النهار

بعد اختبار دولي للطلبة... خشية من تدهور مستوى التعليم في الأردن
عمّان - محمد الرنتيسي
المصدر: النهار العربي
أثارت ورقة سياسات أصدرها منتدى الاستراتيجيات الأردني قبل أيام تحت عنوان "مدخلات التعليم المدرسي ومخرجاته: استغلال الفرص الممكنة لتطوير منظومة التعليم"، ردود فعل واسعة عبرت عن الخشية من تدهور واقع التعليم في الأردن.
بعد اختبار دولي للطلبة... خشية من تدهور مستوى التعليم في الأردن
دعوات إلى إعادة نظر شاملة في المنظومة التعليمية في الأردن.
A+   A-

أثارت ورقة سياسات أصدرها منتدى الاستراتيجيات الأردني قبل أيام تحت عنوان "مدخلات التعليم المدرسي ومخرجاته: استغلال الفرص الممكنة لتطوير منظومة التعليم"، ردود فعل واسعة عبرت عن الخشية من تدهور واقع التعليم في الأردن إثر تراجع لافت في أداء الطلبة باختبار البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA)، وكذلك مؤشر إتقان اللغة الإنكليزية.

المنتدى استعرض نتائج الأردن في أحدث اختبار (PISA) والذي يهدف لتقييم مستوى التطبيق المعرفي والمهارات الأساسية للطلبة في سن الـ15 عاماً في مجالات الرياضيات والعلوم والقراءة، وقام بدراستها وإجراء مقارنات مع بعض الدول الأجنبية والعربية المشاركة لتحديد مستوى أداء الطلبة الأردنيين.

وأظهرت النتائج أن أداء الأردن تراجع بشكل واضح في التصنيف العام لاختبار (PISA) وبواقع 11 مرتبة مقارنة مع الاختبار السابق، ليحل في المرتبة 75 ضمن قائمة البلدان المشاركة من أصل 81 دولة، ويأتي بذلك في المرتبة 5 من أصل 6 دول عربية مشاركة فقط في التقرير.

وجاء في ورقة سياسات المنتدى أن "هذا الأداء الضعيف يعزى إلى تراجع الأردن في مجالات الاختبار الثلاث (القراءة، الرياضيات، العلوم)"، مشيرة إلى أن "الأردن ثاني أعلى تراجع بعد ألبانيا بين جميع الدول المشاركة في مجال الرياضيات".

كما أظهرت النتائج، أن ما نسبته 17% من الطلبة في الأردن قد حققوا مستوى إلمام 2% فقط في مجال الرياضيات، وهو أقل من المتوسط العام لدول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشكل كبير (69%).

قلق عميق في الأوساط التربوية والأكاديمية
ومن وجهة نظر رئيس جامعة آل البيت الأردنية السابق البروفيسور هاني الضمور، فإن "الأردن شهد في السنوات الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في مستوى التعليم، مما أثار قلقاً عميقاً بين الأوساط التربوية والأكاديمية".
 

ويعزو الضمور في حديثه لـ"النهار العربي"، ذلك التراجع إلى عوامل رئيسية عدة أبرزها تكرار تغيير وزراء التربية والتعليم، حيث يُعتقد أن الأردن قد شهد أكثر من 20 وزيراً للتربية والتعليم خلال العقدين الماضيين. وهذا الأمر يؤدي إلى انعدام الاستمرارية في السياسات التعليمية والبرامج التطويرية، مما يجعل النظام التعليمي يفتقر إلى الثبات والتناسق اللازمين لتحقيق التقدم".

وبالإضافة إلى ما سبق، تطرق الضمور إلى "مسألة تعيين وزراء غير مختصين في مجال التربية والتعليم، ذلك أن الخبرة والتخصص في هذا المجال أمر حاسم لتطوير وتنفيذ استراتيجيات تعليمية فعّالة. والافتقار إلى هذا التخصص قد يعوّق قدرة الوزارة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة والتعامل مع التحديات المعاصرة".

ويقول: "الطلاب هم من يدفعون ثمن تلك السياسات، إذ يواجهون تحديات في الحصول على تعليم جودته عالية يمكنهم من المنافسة على مستوى العالم، وخصوصاً أن تراجع جودة التعليم يؤثر أيضاً على المجتمع الأردني ككل، حيث إن الفقر والبطالة يمكن أن يتفاقما بسبب نقص المهارات والقدرات المطلوبة في سوق العمل".

أما المطلوب وفق ما يؤكد الضمور، فهو "ضرورة أن تعمل الحكومة الأردنية على استقرار القيادة في وزارة التربية والتعليم، وضمان تعيين وزراء لديهم الخبرة والتخصص اللازمان، كما يجب على الحكومة التركيز على تطوير البرامج التعليمية والاستثمار في تدريب المعلمين وتحسين البنية التحتية للمدارس لضمان بيئة تعليمية ملائمة وفعّالة".

"المهم هو إجراءات المرحلة المقبلة"
من جهتها، ترى الخبيرة التربوية ومديرة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم السابقة الدكتور ريما زريقات، أن "نتائج الاختبار الدولي أخذت مساحة كبيرة من النقاش والاهتمام الإعلامي، وسط استياء الجميع من النتائج التي اعتُبرت إساءة لسمعة التعليم في الأردن".
 

