النهار

زيارة إردوغان التاريخية لإقليم كردستان... معالجة "واقعية" لأزمات مستعصية؟
رستم محمود
المصدر: النهار العربي
فتحت زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لإقليم كردستان العراق الاثنين، الأبواب أمام حلحلة العديد من الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين الطرفين.
زيارة إردوغان التاريخية لإقليم كردستان... معالجة "واقعية" لأزمات مستعصية؟
إردوغان ومسعود بارزاني في أربيل. (أ ف ب)
A+   A-
فتحت زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لإقليم كردستان العراق الاثنين، الأبواب أمام حلحلة العديد من الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين الطرفين. فالزيارة هي الأولى من نوعها على الإطلاق من رئيس تركي لكيان ذي هوية كردية، وذلك بسبب الحساسية التاريخية للمسألة الكردية في كل من تركيا والعراق.
 
إردوغان وصل إلى مدينة أربيل، عاصمة الإقليم، آتياً من العاصمة العراقية بغداد، التي أجرى فيها لقاءات رسمية في زيارة استمرت بضع ساعات. كبار مسؤولي الإقليم كانوا في استقبال إردوغان، من رئيسه نيجرفان بارزاني ورئيس الوزراء مسرور بارزاني ونائبه قوباد طالباني والعديد من الوزراء، الذين عقدوا اجتماعاً موسعاً مع أردوغان والوفد المرافق له والذي ضمّ أغلب الوزراء الأساسيين في الحكومة التركية.

وقالت رئاسة الإقليم في بيان رسمي "إنّ الاجتماع ناقش زيارة الرئيس إردوغان لبغداد، ولقاءاته مع كبار المسؤولين العراقيين، وعلاقات تركيا مع العراق وإقليم كردستان، بخاصة في المجالين الاقتصادي والتجاري والتعاون الأمني". وأضاف البيان "أنّ الرئيس نيجيرفان بارزاني أعرب خلال الاجتماع عن رغبة إقليم كردستان في تطوير العلاقات مع الجمهورية التركية في كل المجالات، وأكّد أنّ الإقليم سيكون دائماً عامل سلام واستقرار في المنطقة، كما شكر تركيا على دعمها لإقليم كردستان".

الرئيس التركي أكّد بعد الاجتماع دعم بلاده "المتواصل للعراق وإقليم كردستان، واستعداد بلاده للتعاون ومواصلة توسيع العلاقات معهما في مختلف المجالات"، مشدّداً على ضرورة الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة وحل المشاكل وضمان حقوق المكونات.

 
وخلال الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس إردوغان لبغداد خلال اليوم نفسه، تمّ توقيع 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الطرفين. وقال الرئيس التركي خلال اجتماعه بالمسؤولين الأكراد إنّه أطلعهم على تفاصيلها، متمنياً عليهم التعاون بشأنها، ومؤكّداً استعداده لدعم العراق وإقليم كردستان "بما يعزز الاستقرار الإقليمي والتعاون والتنسيق في مختلف المجالات، وتعميق مبادئ حسن الجوار وتعزيز العلاقات الاقتصادية".
 
قضايا عالقة
مصدر سياسي كردي شرح في حديث لـ"النهار العربي" القضايا الرئيسية الثلاث التي تشكّل راهناً نواة العلاقة بين الإقليم وتركيا، وكيف أنّ أربيل تريد معالجتها مع أنقرة وبغداد عبر الحوار، حتى لا يكون الإقليم ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة بشأنها. وقال إنّ "التوجّه الأمني التركي تجاه مقاتلي حزب العمال الكردستاني المنتشرين في بعض مناطق الإقليم يثير قلق القادة المحليين. فالإقليم يتمنى أن يكون خارج هذه المعادلة الصراعية بين الطرفين، وألّا تنفذ تركيا تهديداتها باجتياح شامل لمناطق سيطرة مقاتلي العمال الكردستاني، سواءً في منطقة قنديل الجبلية، أو منطقة سنجار في عمق العراق. ويربط القادة في الإقليم عدم حدوث ذلك بتطور إيجابي للمسألة الكردية سياسياً في تركيا نفسها، كما كان خلال سنوات 2009-2015، حيث كان الإقليم وسيطاً مُسهّلاً لها، قبل أن تفشل تماماً وتدخل المسألة الكردية مرحلة الصراع العسكري المفتوح".
 
وتابع المصدر: "الملفان الآخران اقتصاديان تماماً، وإن كانا مرتبطين بالعلاقات السياسية بين الأطراف الثلاثة، تركيا، العراق وإقليم كردستان، وتمّت مناقشتهما مطولاً خلال زيارتي أردوغان لكل من بغداد وأربيل. فتركيا تدّعي قبولها بتصدير نفط إقليم كردستان مباشرة ومن دون شروط، معتبرة عدم الاتفاق بين الإقليم والحكومة الاتحادية بشأن عقود الشركات الأجنبية هو السبب في توقف التصدير، وتشجيعها للطرفين للوصول إلى حلول بشأنها. لكن الإقليم يرى ويطالب أن يكون ملف تصدير نفط الإقليم جزءاً من خطة "طريق التنمية" بين البلدين، والذي يمر عبر الإقليم جغرافياً، ويتطلع لتحقيق مستويات من التنمية المستدامة، عبر خدمات نقل البضائع بين أوروبا ودول شرق آسيا".
 
تحوّلات تركية في المسألة الكردية؟
الباحث في الشؤون السياسية فرات جافرش شرح لـ"النهار العربي" عن زيارة إردوغان لإقليم كردستان قائلاً إنّها تشكّل مؤشراً إلى تحولات قد تجري في مقاربة تركيا للمسألة الكردية في تركيا والمنطقة في الأفق المنظور. وأضاف: "حتى قبل أسابيع قليلة، لم يكن واضحاً إذا ما كان الرئيس إردوغان سيزور إقليم كردستان خلال زيارته للعراق. لكن عوامل عدة دفعته لذلك، وأغلبها داخلي تماماً. فالانتخابات المحلية وجّهت ضربة سياسية واضحة لأردوغان، وإمكان إنجازه لمشروعه السياسي الأوسع، المتمثل بإقرار دستور جديد للبلاد، متجاوزاً كل الطبقة السياسية في تركيا، بما في ذلك حزب "ديموقراطية الشعوب" المؤيّد للأكراد. كذلك لم تحقق الحملة العسكرية التركية (القفل- المخلب) أهدافاً سريعة، وليس واضحاً إن كانت تركيا ستتمكن من تنفيذ عمليات عسكرية موسعة ضدّ المقاتلين الأكراد في العراق، بسبب التعقيدات الإقليمية".
 
يتابع جافرش: "كل ذلك يدفع الرئيس إردوغان ليكون أكثر واقعية وأقل حدّة في مقاربة مسألة مثل القضية الكردية، محافظاً على إقليم كردستان كمرتكز سياسي يمكن العودة والاعتماد عليه في أي وقت، لاتخاذ ما هو مخالف للمعادلة الصفرية التي يتعامل بها راهناً مع هذا الملف الحسّاس".
 
وكان إردوغان التقى خلال زيارته لأربيل بزعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، وهو ما شكّل دلالة على البُعد السياسي للزيارة. كذلك شارك نائب رئيس حكومة الإقليم والقيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني قوباد طالباني في استقبال الرئيس التركي والاجتماع الموسع معه، في وقت تشير تركيا مراراً إلى العلاقة بين الاتحاد الوطني وحزب العمال الكردستاني، وبسببها تفرض حصاراً جوياً على مطار السليمانية المدني.
 

اقرأ في النهار Premium