تشكل نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأردنية المقرر إجراؤها في 10 أيلول (سبتمبر) المقبل، هاجساً لدى مراكز صنع القرار في البلاد، وخصوصاً أنها أول انتخابات في ظل تحديث المنظومة السياسية التي شملت تعديلات دستورية وإقرار قانونين جديدين للأحزاب والانتخاب، وبعد تدهور في نسب مشاركة الأردنيين بانتخاب ممثليهم في مجلس النواب.
فقد بلغت نسبة المشاركة بالاقتراع في الانتخابات الماضية 29.9% فقط، بينما بلغت في الانتخابات التي سبقتها 36%. وراوحت النسبة منذ أول انتخابات برلمانية أعقبت عودة الحياة البرلمانية في الأردن عام 1989 حتى انتخابات عام 2013 بين 56.69% و61.7%، ما يؤشر إلى عزوف كبير من الأردنيين عن المشاركة، على الأقل خلال آخر استحقاقين انتخابيين.
تدهور ثقة الأردنيين بالبرلمان
يرى المدير التنفيذي في مؤسسة "مسارات للتنمية والتطوير" طلال غنيمات أن ذلك أمر طبيعي، معتبراً في حديث لـ"النهار العربي" أن السبب الرئيسي هو تدهور ثقة الأردنيين بالبرلمان نتيجة ضعف أداء غالبية أعضائه، بالإضافة إلى غياب البرامج والكتل الفاعلة، بل الاعتماد على الأداء الفردي ذي البُعد الخدمي القائم على مصالح النائب مع قواعده الشعبية، ما أدى بالتالي إلى غياب أي موقف نيابي بارز في القضايا الوطنية، ولا سيما السياسية والاقتصادية منها.
إلا أن الإصرار الملكي على تطوير الحياة الديموقراطية والسياسية "يؤسس لمرحلة جديدة من المفترض أن تشهد تصويباً لجميع الاختلالات التي تتعلق بالحياة السياسية في الأردن وتعيد بناء ثقة الشارع بالحكومة والبرلمان"، وفق غنيمات، الذي يشير إلى أن "الأوراق النقاشية للملك من 2012 حتى 2017، شكلت أساساً ودافعاً قوياً لتطوير الحياة السياسية، وشهد عام 2021 تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي أثمرت توصياتها مجموعة من التشريعات المهمة، التي ستثمر تشكيل حكومات برلمانية بحضور قوي للشباب والنساء".
وتطرق غنيمات إلى أهمية إيجاد حلول اقتصادية من شأنها تحسين الواقع المعيشي للأردنيين، معتبراً أن تدهور الأوضاع المعيشية يلعب دوراً مهماً في عدم اكتراث الكثير من المواطنين بأي نشاط سياسي، ومشدداً في الوقت ذاته على أهمية أن تقدم الأحزاب بدورها خطاباً متقدماً مدعوماً بالبرامج الواقعية، وبالتالي إقناع الشارع بأن أداءها سيخرج بالفعل عن الجمود والنهج التقليدي، وتكون قادرة بالدرجة الأولى على استقطاب فئة الشباب بوصفهم رافعة للمشهد السياسي برمته لا للأحزاب وحسب.
الأردن أمام محطة استثنائية
من جهته، يقول الأمين العام لحزب "النهج الجديد" الدكتور فوزان البقور العبادي، إن الأردن "أمام محطة استثنائية تتجسد في الانتخابات المقبلة التي تعد بمثابة استفتاء شعبي على منظومة التحديث السياسي برمّتها"، معتبراً أن إنجاح المشهد ليس مسؤولية طرف دون غيره، إنما مسؤولية جميع الأطراف وفي مقدمها الشارع الأردني.
ويضيف العبادي لـ"النهار العربي"، أنه لا يمكن القفز عن اهتزاز ثقة المواطنين بالحكومة والبرلمان بسبب تراكمات تتعلق بالسياسات والأداء، "إلا أن الدولة، من خلال منظومة التحديث السياسي، أوجدت بيئة حقيقية تهيئ لعلاقة جديدة بين المواطن ومختلف المؤسسات"، معتبراً أن "إعادة بناء الثقة تحتاج إلى إيمان المواطن بأن هناك نهجاً جديداً بالفعل يُترجم على أرض الواقع لا في الخطابات وحسب".
ووفق العبادي، فإن الشارع الأردني لديه مواقف سلبية تجاه تكرار الوجوه والأسماء في مراكز صنع القرار والبرلمانات المتعاقبة، إلا أن التعويل هذه المرة على صعود دماء جديدة من الكفاءات ضمن أحزاب تتبنى برامج واقعية قابلة للتطبيق، وصولاً إلى المرحلة التي تتمكن فيها تلك الأحزاب من تشكيل الحكومات من خلال البرلمان.
وتطرق بهذا الخصوص إلى أهمية التعديلات التي تتعلق بالشباب، واشتراط أن تكون نسبتهم في تأسيس الأحزاب 20%، بالإضافة إلى خفض سن الترشح إلى 25 عاماً بدلاً من 35، وأن يكون شاب واحد على الأقل ضمن الأسماء الخمسة الأولى في القوائم الحزبية المرشحة لخوض الانتخابات البرلمانية.
ويتوقع العبادي أن ترتفع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة وإن بنسبة متواضعة، إلا أن ذلك يشكل من وجهة نظره مُعطى يجب البناء عليه لتعزيز تفاعل ثقة الشارع وتفاعله مع الاستحقاقات الوطنية.
كسر حالة العزوف
إلى ذلك، يقول مسؤول حكومي لـ"النهار العربي" بعدما طلب عدم ذكر اسمه، إن مراكز صنع القرار في الدولة تنظر إلى الانتخابات المقبلة بوصفها مؤشراً مهماً لقياس مدى انسجام الشارع الأردني مع طروحات التحديث السياسي وإجراءاته، مؤكداً أن "أكثر ما يهم هنا هو كسر حالة العزوف عن المشاركة في الاقتراع، لأن بقاءها بمستوى متدنٍ أمر مثير للاستياء والقلق".
ويضيف أن "الاهتمام الملكي وما أفرزته لجنة تحديث المنظومة السياسية يجب أن تكون كفيلة بإحداث تحول حقيقي يؤمن به الجميع ويدفع لإنجاحه، لأن انعكاساته الإيجابية لن تقتصر على جهة دون غيرها، بل تعبر عن نجاح وطني يطال الجميع"، متوقعاً بهذا الخصوص أن "تشهد نسبة المشاركة في الاقتراع ارتفاعاً مُرضياً يمكن البناء عليه بحيث ترتفع النسب تباعاً".
ويؤكد أن "مسيرة التحديث ستستمر كما خُطط لها وصولاً إلى حصول الأحزاب على غالبية المقاعد في البرلمان، وبالتالي قدرتها على تشكيل الحكومات"، لافتاً إلى أن "الأردن قفز قفزة كبيرة بما أنجزه في الملف السياسي خلال السنوات الأخيرة، وسيظل مواكباً لأي تطوير أو تحديث من شأنه أن ينعكس على النهج الديموقراطي عامةً".