تزايدت المؤشرات إلى احتمال تأجيل الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق، والمقرّرة بعد شهر من اليوم، عقب تسريبات عن توافق بين رئاسة إقليم كردستان مع الأحزاب السياسية العراقية الرئيسية، ضمن تحالف "إدارة الدولة"، في وقت أعلن الاتحاد الوطني الكردستاني اعتراضه على أي تأجيل للانتخابات، ما قد ينحو بالأزمة السياسية في الإقليم إلى تعقيدات إضافية.
التسريبات جرى تناقلها عقب الزيارتين المتتاليتين لرئيس الإقليم نيجرفان بارزاني للعاصمة بغداد خلال الأسابيع الماضية، ولقائه مختلف القادة السياسيين العراقيين، وتصريحاتهم بعد الاجتماعات، والتي أكّد فيها الجميع على أهمية مشاركة كل قوى الإقليم السياسية في أية انتخابات مقبلة، في إشارة إلى صعوبة إجرائها في ظل مقاطعة الحزب الديموقراطي الكردستاني لها، وهو أكبر أحزاب الإقليم، الذي كان أعلن مقاطعته الاستحقاق بسبب قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ألغت مقاعد "كوتا القوميات" ضمن تشكيلة البرلمان، وقسّمت الإقليم إلى 4 دوائر انتخابية، بعدما كان دائرة واحدة، ما اعتبره الديموقراطي الكردستاني تجاوزاً لاختصاصات المؤسسات الدستورية في الإقليم.
كما أنّ مواقف الخارجية الأميركية أثناء زيارة رئيس الإقليم لواشنطن أكّدت تلك المعلومات بشكل غير مباشر، إذ قال متحدث رسمي باسمها "ندرك أنّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية تحتاج إلى بعض الوقت لإجراء التغييرات التي تتفاوض بشأنها الأطراف السياسية". وأضاف: "نعتقد أنّ التوصل إلى اتفاق بين الأطراف مهم، وإذا كان هذا الاتفاق يستوجب تأجيل الانتخابات لفترة قصيرة، فإنّ الولايات المتحدة لا تعارض ذلك".
أي ضمانات لـ"الديموقراطي"؟
لكنّ أياً من الأطراف لم يكشف الضمانات التي حصل عليها الحزب الديموقراطي الكردستاني من القوى السياسية العراقية بشأن إمكان تعديل القرارات الخاصة بانتخابات الإقليم الصادرة عن المحكمة الاتحادية العراقية. فالديموقراطي اتخذ قراراً قطعياً بعدم المشاركة بعد هذه القرارات، في وقت لا توافق القوى العراقية المركزية الشيعية على التراجع عن قرارات المحكمة، حتى لا تكون بمثابة سابقة يمكن قياس باقي قرارات المحكمة بها.
المفوضية العراقية المستقلة للانتخابات أكّدت استمرار عملها بحسب الجدولة التي خطتها، على أساس أن يكون العاشر من شهر حزيران (يونيو) المقبل موعداً للانتخابات، مؤكّدة التريث في بعض الإجراءات التي تتطلّب صرف مبالغ مالية مرتفعة، مثل طبع الأوراق الانتخابية، لأنّ المفوضية بحسب المتحدث الرسمي باسمها تتابع الأحاديث بشأن إمكان تأجيل الانتخابات.
بافل طالباني إلى بغداد؟
معلومات خاصة حصل عليها "النهار العربي"، أكّدت استعداد زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني لزيارة العاصمة بغداد، ولقاء مختلف القوى السياسية العراقية التي صدرت عنها تصريحات بشأن إمكان تأجيل انتخابات الإقليم، مضيفة أنّ هذه المواقف غير متوافقة مع التحالف الجامع بين "الاتحاد" وتلك القوى الشيعية، ورفض الحزب الكردي لأي مساعٍ للتأجيل، خصوصاً أنّها بحسب رأيه تأتي من خارج المؤسسات الدستورية التقليدية.
الكاتب والباحث في الشؤون السياسية رفعت حاج صبري شرح في حديث لـ"النهار العربي" العوامل المؤثرة في المأزق السياسي الحالي في الإقليم، والذي توقّع استمراره في الأفق المنظور، وقال: "لا يمكن لنا إغفال أنّ موقعي الحزبين الرئيسيين في الإقليم، الاتحاد والديموقراطي الكردستاني، تغيّرا تباعاً خلال العامين الماضيين. فمنذ نهاية ولاية برلمان الإقليم عام 2022، كان الاتحاد الوطني يرفض المشاركة في الانتخابات من دون تغيير قانون الانتخابات، في وقت كان الديموقراطي يدعو لإجرائها بأسرع وقت. وحينما أصدرت المحكمة الاتحادية قراراتها، انقلبت المواقف تماماً، وصار الديموقراطي الكردستاني يعتبر نفسه معارضاً. هذه المواقع قد تتغيّر تماماً في حال التأجيل وإحداث تأثير في قانون الانتخابات. هذه التحولات تدل على بنيوية الأزمة، وفشل النُخب السياسية في الإقليم التوافق على سياق سياسي واضح، فأزمة البرلمان في المحصلة تأتى من مجموعة خلافات بينية أخرى، أساسها إحساس كل طرف حصول الآخر على أكثر مما يستحق في اللعبة السياسية".
إضعاف "الديموقراطي"؟
يضيف حاج صبري: "من دون شك يسعى الكثير من القوى السياسية العراقية المقرّبة من إيران إلى إضعاف موقع الديموقراطي الكردستاني وثقله ضمن الفضاء السياسي في الإقليم، لكنها تخشى في المحصلة من احتمال وصول الأمور إلى لحظة لا يُمكن ضبطها، خصوصاً أنّ الديموقراطي الكردستاني لديه علاقة استراتيجية مع دول مثل تركيا والولايات المتحدة، ومثلها الكثير من الدول العربية والإقليمية الأخرى. لأجل ذلك، فإنّ السؤال الأساسي يتعلق بإمكان عودة قيادة الحزبين الرئيسيين وتوصلهما إلى حلول وسط وناجزة في ما بينهما، خصوصاً على المستوى السياسي".
يحق لرئيس إقليم كردستان إعلان تأجيل انتخابات الإقليم، على أن يُحدَّد موعد جديد متفق عليه مع المفوضية العراقية للانتخابات، لكن المراقبين يعتقدون أنّ رئيس الإقليم لن يصدر أمراً بذلك قبل مفاوضات شاقة ومطولة مع مختلف الأحزاب السياسية في الإقليم، وعلى رأسها الاتحاد الوطني الكردستاني.