لكن المهم وفق ما تقول زريقات لـ"النهار العربي" هو المطلوب فعله في المرحلة المقبلة، وأبرزه "إدراج الاختبار الدولي (PISA) بأنشطة وإجراءات تفصيلية في الخطة الإجرائية للمدارس والمديريات، وتحديد مسؤوليات التنفيذ، بالإضافة لعقد ورشات توعوية وتدريبية لجميع المعنيين".

وتضيف أنه يجب "تدريب مديري مركز الوزارة ومشرفيه، خاصة أن غالبيتهم جدد وهم غير مطلعين على تفاصيل هذا التقييم، وكذلك تدريب المشرفين المتخصصين في الرياضيات والعلوم واللغة العربية، ولا سيما أن ثمة عدداً منهم حديثو التعيين بالإشراف وأيضاً قد لا تكون لديهم معرفة واطلاع تفصيلي وهم معلمون، مثلما ينبغي تدريب معلمي الرياضيات والعلوم واللغة العربية تدريباً تخصصياً، تدريب المشرفين الإداريين ممن يتابعون المدارس بهذا الشأن، وتقديم تقارير إشرافية أسبوعياً لأصحاب القرار".

كما تدعو إلى "تخصيص ربع ساعة يومياً لتدريب الطلبة على أسئلة اختبار (PISA) ضمن المقرر الدراسي والمحتوى التعليمي وإدراج الأسئلة في الاختبارات الشهرية واختبار نهاية الفصل للمباحث المعنية، وتوثيق ذلك ومتابعته من مديري المدارس والمشرفين المتخصصين، فضلاً عن تفعيل استراتيجيات التدريس الحديثة، خصوصاً التعلم النشط والمشاريع وحل المشكلات والتفكير الناقد".

وتؤكد زريقات أهمية "اعتماد نموذج تصحيح يعتمد على طريقة تفكير الطالب في حل الأسئلة لكسر حاجز الخوف والابتعاد عن حلها أو النفور منها، وتفعيل دور التكنولوجيا والتطبيقات الإلكترونية في ترسيخ المفاهيم لدى الطالب، وكذلك الاستفادة من سفراء جائزة الملكة رانيا العبد الله بهذا الشأن، وتنفيذ زيارات ميدانية متكررة للمدارس بما فيها المدارس الخاصة ووكالة الغوث والثقافة العسكرية ومخيمات اللاجئين".

يشار إلى أن من بين أبرز التصريحات التي أثارت جدلاً أردنياً خلال الأعوام الأخيرة، ما ذكره وزير التربية والتعليم الأسبق محمد الذنيبات، بأن ثمة نحو 100 ألف من طلبة الصفوف الدراسية الثلاثة الأولى لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، بينما قال وزير التربية والتعليم الحالي عزمي محافظة إن "ثمة طلبة في الصف العاشر لا يعرفون القراءة والكتابة".

وتصل نسبة الإنفاق العام على التعليم إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن بالمتوسط 3.2% سنوياً وهي نسبة منخفضة نسبياً، بما يقارب ملياري دولار.

توصيات منتدى الاستراتيجيات
وبالعودة إلى ورقة سياسات منتدى الاستراتيجيات، فقد أوصت بضرورة زيادة الاستثمار في التعليم، من خلال رفع مستوى الإنفاق العام على القطاع (تحديداً الإنفاق الرأسمالي، والإنفاق على البحث والتطوير في مجال التعليم) من أجل تحسين البنية التحتية وتوفير الموارد اللازمة للمدارس والمعلمين، وبما يتوافق مع الاحتياجات التنموية للأردن.
 

وكذلك دعت إلى إجراء دراسات شاملة لتقييم مستوى البنية التحتية للمدارس الحكومية، وأيضاً تحديد الجدوى الاقتصادية من استئجار مبانيها أو امتلاكها، وأسس صيانتها، وأهمية تطوير نظام مراقبة الجودة للتأكد من تحقيق مخرجات التعليم المرجوة.

وتحدثت عن ضرورة تطوير برامج تدريب المعلمين، من خلال توفير برامج تدريب شاملة ومستمرة للمعلمين لتحسين مهاراتهم ومعارفهم تستند إلى التقييم والمتابعة، وخاصة في مجالات اللغة الإنكليزية والرياضيات والتحليل والتفكير الإبداعي والعلوم وتوظيف التكنولوجيا.

وأوصت كذلك بأهمية تعزيز استخدام التكنولوجيا في التعليم لتحسين تجربة الطلبة، وتوفير محتوى تعليمي متميز يستند إلى المهارات والمعارف المعاصرة، والتعليم المدمج، بالإضافة الى تعزيز البحث العلمي في المدارس ودعمه.

وأضافت أنه لا بد من تعزيز التفكير الإبداعي والتحليلي لدى الطلبة، وتشجيع الطلاب على تطوير مهاراتهم التحليلية، علاوة على شمول المناهج التعليمية لمهارات التحليل والإبداع.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium