انشغل الأردنيون طوال الأيام القليلة الماضية، بالحديث عن لجوء إيران السبت الماضي إلى خرق الأجواء الأردنية في سياق مهاجمتها إسرائيل رداً على استهداف قنصليتها في دمشق.
فقد عاش الأردنيون ليل السبت - الأحد، أجواء قلق وخوف، بعدما سقطت شظايا صواريخ إيرانية في العاصمة عمان ومحافظات عدة بمختلف أنحاء المملكة، وسط أنباء كانت تتوالى من وسائل إعلام إيرانية بأن الأردن سيكون الهدف التالي لطهران في حال أقدم على تحركات مناوئة لها، ما دفع الخارجية الأردنية في اليوم التالي إلى استدعاء السفير الإيراني وطلبت من بلاده الكف عن التشكيك في مواقف المملكة.
خشية من تجدد العمليات العسكرية
وفي سياق التداعيات، أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي جو بايدن الأحد الماضي، أن بلاده لن تكون ساحة لحرب إقليمية، في إشارة إلى التصعيد الجديد بين إسرائيل وإيران الذي لا يزال الأردنيون يخشون أن يتفاقم أكثر فأكثر وبالتالي عودة سيناريو تعرض المملكة لمخاطر شبيهة بما حدث قبل أيام أو ربما ما هو أخطر.
فلا تزال إسرائيل وإيران تتبادلان التهديدات بشأن عمليات عسكرية جديدة، إذ تؤكد طهران إن ردّها "سيكون قاسياً على أي تحرك" يستهدف مصالحها، وذلك بعد يوم من إعلان إسرائيل أنها سترد على الهجوم الذي شنته طهران بطائرات مسيَّرة وصواريخ عليها مطلع الأسبوع.
ومنذ سنوات طويلة، ثمة تحفظات وهواجس واعتبارات تفرض إيقاعها على العلاقات الأردنية - الإيرانية بدءاً من الموقف الشعبي السلبي الحاد من السلوك الإيراني حيال الملفات الساخنة في الدول العربية، وفي مقدمها الملفان السوري والعراقي، وكذلك في بلدان عربية أخرى، مروراً بهواجس الدولة في البعد الأمني، ومن أبرز جوانبه محاولة زج الأردن في صراعات المنطقة، وتهريب المخدرات والسلاح من سوريا، إلى الاعتبارات ذات الصلة بالتحالفات الإقليمية والدولية للمملكة، وتحديداً مع دول الخليج والولايات المتحدة.
دفع العلاقات إلى الهاوية
ومن وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر عارف الحديد، فإن "إيران تُصر على دفع علاقتها مع الأردن إلى الهاوية، رغم محاولتها إظهار العكس من خلال الخطاب المعلن الدبلوماسي، إلا أن عمان تدرك جيداً سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أن طهران تبطن عداءً كبيراً وخطيراً للمملكة".
وبشأن التطورات الأخيرة، يقول الحديد لـ"النهار العربي" إن "إيران لم تحترم خصوصية الموقف الأردني في نأيه بنفسه عن أن يكون طرفاً في أي صراع، وأظهرت أن نواياها بشأن المملكة هي نوايا خبيثة بما لا يدع مجالاً للشك، وهو ما كان ظهر أيضاً في تحريك ميليشياتها مع بدء حرب غزة على الحدود العراقية - الأردنية، والتهديد باجتياز تلك الحدود إلى داخل المملكة".
ويرى أن "الأردن بتصديه للمسيرات والصواريخ الإيرانية، أوصل رسالة حاسمة لطهران وغيرها من العواصم، بأنه لن يقبل باستخدام أراضيه أو أجوائه لإشعال المنطقة والإقليم، وهو الذي عادةً ما يتبنى طرحاً متوازناً وسلمياً للأزمات بعيداً عن القتل والعنف والدمار"
وذلك الأمر وفق الحديد، "لا يقتصر على إيران دون إسرائيل، فالأردن بلا شك لن يسمح لتل أبيب في المقابل بأن تخترق الأجواء الأردنية إذا ما أرادت تنفيذ هجمات ضد إيران أو أهداف تابعة لها في أي مكان".
استياء الأردن تضاعف
أما المحلل السياسي والباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور عامر السبايلة، فيقول لـ"النهار العربي" إن "التصريحات الإيرانية بشأن الأردن خلال الهجمات على إسرائيل، غير مقبولة، وأعتقد أن استياء المملكة تضاعف في الموضوع الإيراني، خصوصاً في ما يتعلق بدعمها للميليشيات في جنوب سوريا وموضوع المخدرات والسلاح، واستهداف الداخل الأردني سواء بالتصريحات أو بتغذية نوع من أنواع التحشيد".
ويضيف: "لا يحق لإيران أن تتحدث عن الدور الأردني وهي التي قامت بإرسال مسيرات في سلوك يعد خرقاً للسيادة الأردنية والحدود، فبالتالي على طهران أن تراجع نفسها، وإذا كانت كما تدعي أنها ترغب بعلاقات ودية وعلاقات دائماً طيبة مع الدول المحيطة، فأعتقد أن الأردن أرسل رسالة واضحة في موضوع إسقاط هذه المسيرات وأرسل رسالة واضحة بالرد على إيران، رغم أنه في فترات سابقة كان ينتظر مبادرات حسن نية من طهران لكنها إلى الآن لم تظهر ولم تترجم على الأرض".