يستمر الخلاف بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية بشأن آلية توطين رواتب موظفي إقليم كردستان، بعدما فرضت المحكمة الاتحادية على الحكومة دفعها للإقليم، أياً تكن الخلافات السياسية بين الحكومتين، ومن دون تأخير.
حكومة الإقليم تطالب بأن تكون كتلة رواتب موظفي الإقليم موضوعة في حسابات عدد من المصارف المحلية، وتكون هذه الأخيرة مرتبطة بمؤسسات مالية أنشأها الإقليم لموظفيه تحت مسمى "حسابي"، يستطيعون عبر منافذها المالية الحصول على رواتبهم. لكن السلطة الاتحادية تريد لموظفي الإقليم فتح حسابات في المصارف الاتحادية للحصول على رواتبهم.
نحو أتمتة التعاملات المالية
مبادرة "حسابي" هي واحد من مشاريع حكومة الإقليم التي أُعلنت قبل قرابة عام، وتهدف إلى أتمتة التعاملات المالية بين وزارة المالية في الإقليم وقرابة مليون موظف عمومي، عبر منحهم حسابات وبطاقات صرف مالية آلية وتأسيس مئات المنافذ الإلكترونية لسحب تلك الأموال. حكومة الإقليم تقول إنها أسست قرابة 300 جهاز صرف آلي حتى الآن، واعدة بأن يصل عددها إلى أكثر من ألف قبل نهاية العام. كذلك قالت إن أكثر من 300 ألف موظف عمومي سجلوا حسابات في هذه المبادرة، وتم توزيع 200 ألف بطاقة مالية، معلنة أن التسجيل في هذه المبادرة أمر مفروض على كل موظفي الإقليم، وسيصدر قرار يمنع تسليم رواتب الموظفين العموميين باليد.
بحسب الموقع الرسمي للمبادرة، فإن التعامل مع المشروع يوفر للموظفين العموميين 19 خدمة مالية واقتصادية. فالمبادرة توفر وصولاً دائماً للحصول على كمية كافية من الأموال، في كل أوقات اليوم ومن دون أي تعطيل لأي سبب كان. كذلك يسمح الحساب للمتعاملين بالحصول على القروض والسُلف المصرفية المختلفة، كما يمكن استخدام البطاقات في عمليات الشراء عبر الإنترنت. كذلك فإن البطاقة تمنح القدرة على تحويل الأموال، داخل العراق وخارجه، وعلى علاقة آمنة بنظم الهاتف المحمول، سواء عبر الإشعارات أم إدارة الحساب.
مصدر سياسي كردي شرح لـ"النهار العربي" المرامي التي يعتقد الإقليم أن السلطة والأحزاب المركزية تسعى إليها عبر القفز على مشروع "حسابي"، وإجبار موظفي الإقليم على توطين رواتبهم في حسابات مصرفية مركزية، وقال: "في المحصلة، الدستور والقانون العام ينصان بوضوح على أن السياسة الاقتصادية والإدارة المالية في الإقليم تابعتان تماماً لحكومته، ولا يمكن لأي سلطة اتحادية تجاوزها بأي ظرف. وهذا، تفصيلاً، ما يميز الإقليم الفيدرالي عن المحافظات التابعة للمركز. ففي هذه الأخيرة تكون السياسة الاقتصادية والإدارة المالية تابعتين للحكومة وليس للجهاز التنفيذي للمحافظة. والحكومة الاتحادية حينما تريد أن تفرض علاقة مباشرة بينها وبين موظفي الإقليم، فهي تلغي السلطة الفيدرالية للإقليم، وتالياً سحب واحد من ثلاثة أسس للنظام الفيدرالي، وتالياً تقويض ما يتمتع به".
جدال بشأن "المراقبة المالية"
وبحسب طلبات الحكومة الاتحادية، فإن تسجيل موظفي الإقليم في حسابات ضمن المصارف الاتحادية العراقية، إنما يستهدف مراقبة وصول رواتب موظفي الإقليم مباشرة وضبطها، من دون أي إمكانية لتأخيرها أو أخذها لغير مصلحة مستحقيها. وهي اتهامات تنفيها حكومة الإقليم تماماً، فكل الجداول المالية التي طلبتها الحكومة الاتحادية تم تقديمها تباعاً، وعمليات المراقبة يمكن أن تجري على برنامج "حسابي" تماماً، خصوصاً أنه على شراكة مع عدد كبير من المصارف العراقية، الإقليمية والوطنية، مثل "البنك العراقي للتجارة" ومصرف "جيهان" و"بنك بيروت والبلاد العربية" وبنك" آشور" و"المصرف الأهلي العراقي".
اتهامات بالفساد
الباحث المالي شيروان زوزكي شرح في حديث لـ"النهار العربي" آليات المزاحمة بين القوى السياسية المركزية وسلطة الإقليم في ما خص آلية صرف رواتب موظفي الإقليم، وقال: "ثمة تجربة تطبقها وزارة المالية العراقية منذ سنوات، هي "كي كارت"، التي تُمنح للموظفين العموميين العراقيين، ويستطيعون عبرها سحب رواتبهم الشهرية. لكن المشروع يواجه اتهامات بالفساد، وليس هناك أي منافذ صرف آلية، فالموظفون مجبرون على تسلمها من منافذ أهلية في الأسواق، بعد دفع قرابة 1.5 في المئة من عوائدهم، ما يحقق للجهات الداخلة في المشروع قرابة 75 مليون دولار في الشهر، هذا غير فوائد التأمين على الأموال التي تمنحها للعديد من المصارف. وهذه الجهات تريد فرض السلطات والفوائد نفسها على موظفي الإقليم، لربطهم بالسلطة الاتحادية، وتالياً التقليل من الاستقلال المالي لموظفي الإقليم، وتالياً تجاوز حكومته، أو الجهات المالية فيه للاستفادة من التجربة".
يضيف زوزكي: "ما يقلق حكومة الإقليم هو إمكانية تحكم السلطة المركزية بآلية ترفيع الموظفين المحليين ومعاقبتهم مستقبلاً، بما في ذلك معاقبة بعض الموظفين لأسباب سياسية أو أمنية، في بعض القطاعات التي قد تعتبرها الحكومة الاتحادية غير مطابقة لسياساتها أو قوانينها، خصوصاً أعضاء قيادة قوات البيشمركة أو الأجهزة الأمنية الحساسة. فما لا يُمكن نكرانه هو عدم تصرف الكثير من مؤسسات السلطة الاتحادية بحيادية تجاه مخلف المناطق والحساسيات والجهات العراقية".
وترفض حكومة إقليم كردستان أي إلغاء لمشروع "حسابي"، معتبرة إياه آلية لتطوير الحياة الاقتصادية والمالية في الإقليم، ومن ضمن صلاحياتها، معلنة تجريبه في مؤسسات عدة مثل موظفي كليتي الآداب والزراعة في جامعة صلاح الدين، وعدد من المستشفيات.