تترقب منطقة الشورجة في العاصمة العراقية بغداد بقلق إجراءات جديدة تعتزم السلطات المحلية اتخاذها، في سياق تحسينات مزمعة في شكل المنطقة ومحالّها.
وتجتذب الشورجة شتى صنوف العاطلين من العمل، ومنهم متخرجون لم يحصلوا على وظائف. وتهدد الإجراءات المزمعة مصدر دخل مئات الأشخاص، وفق ما يقول كثيرون منهم. فمن وجهة نظر السلطات الحكومية المعنية، فإن شكل الشورجة صار يعكس تشوهاً بصرياً، إضافة إلى أن المنطقة تسبب ازدحامات سير خانقة في العاصمة، فيما ينظر إليها آخرون باعتبارها من تبعات الحصار الاقتصادي وأيام القحط في التسعينات، ومظهراً مقترناً بالحركة التجارية اليومية.
تاريخ وذكريات
وتقع المنطقة المذكورة في وسط بغداد، وتحظى أسواقها الشعبية بشهرة واسعة في العراق وحتى خارجه لما تحمله في ذاكرة كل من عاش فيها أو في محيطها على مدى السنين. ويعود تاريخ إنشائها إلى عصر الدولة العباسية، وتمتد حالياً من شارع الكفاح ثم شارع الجمهورية حتى موقع جامع مرجان في شارع الرشيد.
ومع أن أسواق الشورجة تعتبر من الأكثر اكتظاظاً أيام الجمعة بالمتسوقين والعمّال وأصحاب بسطات الأرصفة، إلا أنها تواجه اليوم تحديات جديدة بعدما قرر مجلس الوزراء العراقي إزالة التجاوزات ومنع الباعة المتجولين، وخصوصاً في مناطق الشورجة وبغداد الجديدة وبعض الأسواق المزدحمة، في سياق خطة الحكومة لمعالجة الازدحامات المرورية التي أقرتها الشهر الماضي.
أسواق منوّعة
وللتعرف أكثر على أجواء أسواق الشورجة ومنطقة باب الشرقي، توقفنا عند عباس الكفاحي (62 عاماً)، وهو أحد أهالي المنطقة الذين ترعرعوا فيها. ويقول لـ"النهار العربي": "من ساحة الطيران قرب ساحة التحرير إلى باب المعظم، تمثّل هذه المنطقة فضاءً واسعاً للفقراء الذين يعرضون بضائعهم من ملابس البالة والأدوات المنزلية وغيرها على أرصفة الشوارع، ما يشكل مصدر دخل جيد بالنسبة اليهم، وفيها أيضاً اسواق عديدة مثل سوق الصابون والملابس والطيور والكتب والسجائر والكهرباء وجميعها مرتبطة بتاريخ بغداد".
ويضيف أن "أحد أسباب كثرة الباعة المتجولين والبسطات التي نشاهدها اليوم في الشورجة وباب الشرقي يعود الى فترة التسعينات، أيام الحصار والفقر في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، وبقيت حتى هذا اليوم إذ لا يستغني عنها الناس كونها أسواقاً متوارثة من الأجداد إلى الأبناء".
ويلفت الكفاحي إلى أنه في مرحلة "ما بعد عام 2003 حاولت الحكومات العراقية رفع العديد من التجاوزات في المنطقة المذكورة، إلا أنها لم تنجح لأن الأمر أصبح واقع حال لا يمكن التخلي عنه"، مشيراً إلى مشاجرات تحصل أحياناً بين أصحاب البسطات والبلدية عند محاولة تنفيذ قرار برفع التجاوز عن رصيف ما.
ردّ أمانة بغداد
وعن موقف السلطات المحلية، يوضح المتحدث باسم أمانة بغداد محمد الربيعي أن "موضوع رفع البسطات له علاقة بمشاريع فك الاختناقات المرورية، فبعد تطوير شوارع العاصمة وتوسيعها صار حوض الشارع خطاً أحمر ولا يمكن التجاوز عليه من قبل الباعة المتجولين"، مضيفاً لـ"النهار العربي" أن "الأرصفة مخصصة لسير المواطنين ولا يمكن أن تستغل بهذا الشكل من الباعة وأصحاب البسطات".
وتعلن أمانة العاصمة حرصها على تنفيذ واجهة حضارية تراعي الذوق العام خلال الفترة المقبلة، كما يذكر الربيعي. ويضيف أن "الخطة المقبلة لأمانة بغداد هي تطوير العاصمة بكل طرقها وأرصفتها ضمن حزمة مشاريع فك الاختناقات، ولا يمكن أن تبقى الأمور سائبة منذ 20 عاماً بحيث يفترش أي شخص الشارع أو الرصيف لغرض البيع بطريقة غير مقبولة".
أي بدائل؟
وعند تنفيذ عمليات إزالة التجاوزات، ما هي الحلول والمواقع البديلة لاحتواء أصحاب البسطات والباعة المتجولين في الشوارع والمناطق الحيوية؟
يجيب المسؤول الحكومي أن "أمانة بغداد لا تهمل الباعة ولا تريد قطع رزقهم، فثمة بدائل وطنية، بدءاً من تقليل نسب البطالة وزيادة المنتوج الوطني وتطوير القطاع الخاص وتحديد برامج الضمان الاجتماعي... هذه كلها ستؤدي الى تقليل الطلب على الوظيفة الحكومية، كما أن المدن الجديدة التي تمت المباشرة بها ستوفر فرص عمل كثيرة للشباب، ولا سيما للمتخرجين منهم".
ويقول المواطن حسن نعمة الذي يملك بسطة بالة لبيع الملابس، إن "هذا قوتنا اليومي أنا وأسرتي ولا يمكنني تركه"، مضيفاً لـ"النهار العربي" أنه يعمل في البسطة منذ نحو 20 عاماً، و"رغم المطاردات التي أتعرض لها من السلطات إلا أنني مستمر بمزاولة هذه المهنة التي لا أعرف بديلاً منها".
ويشكك نعمة، وهو أب لأربعة أطفال ويسكن مع عائلته في شقة مستأجرة في الشورجة، بوعود الحكومة "توفير البدائل"، قائلاً إن "على الجهات الحكومية أن تخصص لنا مساحة للبسطات أو بدائل كالتعيين في وظائف، وإلا لن نترك عملنا الذي نعتبره مصدر رزقنا الوحيد".