يجلس القادة العرب صباح غد الخميس إلى مقاعدهم في قمة المنامة وأمامهم مهمات عدة معقّدة، أبرزها الخروج بخريطة طريق موحّدة لوقف الحرب في غزة في ظل التلويح الإسرائيلي المستمر باجتياح رفح، من دون إغفال مستقبل القطاع بعد الحرب وكيفية معالجة مسألة الانقسام الفلسطيني تمهيداً لـ"اليوم التالي".
أولوية وقف الحرب
وعشية القمة أكد مسؤول رفيع في جامعة الدول العربية لـ"النهار العربي" أن "الجهد السياسي العربي منصبّ على اليوم الحالي وليس على اليوم التالي"، في إشارة إلى جهود وقف الحرب وما يرتبط بها. وشدّد المستشار جمال رشدي، المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، على أولوية "مواجهة الوضع الصعب والمتفاقم في غزة والعمل على وقف النار وإدخال المساعدات وإغاثة الفلسطينيين ومعالجة تداعيات هذه الحرب البشعة على المدنيين في غزة"، لافتاً إلى أهمية "التحرك لتحقيق هذه الأهداف بما في ذلك ما يقوم به وسطاء عرب مثل مصر وقطر بخصوص صفقة تفضي إلى وقف النار".
وقمة المنامة هي الأولى التي تستضيفها العاصمة البحرينية في تاريخ القمم العادية والطارئة في جامعة الدول العربية، وتأتي بعد ثمانية أشهر على اندلاع حرب غزة، علماً أن السعودية استضافت خلال رئاستها قمتين عربية وإسلامية في الرياض بشأن غزة، تم على إثرهما تأليف لجان وزارية عملت على شرح الموقف العربي دولياً، إضافة إلى جهود تنسيق دخول المساعدات إلى غزة.
ومهّد وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري الثلثاء للقمة بتوفير أجواء توافقية، سبق أن عكستها اجتماعات المندوبين الأثنين ، وفيها تأكيد على دعم الموقف الفلسطيني وتكثيف الجهود لوقف الحرب ومنع اجتياح رفح وتأمين عودة النازحين.
مؤتمر دولي للسلام
وتتجه قمة المنامة إلى تبنّي مقترحات بحرينية عدة لتفعيل العمل العربي المشترك، منها اقتراح عقد مؤتمر دولي للسلام تستضيفه العاصمة البحرينية، وتكون من أولوياته وقف الحرب على غزة وتثبيت الرؤية العربية للسلام المستندة إلى المبادرة العربية وحلّ الدولتين.
وأكد رشدي في حديثه لـ"النهار العربي" أن المبادرة العربية "لا تزال تمثل الإطار العام للموقف العربي حيال قضية فلسطين والتصور العربي لحل هذه القضية على أساس رؤية حل الدولتين وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، مقابل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967. لا تزال مبادرة السلام العربية تمثل الإطار والمحدد الرئيسي للموقف العربي الجماعي من القضية الفلسطينية".
ما الملفّات المطروحة؟
ولئن كانت حرب غزة تستحوذ على الاهتمام الأكبر في قمة المنامة، إلا أن جدول أعمالها لا يغيّب قضايا أخرى شائكة وإن كانت معقدة بدورها، وأبرزها الحرب في السودان، والانقسام الليبي، والأوضاع في اليمن وسوريا ولبنان، إضافة إلى ملف رئيسي يتعلّق بالنفوذ الإيراني في الدول العربية، وستتم مقاربته في سياق تأكيد القادة العرب ضرورة "وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية".
في الملف الفلسطيني ثمة قضيتان رئيسيتان: الأولى كيفية مواجهة سياسات الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو التي تصرّ على مواصلة الحرب حتى "القضاء على حركة حماس"، والأخرى مرتبطة بالانقسام الداخلي الفلسطيني، وكيفية التعامل مع "اليوم التالي" بعدما تنتهي الحرب.
لا رهانات فلسطينية
ولا تبدو الرهانات لدى الجانب الفلسطيني مغالية في شأن خروج القمة بقرارات غير اعتيادية، إذ يقول نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" صبري صيدم إن "القيادة الفلسطينية تعي محددات القمم العربية والعناصر المكونة لسقوفها والعوامل الضابطة لإيقاعها". ويضيف في حديث لـ"النهار العربي": "بالتالي لا تتطلع القيادة إلا إلى استمرار الدعم العربي على كل الصعد، وأيضاً إسناد الشعب الفلسطيني في هذه المحنة والمحرقة المفروضة عليه، وتوفير مقومات الصمود بما فيها تفعيل شبكة الأمان والدعم المالي، إضافة إلى رفضها احتلال قطاع غزة والتأكيد على الترابط الجغرافي الفلسطيني ورفض الترحيل والتهجير والتطبيع على حساب الشعب الفلسطيني".
ويشدد صيدم كذلك على أهمية "رفض محاولة إسرائيل تغيير خريطة الشرق الأوسط عبر إفناء الهوية الفلسطينية، ليس فقط في قطاع غزة وإنما أيضاً في الضفة الغربية وفي الداخل الفلسطيني".
أما في شأن الانقسام الفلسطيني الداخلي، فيؤكد القيادي البارز في "فتح" أن ثمة اجتماعاً جديداً للفصائل الفلسطينية سيعقد في الصين الشهر المقبل "لتقييم مخرجات العمل والمتابعة الميدانية باتجاه تنفيذ الرؤى المتفق عليها في بكين، خاصة في ما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية لتكون العنوان الجامع للكلّ الفلسطيني".
خلف الكواليس... قوات عربية مشتركة؟
أعادت حرب غزة إلى كواليس الدبلوماسية العربية الحديث عن اقتراح تشكيل قوة عربية مشتركة، وهي الفكرة التي سبق أن أقرت مبدأها قمة شرم الشيخ عام 2015 باقتراح مصري، وسرعان ما انهارت. وعاد الحديث بشأنها عقب أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والحرب الإسرائيلية على غزة، في سياق اقتراحات لتمتين الموقف العربي. لكن المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية ينفي أن يكون هذا الاقتراح مطروحاً مجدداً في قمة المنامة. ويقول رشدي: "سبق أن طرحت مسألة القوة العربية المشتركة في وقت سابق، وبذل الكثير من الجهد من أجل إنجازها، ولكن تبين في النهاية أن الإعداد لها وتحقيق التوافقات المطلوبة لم يكن على المستوى الذي يسمح بتحقيق هذا الحلم الكبير. الدرس هنا أن القوة العربية المشتركة ليست مسألة سهلة بل تكتنفها الكثير من المعضلات التي يجب حلها أولاً، والتعامل معها سياسياً لتحقيق التوافقات المطلوبة من أجل إنجازها. وهذه الفكرة في الوقت الحالي ليست مطروحة على أجندة العمل العربي المشترك".