعة أبعاد العلاقة بين بغداد وواشنطن وتقييمها وتطويرها".
وخلص إلى أن الزيارة أطلقت "عهداً جديداً" للعلاقات العراقية – الأميركية، وفقاً لتعبيره.
انسحاب القوات الأميركية من العراق
وقبل ساعات من لقاء السوداني وبايدن، قال "معهد الشرق الأوسط" الأميركي إنهما لن يتمكنا من تحديد موعد واضح لانسحاب القوات الأميركية من العراق.
وذكر المعهد أن المطلب الرئيسي للقوى المتشددة في العراق هو أن يحصل السوداني على موعد واضح من بايدن للانسحاب، إلا أنه من غير المرجح أن يتمكن السوداني من تلبية هذه التوقعات بشأن مثل هذا الانسحاب، لافتاً إلى أن "فكرة استمرار المحادثات بين الدولتين بشأن الجدول الزمني للانسحاب المستقبلي، ستساهم في مساعدة السوداني سياسياً".
ورجّح أن بايدن لن يمنح السوداني تعهداً واضحاً يتعلق بموعد الانسحاب، إذ إنه من المرجح أن خصومه من الجمهوريين، سيعتبرون ذلك بمثابة تنازل أمام إيران.
وأشار المعهد إلى أنه "في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر)، وفي ظل اهتمام واشنطن وتركيزها على كبح أي هجوم مضاد من جانب اسرائيل على إيران، فإن ما يتوقعه بايدن بشكل رئيسي من السوداني هو ألا يشكل العراق صداعاً للإدارة الأميركية، ويجبرها مجدداً على اللجوء إلى العمل العسكري".
والتقى السوداني وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في البنتاغون، وأكد حرص حكومته على إدامة العلاقات بين البلدين، مشيراً إلى مرور 10 أعوام منذ تشكيل التحالف الدولي للحرب ضد "داعش"، إذ "قدم الشعب العراقي تضحيات غالية، كما يقدر العراق جهود المجتمع الدولي والأصدقاء في التعاون معه والتصدي للإرهاب".
وقال السوداني إن "أجهزتنا الأمنية اليوم على مستوى عالٍ من الجهوزية"، مؤكداً بدء العمل نحو علاقة شراكة من خلال اللجنة التنسيقية العليا لتقييم الموقف العسكري ومخاطر "داعش"، وقدرات الأجهزة الأمنية للوصول إلى مقترحات تتعلق بجدول زمني لإنهاء مهمة التحالف.
لجنة نيابية تشكك
وتعقيباً على تصريح السوداني، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية النائب ياسر اسكندر وتوت إن "انسحاب قوات التحالف من العراق غير مناسب"، مبرراً ذلك بأن "العراق غير مستعد الآن لإدارة الوضع الأمني بمفرده، انما يحتاج لسنة أو سنتين لدعم منظومة الدفاع الجوي والقوة الجوية وطيران الجيش".
وأضاف وتوت في تصريح لـ"النهار العربي"، أن الأجهزة الامنية والعسكرية لديها مشاكل عديدة تمنع سيطرتها على الملف الأمني في العراق، تتمثل بضعف التسليح وقلة التخصيصات المالية وغيرها.
وكرر عضو لجنة الأمن النيابية تأكيده أن "قرار سحب قوات التحالف يبقى قراراً حكومياً والبرلمان غير مسؤول عنه، إنما القائد العام للقوات المسلحة هو المسؤول، وفي حال اتخاذه في ظل الوضع الراهن فسيكون متسرعاً، ومجرد ترضية للرأي العام".
وأشار المتحدث إلى أن وزير الدفاع العراقي السابق جمعة عناد كان تعاقد مع فرنسا على منظومتي دفاع جوي تنصب واحدة في محافظة الديوانية (جنوباً) وأخرى في كركوك (شمالاً)، لكن لم تتم الصفقة حتى الآن.
ونوّه بأن "العراق لا يملك أية وسائل لمعالجة المسيرات او الصواريخ وغيرها، وبالتالي فاننا بلد غير محمي، وبإمكان أي دولة أن تعبر الحدود بسهولة"، مؤكداً الحاجة "إلى هيكلة القوة الجوية والدفاع الجوي وطيران الجيش".
البطة العرجاء
ويجد المحلل السياسي والأكاديمي العراقي محمد نعناع أن تفعيل اتفاقية الاطار الاستراتيجي واتفاقات الاقتصاد يعني منعطفاً في العلاقات الأميركية - العراقية، لكنه يشكك في ذلك في ظل "وجود موانع ضدية واقعية في داخل العراق وخارجه".
ويقول في حديث مع "النهار العربي"، إن لقاءات السوداني وفريقه الحكومي لم تتطرق الى ملف الانسحاب الأميركي من العراق، وبالتالي فإن الأمر سيثير استياء الإيرانيين وأطراف عراقية كثيرة.
ويضيف أنه من الطبيعي أن يتجنب السوداني موضوع الانسحاب، و"يلجأ الى التركيز على الشراكات الاقتصادية وتفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي، لأن ثمة ضاغطاً أقوى منه في واشنطن".
ويستبعد نعناع أن يكون ثمة تطبيق في الواقع لمخرجات الزيارة، معللاً ذلك بأن "الرئيس الأميركي الآن في آخر عهد ولايته الأولى، وهذا الوضع يسميه الداخل الأميركي البطة العرجاء، إذ يكون فيه الرئيس مسحوب الإسناد من مجلسي النواب والشيوخ، وحتى من المؤسسات الاستراتيجية التي لا تعتمد كثيراً على الحوارات التي يقوم بها مع الأطراف الخارجية".
وإلى جانب ذلك، يشير نعناع الى وجود "معارضة واضحة جداً لتطبيق الاتفاقية الاستراتيجية من أطراف عراقية كانت قد أوصلت السوداني الى سدة الحكم، كون تلك الاتفاقية تتعارض استراتيجيا مع ميولهم العقائدية والايديولوجية".
لقاء بلينكن وتميم
من جهته، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس الاثنين، أن زيارة رئيس الوزراء العراقي لواشنطن خطوة مهمة لتقوية العلاقات بين البلدين وتطويرها.
وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير التخطيط العراقي محمد تميم تابعه "النهار العربي"، إن "زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خطوة مهمة لتقوية العلاقات بين البلدين وتطويرها"، مبينا أن "قطاع الاستثمار الأميركي مهتم بالعراق".
وأضاف "يسرنا مشاهدة العراق ينجح في ملفات الاقتصاد والاستثمار والطاقة"، مشيراً إلى أن "القطاع الأميركي الخاص مهتم جداً بانشاء المشاريع واستثمار الخبرات في العراق".
ويبدو أن قوى "الإطار التنسيقي" التي دفعت بالسوداني الى القصر الحكومي، منقسمة الآن قسمين؛ الأول يؤيد استمرار الدعم الأميركي للنظام السياسي العراقي، بينما الآخر مصمم على إخراج قوات التحالف الدولي التي تقودها واشنطن من العراق.